الكومبرادورية في قطاعنا الزراعي..!
* تطرقنا بالأمس إلى مصطلح الكومبرادورية الذي ساد في مرحلة التحرر الوطني في مرحلة الانتقال إلى التحول الاقتصادي القومي للنهوض بالقطاع العام للدولة الذي بدأ عقب مرحلة التحرر من الاستعمار الاستيطاني عندما نهضت الرأسمالية الوطنية وقامت بدورها في تنمية بلدانها وقد بلغت الرأسمالية الوطنية أوجها في مطلع السبعينيات أوقبل ما يعرف بمرحلة الانفتاح الاقتصادي وهي مرحلة نموء الرأسمالية المتوحشة التي قادت لانتشار الرأسمالية الطفيلية في ظل الأنظمة الديكتاتورية وخاصة إبان أواخر فترة النظام المايوي عندما تحالفت الجبهة القومية الإسلامية مع نظام المخلوع نميري وقد نجم عن هذا التحالف نموء وإزدهار الفئة الطفيلية الاسلاموية لتزيد من شراسة الرأسمالية التي أزاحت الرأسمالية الوطنية لتحتل مكانها نقيضها تماماً وهي الطفيلية الكومبرادورية التي هيمنت على الاقتصاد الوطني لتجعله تابعاً للأجنبي.
* كلمة كومبرادور وهي أصلاً كلمة برتغالية Comprador وتعني المشتري وهم مجموعة عملاء وتحديدا وسطاء ووكلاء تجاريين، يقومون باستيراد البضائع الأجنبية وتسويقها في بلدانهم حتى في ظل وجود إنتاج محلي، يهدفون وراء ذلك تحقيق أرباح على حساب الإنتاج الزراعي والصناعي لهم وللشركات في البلدان التي يستوردوا منها هذه السلع والبضائع والخدمات، لعل أول من استخدم مصطلح الكومبرادورية كما جاء في أدبيات الحزب الشيوعي الصيني (اثناء الثورة الثقافية الصينية وبعدها بقيادة ماوتسي تونج) مفهوم الكومبرادورية أستخدم لفضح العملاء والوسطاء الصينيين المتعاونين مع الاستعمار، فالكومبرادوري يستوي اليوم في بلادنا مع مرتبة العميل . وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن تأخر وتخلف الصناعة والزراعة في بلادنا بسبب اتساع نشاط الكومبرادور في مختلف المجالات.
* بهذا التوضيح الضافي لمصطلح الكومبرادور الذي إختفى من التداول وتم الاستغناء عنه باستخدام نعوت وأوصاف عديدة لنشاط الكومبرادورية (نقيض الرأسمالية الوطنية) وقد شاع في السودان إطلاق لفظ الطفيلية الإسلامية وفي أحيان أخرى يتم الاكتفاء بإطلاق لفظ العملاء وفي أدبيات المثقفين اليساريين اكتفوا باسم أعوان المستعمر خدم الرأسمال كما جاء في قصيدة محجوب شريف في مرثيته للقائد العمالي المناضل قاسم أمين والتي يقول في بعض مقاطعتها ( كتلوك خدم الرأسمالي يآ زول يآ عادي يآ زين.)، إذا إقتربنا أكثر من تتبع النشاط الكومبرادوري في اقتصادنا الوطني نجد نشاطهم يتمركز بوضوح جداً في القطاع الزراعي الذي توجد به الكثير من المزايا الإنتاجية التي تحتاج للعديد من المدخلات من تقاوى وأسمدة ومبيدات وجوالات وحاصدات وآليات علاوة على وجود إنتاج للمصادر أصبح هدفاً للنشاط الكومبرادوري المتمثل في الشركات التعاقدية وعلى وجه الخصوص في احتكار محصول القطن بتمويله وتصديره بدون إضفاء عليه قيمة مضافة غير الحليج وعند افتضاح أمرهم اتجهوا لزراعة فول الصويا بذات اسلوبهم في زراعة القطن .
* إذا تتبعنا النشاط الكومبرادوري في القطاع الزراعي نخلص إلى الحقيقة المؤلمة وهي التدمير الممنهج للزراعة والمشاريع الزراعية خدمة للأجنبي الذي يطمح في الاستيلاء على الأرض والمياه ومن أجل ذلك لابد من استراتيجية افقار صغار المزارعين وازاحتهم عن الأرض كما شهدنا ذلك من قبل بتدخل بنك المال المتحد لشراء الأرض، الكومبرادورية تتمركز في نشاط الشركات الزراعية التجارية التي تعمل المستحيل وتقف سداً منيعاً للحيلولة دون توطين مدخلات الإنتاج بتصنيعها محلياً لأن نشاطهم الكومبرادورية يقوم على استيراد مدخلات الإنتاج من الأجنبي وراكموا ثروات ضخمة من الأرباح الخرافية من بيع مدخلات الإنتاج بأسعار خرافية مستغلين تساهل وإهمال الحكومة والقطاع الزراعي عبر البنك الزراعي الذي يدعم النشاط الكومبرادورية بترويج بيع المستورد من المدخلات وكان بإمكانه مع بنك التنمية توطين صناعة المدخلات وقد بلغ النشاط الكومبرادورية أشده وذلك بتدمير أي مرفق إنتاج يوفر مدخلات الإنتاج كما حدث بالنسبة لتدمير قطاع الري عبر شركات الخدمات المتكاملة وبيع مصنع كناف ابونعامة لإنتاج الجوالات والخيش الذي ننفق على استيراده سنوياً أكثر من ٧٥٠ مليون دولار وكذلك تدمير وإضعاف هيئات البحوث الزراعية، حان الوقت أن يعلن المزارعون في السودان الحرب على النشاط الكومبرادوري في قطاعهم الزراعي وقطعاً لن يخسروا سوى أغلالهم.
الجريدة
مقال موفق وفي الصميم
كدا بتبقي الكاتب اليساري المهموم بقضايا الناس الذي نعرف ونحترم