مقالات سياسية

عباقرة الكذب وأفلام الرعب .!!

خالد عبدالله- ابواحمد

الدكتاتوريات على مر العصور كان أكثر ما يرهبها ويزرع فيهاالخوف ويقلق منامها ويطاردها في أحلامها الكلمة، لأن الكلمة تعني الحقيقة مدام هي كذلك فهم لا يريدون التفوه بها، لأنها تذكرهم بالدماء التي أراقوها، والدمار الذي فعلوه، لذلك يستميتوا عنفا وقساوة مع أصحاب الكلمة لأنهم الحلقة الأضعف، ولنا في جريمة اغتيال الزميل الصحفي محمد عبده محي الدين عبرة، لأنه تفوه بكلمة ضد السلطان الجائر الظالم، وبعد ايام قليلة وجدوا جثته تطفو في مياه النيل، وليس محي الدين وحده الذي دفع ضريبة الكلمة، هي سلسلة طويلة من قوائم الشرف والحرية في بلادنا وكل بلاد العالم الذين أناروا لنا الطريق.

في عام 2011م أصدرت كتابا الكترونيا بعنوان (عباقرة الكذب) في حوالي 258 صفحة من الحجم العادي، وقد صدر الكترونياً كمرحلة أولى وقد تم تحميله ملايين المرات وهو الان موجود في مواقع كثيرة جدا على نطاق عالمان العربي،، وثم طبع ونشر ورقيا من قبل دار النشر العالمية بالقاهرة وطاف في عدد كبير من معارض الكتاب في البلاد العربية والخليجية، ومن ضمنها البحرين.

الكتاب عبارة عن أكثر من 40 مقالاً تم اختيارها من جملة 120 مقالاً كتبتها بعد خروجي من السودان بداية 2001م وحتى العام 2010م هذه المقالات كانت عبارة مقالات راصدة تفضح طريقة الحكم في السودان والفساد المالي والاداري والاخلاقي الذي كان ديدن الحُكم في السودان، ركز بشكل كبير على أساليب الكذب الواضح والفاضح الذي كانت تمارسه حكومة النظام البائد في إدارتها لشؤون البلاد، مستندة على ما تنشره صحف النظام آنذاك ومن المصادر الصحفية الخاصة، والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشكل خاص في التنمية البشرية الشفافية، وفي تلك الفترة وحتى سقوط النظام ظلت بلادنا مع الصومال والعراق واليمن في ذيل العالم انتشاراً للفساد والمحسوبية واهدار المال العام والانتفاق على التسليح وشراء الطائرات أكثر من الانفاق على الصحة والتعليم.

سد الثغرات

الكتاب جاء في فترة من الفترات نشطت فيه حركة التوثيق من حولنا وفي محيطنا العربي والإقليمي لأن التاريخ قيمة حضارية تساهم بقدر كبير في ربط الأجيال ببعضها البعض، وتمكن من تعرية وفضح الأنظمة الفاشلة الديكتاتورية اليت اراقت دماء شعبها ودمرت امكانياته، وفي تقديري أن الاهتمام بحركة التوثيق والتاريخ من صميم اهتمامات الإعلاميين والعاملين في مجال الصحافة بشكل خاص سيما وأن الصحافة اكثر عناصر العملية الإعلامية التي إرتقت بحركة الانفعال بقضايا الوطن وبصّرت المواطنين البسطاء بتحدياتهم ومكنتهم من معرفة خارطة الطريق نحو الانعتاق من براثن الديكتاتورية وهذا ما حدث بالضبط في السودان، فكانت الثورة المباركة، نعم حتى الآن لم تحقق إلا القليل جدا من أهدافها، نعم لازال النظام البائد يتحكم في الكثير من مفاصل الدولة إلا أن الشعب يرقب ويرصد ويتابع، وله في ذلك فهم وطريقة في التعامل مع المستجدات.

قبل فترة فكرت في تقديم يد العون للكثير من المشاريع الانسانية والوطنية في بلادنا وبما أن -العين بصيرة واليد قصيرة- فنويت على طباعة كتاب (عباقرة الكذب) هذه المرة في السودان وبيعه بسعر الكلفة وأن أخصص ريعه لعدد من الجهات التي تعمل على الأرض في سد الثغرات الانسانية بشكل خاص أبطال جرحي الثورة وأسرهم الشهداء، والأسر المحتاجة، اتصلت بأحد الاخوة وذهب للجهة المعنية في الخرطوم بالموافقة على نشر الكُتب فوجد ذات الأشخاص التابعين للنظام البائد وعرض عليهم الموضوع فرفضوا، لم استغرب ذلك لأنني أدري الكثير من الجهات لا زالت في قبضة الجماعة.!.

الصحفي الاستقصائي

قبل أيام بثت قناة السودان (القومية) التلفزيونية حوارا جميلا وممتعا على حقلتين من برنامج (فضاءات حرة) الذي قدمته المذيعة المبدعة سلافة ابوضفيرة مع الزميل الأستاذ الصحفي الاستقصائي عبدالرحمن الأمين الذي لعب دورا كبيرا في إبراز دور الصحافة الاستقصائية في محاربة الفساد، وكشف من خلال هذه الحلقات الأرقام المهولة في سرقة المال العام، ليس هذا فحسب لكنه كشف عن الطريقة التي كانت تدار بها دولة المافيا البائدة، معلومات تشيب الرأس، لكن..!!.

بعد مغادرة الزميل الصحفي إلى العاصمة الامريكية واشنطن حيث يعيش هناك، استدعت النيابة المذيعة سلافة ابوضفيرة حول لقائها التلفزيوني مع الزميل عبدالرحمن الأمين، وعن المعلومات التي وردت فيه، أعتقد أني لو كنت أجهل ممارسات قيادات النظام البائد وجبنهم وخساساتهم كنت سأستغرب واندهش غاية الدهشة لذلك لم استغرب ابدا، الطبيعي أن النيابة تستدعي الشخص الذي تفوه بالمعلومات، بما أن الزميل يحمل الجنسية الأمريكية خافوا منه، فهم يخافون من أمريكا أكثر مما يخافون الله خالقهم، هذه هي نفس الممارسات التي قهروا بها الشعب السوداني 30 عاما من الارهاب والكبت حتى لا تخرج الحقائق لعامة الناس لأنها ستفضحهم وتعريهم أمام مجتمعاتهم.

الزميل الاستقصائي عبدالرحمن الأمين في حواره مع الزميلة سلافة ابوضفيرة، وحوار بصحيفة (الديمقراطي) مؤخرا ذكر نقاط اعتقد هي التي هزت الجماعة وجعلتهم يرتعبون خوفا على مصالحهم فطالب الزميل الصحفي بـ “تكوين فريق عمل يدرس قوانين البلدان التي فيها الأموال يضم خُبراء من الخارجية السودانية ومن النائب العام ومحامين ومحققين عالميين ومحليين، وهو تحرك جزء منه قانوني وجزء استقصائي، والحديث عن استعادة الأموال المنهوبة بدون ذلك عبث وتضييع وقت، يجب أن ترقى الإرادة السياسية إلى مطالب الشعب”.

الرعب والخوف..

وتكمن المعلومات التي أدلى بها الأمين في البرنامج التلفزيوني وفي الحوار مع (الديمقراطي) ذات أهمية بالغة جدا لأنه حدد بالضبط الدول التي تقبع فيها أموال الشعب السوداني المنهوية وقال الزميل ” البلدان التي فيها أكثر الأموال هي الإمارات وتركيا وماليزيا، وهناك عقارات في مصر، وهناك أموال في هولندا وأروبا عامة استعادتها أسهل وقد هربت عن طريق أبنائهم”.

نعم أن حلقات برنامج (فضاءات حرة) وما ورد فيه من معلومات عن جرائم أبطالها على قيد الحال منهم من هو داخل السودان ويقبع خلف الكواليس يحرك الكثير من الدُمى في دولاب الدولة، ومنهم في دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا وغيرها يمارسون التجارة بأموال الشعب السوداني المنهوبة، وأكثر ما تناوله المواطن السوداني من تلك الحلقة التلفزيونية التي ادخلت فيهم الرعب ما أشار إليهم الاخ عبدالرحمن الأمين بقوله:

“هناك دراسة شاركتُ فيها صدرت في الأيام الماضية لمعرفة من أين كانت السرقات ومتى تمت؟ اعتمدت الدراسة على مضاهاة الإحصائيات الحكومية الرسمية بإحصائيات إدارة الاتجاهات الإحصائية في التجارة الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي، الدراسة المذكورة اكتفت برصد 374 معاملة تجارية فقط بين السودان و70 دولة في فترة قريبة وهي الأعوام (2012- 2018م)، دعك عن كل الثلاثين عاماً، وتم حساب “فجوة اللصوص” عبر مضاهاة ما ذكر السودان أنه صدره وما ذكرته الدول المستوردة منه أنها اشترته، ورد في إحصائيات السودان الرسمية أنه صدر بترولاً وذهباً بما يساوي 60 مليار دولار، لكن في الحقيقة صدّر ما قيمته 90.9 مليار، فالفجوة بين ما أعلن عنه والحقيقة، أي ما سرقه اللصوص مباشرة، هي 30.9 مليار دولار”..!!

كانت دهشة السودانيين الذين شاهدوا هذه الحلقات كبيرة جدا لأنها المرة الأولى منذ 30 عاما تخرج عبر (التلفزيوني القومي) مثل هذه الأرقام الصادمة ومثل هذا الحديث الواضح والصريح عن فساد طغمة كانت تتحدث باسم الله وباسم الاسلام، وتعادي كل من يختلف معها في الرأي.

خلاصة القول أن استدعاء المذيعة سلافة ابوضفيرة هو رسالة للأخرين بأن -أفلام الرعب – هذه ممنوعة من البث..!!.

ربما وهذه استبعدها أن يكون ظهور سلافة ابوصفيرة بهذا المستوى الاحترافي من الحضور الكامل وروعة التقديم هو مجرد غيرة وحسد لأن هذا الجهاز طيلة حكم الجماعة لم نر فيه ابداع في التقديم والابهار في استخراج المعلومات واستدعاء الذاكرة الحية، تعودنا على برامج الونسة الفضائية والغناء الهابط والتقديم الضعيف والاسئلة الركيكة، لكن في كلا الحالات نحن جميعا نتفق على أن الرسالة قد وصلت..!!.

صحيفة (الديمقراطي)

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..