حوارات

حدبث مع عيسى الحلو

لكتابة والقراءة / سبعينات القرن (آسيويا/ إفريقيا وعالميا )

×جوائز الرواية /كتابات الربيع العربي.

×الفكر التقليدي والحداثوي /إبداعا ونقدا .

×إبداع الحياة بين القديم والجديد .

×الثورة السياسية /صناعة السؤال وصناعة الإجابة .

×صفقة العصر وسؤال التطبيع .

أجراه :محمد نجيب محمد على

الحديث مع عيسى الحلو له متعة مختلفة كانك تجلس مع مجموعة من المبدعين وليس مبدع واحد ، فهو قاص وروائي وناقد بجانب إشرافه على الملفات الثقافية على مدى ستين عاماوقد وجدت أعماله الإبداعية خاصة فى مجال الرواية العديد من الدراسات النقدية والجامعية إذ يعد أحد الكتاب الكبار فى هذا المجال وله العديد من الإصدارات أولها ( ريش الببغاء )التي صدرت عام 1967 وآخرها روايته ( نسيان ما لم حدث ) والتي صدرت عن دار مدارك قبل أيام بالخرطوم .
وبينهما حوالى الثمانية إصدرات بين القصة القصيرة والرواية , طالت جلستنا على مدى أكثر من يوم وحول أكثر من قضية حول الراهن والتجربة والكتابة والفلسفة والسياسة وهو موسوعة فى كل مجال يتناول كل مسألة بترتيب ووعي عميق وذاكرة لا تجفل خيولها .. هو حوار المتعة والمعرفة ..كل إجابة منه تطرح سؤالا وكل سؤال يقود إلى إجابة ..وكانت هذه الحصيلة
– روايتك الجديدة نريد أن تحدثنا عن مشروعك الإبداعي؟.

مشروعي الإبداعي تحول بعد أن اشتغلت بالصحافة الثقافية وذلك فى أوائل السبعينات. قدرت بشكل موضوعي قدراتي فى العمل بحيث يكون إنتاجي مفيدا للساحة الثقافية بمجملها، فكان على أن أرتب حالى فى أن تكون مسئوليتي الأولى هي مسئولية العمل الصحافي الثقافي. أما صفتي الأخرى بوصفي منتجا ثقافيا فهذه لا تحظى عندي بالمكانة الأولى ولكي أكون منصفا لذاتي الكاتبة ولذاتي الإعلامية فضلت أن أكون هاويا وليس كاتبا محترفا، فكنت أقدم من وقت لآخر من خلال عملى الصحفي كمشرف صحفي عن الملف الثقافي الإسبوعي فى الأيام وقتذاك فى أوائل مطلع السبعينات بعض النصوص ، وقد جودت عملي الصحافي وقللت من إهتمامي بالعمل الإبداعي فكنت أكتب رواية واحدة طوال السنة وأكتب مجموعة قصصية طوال السنة أما جهدي الأعظم كان موجها لمسئوليتي الأساسية وبالفعل كان ملحق الآداب والفنون فى جريدة الايام طوال 12 سنة جهدا قدره القراء والكتاب المبدعون واكتفيت بهذا الشرف ومازلت أتعامل مع كتاباتي الخاصة بروح الهاوي غير المحترف وهذا هو السبب فى رأي وإصراري على أن أكتب نصا مختلفا أمارس فيه حريتي فى الكتابة دون أن أخشي ذاك النوع من النقد القاسي، حتى الآن طوال السنوات الماضية أعتبر نفسي كاتبا مبتدئا لا يدير رأسي الثناء ولا يحبطني الهجوم النقدي فبمثل ما أعطي نفسي حرية أن أكتب ما أشاء وكيف ما أشاء، فكنت موضوعيا بما يكفي فأعطيت القاريء حقه لأن يقبل نصي أو يرفضه وفى ظني أن الكتابة هي أصلا حوار متبادل بين حرية القاريء وحرية الكاتب فكلاهما له القبول أو الرفض ولهذا أنا لا أضع هما كبيرا فى متابعة آراء القراء وأثمنها بما يشبع غروري الذاتي لأني لا أصاب بالإحباط مطلقا وذلك حتى تشيع فكرة الحرية كتابة وقراءة ،مما يطور الفعل الكتابي فى الوطن بشكل عقلاني ديمقراطي وهذا ما يحفظ لنا نقاء الفكر الإبداعي والسياسي داخل مناخ ديمقراطي. فى روايتي الجديدة التي صدرت قبل أيام من دار مدارك وهي بعنوان (نسيان مالم يحدث )هي نفس مساري الذى إبتدأته من كتابي الأول (ريش الببغاء )فى الستينات حيث أعطيت نفسي حرية كبيرة أن أكتب ما أفكر فيه حقا وما أحس به حقا وأنا وسط الآخرين فهي ليست حرية ذاتية مطلقة فالإنسان لا ينال حريته إلا بالحوار الجاد الذى يعترف فيه كل من الأنا والأنت بالآخر وهكذا تتأسس الأفكار الكبيرة والعميقة ولهذا أنا ادعوك لأن تقرأ هذه الرواية التي أعتقد أنني قد بذلت فيها مجهودا، وأترك تثمين هذا الجهد للقراء فقط، ولكنها بالحق تحتاج لقارىء مدرب للنصوص التي تبدأ الكتابة من الصفر تلك التي يسميها رولان بارت(كتابة تحت الصفر او الكتابة البيضاء ) هذا كل ما يمكن أن أقوله بصدد النص الروائي الجديد، أما النص النقدى فقد جاء إهتمامي به وإشتغالي فيه لأنني كنت أريد أن أتعرف على قدراتي فى الكتابة، أين نجحت وأين فشلت، وأن أجعل كتاباتي تدخل فى فضاء ومجاورة النصوص التي تعاصر ما أكتبه من نصوص وبذا يتعرف غيرى وأنا على العصر الذى نكتبه، أو بالأحرى العصر الذى يكتبنا. ولعلك تندهش عندما تعلم أنني إنتهيت من كتابة نص نقدى لديوان شعر يصدر خلال هذه الأيام للشاعر الياس فتح الرحمن وهو بعنوان (القصائد تقطف فى أوانها) لا تتعجب أن يكتب روائي منشغل بالنص النثري عن نص شعرى كما قلت لك فى بداية حديثي هذا وما جعلني أرتب قدراتي بين الأدب والصحافة هو معرفتي اليقينية أن كل أجناس الإبداع كتابة وموسيقي غناء وتشكيل كلها يربطها خيط واحد مشع ووامض بالرؤيا المتكاملة للحياة وهي قدرة تشترك فيها كل الأجناس الإبداعية بوصفها الرؤية الإنسانية الوجودية لهذا العصر
– من خلال تجربة عيسى الحلو فى الكتابة الروائية والنقد كيف تقرأ
الرواية العربية الحديثة فى البلاد العربية المختلفة ؟

كانت مصر فى طليعة التقدم الثقافي والحضاري منذ عهود بعيدة بسبب جهود محمد على باشا فكانت هذه أول مراحل النهوض ،وكانت قبل هذه الفترة بمثابةإشعاعات الثقافية الظاهرة أبان حملة نابليون، ومنذ ذاك الوقت أصبحت مصر قادرة على التوحيد مابين الثقافة الحداثوية والثقافة التقليدية إلى جانب أنها كانت من أهم أمصار الدولة الإسلامية فى عصورها الأموية والعباسية ،ولهذا كان خطابها الأدبي على درجة من التجويد والإتقان. فيما بعد تخطت السرد الحكائي الذى أسسته كتابات الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وأدب المقامات مقامات الحريري والجاحظ وإبن المقفع. .. ، ثم جاء الخطاب السردي الحكائي فيما يسمي بالنصوص السردية حتى وصلت إلى رواية زينب لمحمد حسين هيكل وهكذا أخذ التطور السردي الروائي في التطور بما يعرف بالسرد الروائي كما يحدده النقد الروائي المعاصر، ثم جاء نجيب محفوظ وكانت القفزة الكبري في مسار الرواية العربية المعاصرة .وسر تفوق ريادة نجيب محفوظ أنه خلص السرد الروائي العربي فى هذا الوقت من مرجعية النص الروائي الشفاهي الشعبوي وذهب به إلى النص الروائي المكتوب (رواية عائلة برودن بروك للالماني مارسيل بروست في روايته الثلاثية ) . وبذا وضع حدا للتداخل مابين (الكلام والكتابة) .ثم جاء الطيب صالح وذهب فى نفس الطريق مما جعله يكتسب لقب (عبقري الرواية العربية ). أما الحال فى دول المغرب العربي فقد تمكنت الرواية الفرنسية فى كل من تونس والمغرب والجزائر لاسيما وأن الجزائر كانت قد عرفت الإسباني سيرفانتس صاحب دونكيخوته ،كما عرفت البير كامو الذى عاش فى أزقة الجزائر العاصمة وكتب روايته الشهيرة الطاعون ( واعراس تيبازا) ،ومنذاك الوقت جاء تقوق دول المغرب العربي فى كتابة السرد الروائي. أما الدول العربية الأخرى فكان النهوض الثقافي مرتبطا بالتحولات الحضارية والثقافية بسبب أن الإستعمار قد جثم على صدورها لمدة أطول وأنها لم تجد المناخ الديمقراطي فى الحوار ما بين الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة ولم ينفتح لها الأفق إلا بعد أن نالت الإستقلال السياسي وتخلصت من القيود الثقيلة ولكنها كانت على درجة من الحضارة التي لا تكفي لتحرير آدابها وفنونها وخطابها السياسي الحر الذى يمكنها من الإبداع فى شتى المجالات ثم دارت دورات كاملة من التقلبات السياسية والحضارية والاقتصادية التي غيرت من المشهد الثقافي في كافة أنحاء الوطن العربي خاصة بعد تأسيس دولة اسرائيل مما أدى إلى التجاذبات بين شتى تيارات الطمع الإستعماري في ذاك الوقت مما عطل المشروع الثقافي التنموي فى عالمنا العربي الأفريقي والآسيوي وجاءت حركات التحرير الوطني المعاصرة، فجاء عبد الناصر بخطابه القومي وجاء نكروما وجاء جواهر لانهرو في الهند وسوكارنو في اندونيسيا مما أدى الى ما يسمى بالحياد الإيجابي أبان الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية الشيء الذى أدى إلى ظهور السرد الروائي الواقعي الإشتراكي ومما أدي إلى ظهور قصيدة التفعيلة في العراق ومصر ثم فى كل انحاء الوطن العربي.
هذا هو المشهد بعمومه حتى الستينات من هذا القرن ثم تغير هذا المشهد وأصبحت الغلبة لتيارات الإبداع الحديثة فكانت تونس والجزائر والمغرب يباشرون العمل الروائي وفق مناظير النقد الاوروبي بمختلف تياراته الجمالية حتى أن روائيا مثل الفرنسي (غوستاف فلوبير) يقول أن الرواية هي فن الشكل كما يقول ميخائيل باختين من الشكلانيين الروس أن مهمة الخطاب الشعري هو توصيل الجمال ومهمة الخطاب النثري هو توصيل المضمون فأصبحنا أمام موقفين متعارضين ومازال هذان الموقفان يتفاعلان في الساحة السردية والشعرية ولعل أكثر نصين يعبران عن هذا التعارض قصيدة آسيا وأفريقيا للسوداني تاج السر الحسن أيام مؤتمر باندونق ثم قصيدة الجندول لعلى محمود طه ولكن الآن تدفقت من كل أنحاء العالم مناهج نقدية جديدة تعبر عن رؤى مختلفة وتطمح فى التجديد في شكل ثورة كاملة، وأذكر أنه فى 1965عقد مؤتمر روائي عالمي ضم روائييي العالم من آسيا وافريقيا واوروبا والأمريكتين في عاصمة كوبا هافانا أيام كاسترو ومن أهم المشاركين كان جان بول سارتر والشاعر الروسي الشاب افتشنكو والروائي الايطالي البرت مورافيا ويوسف ادريس وكانوا يناقشون أزمة الرواية الاوربية ودخولها فى عنق الزجاجة وأن السبب فى ذلك يعود كما فسروا هذا المأزق أنه جاء بسبب زوال سلطة الطبقة الوسطى فى اوروبا وأن الحل يكمن في بلدان العالم الثالث لتطوير السرد الروائي ومن الغريب انه فى ذات الوقت اكتشفت امريكا اللاتينية الواقعية السحرية كمذهب سردي روائي وكان على رأس هذه الواقعية السحرية اللاتينية الروائي استورياس وبورخيس وماركيز وفيما بعد داخل نطاق هذه الثورة ضد الرواية التقليدية عالميا ظهرت الدعوة فى فرنسا لكتابة رواية جديدة ضد روايات بلزاك وروايات استاند ال والاسكندر دو ماس وفلوبير وسموا هذه الرواية الجديدة التي يبشرون بها بالرواية المضادة أو الرواية الواقعية الجديدة او اللارواية ومن كتاب هذا التيار الن روب جرييه وناتالى ساروت ومارقريت دوراس، وهي رواية ضد الوصف وتخلو من البطل كانما يريدون أن يقولوا أن الإنسان قد فقد سيطرته على العالم وهناك تيارات أخرى ظهرت عند الزنوج الامريكان كرواية الفردوس لتنسي ميرسون كما ظهر كتاب شباب من الامريكان الذىن أسمتهم جيرتروداستاين منهم همنجواي واسكوت فتز جرالد .وهكذا يمور العالم باتجاهات روائية متعددة كل ذلك وهناك الرواية المستقرة التقليدية التي تنتمي للقرن ال19 الميلادي ومنها الكتاب الروس الكلاسيكيون بسترناك وشيلخوف ودستوفسكي وتولستوي وتورجنيز وقوقول وفي اوروبا الشرقية كان هنالك كافكا وموزيل وبلوخ كل هذه الاتجاهات أصبحت هي ميراث السرد الروائي فنحن أمام موقفين فى الخيار أما أن نختار الموقف التقليدي او الموقف التجديدي الحداثوي هذا على مستوي التجريب كما فعل يوسف شاهين فى السينما وعبد الوهاب فى الموسيقي ولكن إلى جانب هذا الخيار الذى يمثل طموح الفنانين المجددين إلا أن هنالك واقعا عربيا افريقيا اسيويا يفرض قضايا الحياة الاجتماعية والسياسية الثقافية الجمالية ويعبر عن الثقافة القومية في بعدها الإنساني العالمي وهذا ما ظهر جليا في ثورات الربيع العربي والتي مازالت تجدد نفسها في ثورة ديسمبر فى السودان وفي العراق. وفى الحوار السياسي الديمقراطي فى مجلس النوا ب فى تونس وضبط الحرية المطلقة للغنوشي والإنتخابات البرلمانية فى الكويت ومحاولة مصالحة دول الخليج وفك حصار قطر ومطالبة الاتحاد الاوروبي بمطالبة مصر بمراعاة حقوق الإنسان ونيل السودان حريته من الحبس داخل دائراة ما يسمى بالارهاب وتفكيك الدولة العميقة فى مؤسسات مرتبطة بالقوانين والحريات العامة
– ماذا عن الرواية الجديدة فى عالمنا العربي؟

الرواية العربية الجديدة تجد فضاءا واسعا فى دول المشرق العربي وذلك للصلة القوية بين أدب الرواية الفرنسية وعلاقتها المتينة تاريخيا بدول المغرب العربي حيث نفوذ الثقافة الفرنسية منذ الاستعمار الفرنسي لهذه الدول وسيادة اللغة الفرنسية بين الكتاب والقراء وهذا ما سهل انتشار هذه الرواية الجديدة التي يكتبها روائيو تونس والمغرب والجزائر حيث اصبحت هنالك ذائقة قرائية قوية لهذا الابداع الجديد حيث كان الجمهور العربي فى هذه الدول يستقبل هذا النوع من الرواية بحماس كبير مما جعله لايقبل على الرواية التقليدية أذكر أنه فى دورات سابقة لجائزة الطيب صالح قرأت رواية من الجزائر وهي رواية جيدة للغاية بعنوان مذكرات المعتوه لإسماعيل يبرير وكانت الاولى وهنالك الجائزة الثانية التي حاز عليها الكاتب السوداني عمر احمد فضل الله وهنالك روايات عديدة فازت فى الدورات السابقة منها رواية للسورية توفيقة خضور ورواية للمغربية وئام المغربي وأخرى للجزائرية هاجر قويدري ومن حسن حظي انني قد اطلعت عليها من الهدايا التي كانت تصلنا من
أمانة الجائزة لمطبوعات هذه الروايات التي كانت تطبعها دار نشر مدارك ومن قراءتي لهذه الأعمال الجديدة ومن إطلاعي على الرواية فى المشرق العربي فى عهودها القديمة التي تمثل الرواية التقليدية وفى إطلاعي لكتابات الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي التي كان يدرس فبها كتابات المغرب العربي الروائية ومن إطلاعي على روايات الكاتب الكبير التونسى محمود المسعدي فى روايتيه (السد)
و(حدث ابوهريرة قال) تجد أن الرواية الجديدة ذهبت الى آفاق بعيدة من حيث التقنية السردية التي تعتمد على البطل المأزوم المشحون بالحزن والاحباط وإمتداد الطرق لتطلعه لحياة أفضل مع عرض للمشاكل الإجتماعية والفساد السياسي والإقتصادي وفشل الدولة فى القيام بواجباتها نحو المواطنين وهذا ما كانت تعبر عنه كل الروايات التي صدرت إبان الربيع العربي، فكانت هنالك رواية تمهد للربيع العربي وأخري بعد الربيع العربي توصف المناخات التي أدت لثورات هذا الربيع وكذلك تجد فى الجزائر أن هنالك الروايات الجديدة التي تعبر عن إنسان الصحراء الجزائرية وإنسان السواحل فى وهران وهي رواية مشدودة ومتوترة بين قطبي القديم والحديث وهي تنتصر للحداثة فى كل مرافق الحياة السياسية وتطالب بدمقراطية كاملة والتخلص من القيادة الفردية والمحسوبية الإدارية والسياسية والفساد الإقتصادي ،وهنالك الكاتب الجزائري الضخم واسيني الاعرج الذى يعالج الرواية وفق مناظير المستقبل ووفق تقنيات الشكل الروائي الجديد ويتابع القضايا العربية فى جذورها وأزمتها المعاصرة ويرجع أحيانا للتاريخ ليقارن بين صورتي الماضي والحاضر، الجزائر لها تراث روائي ضخم يتجلى في إرث الدكتورة الجزائرية اسيا جيار التي ترجمت إلى الفرنسية وهنالك جيل فى المغرب يواكب هذا الجيل ويذهب نفس المذهب التجديدى الطاهر بن جلون كما الطاهر ود طار فى الجزائر ولكن التجلى الحقيقي الذى تتمظهر فيه كتابات المغرب العربي هي تلك الكتابات التي عبرت عن الربيع العربي قبله وبعده تلك التي مهدت إليه وتلك التي وصفته فكانت الرواية العربية الجديدة هي ثورة فى الشكل وثورة فى المضمون ثورة تريد أن تضبط مسار الديمقراطية السياسية وتربطها بحرية التفكير وحوار الأنا والآخر ومن ثم أصبحت هذه الرواية التي يكتبها المغرب العربي هي إضاءات تضىء كل المنطقة العربية وتلقي الضوء بكثافة على الصعوبات . الجوائز الروائية فى كتارا والبوكر والعويس ونجيب محفوظ وهي تشجع على كتابة الرواية الجديدة التي رفعت لواءها ثورات الربيع العربي .

– كيف ترى جوائز الرواية العربية جائزة الطيب صالح زين وعبد الكريم ميرغني وجائزة كتارا وجائزة العويس ونجيب محفوظ والبوكر؟

فى تقديرى لكي تحصل الرواية العربية فى الدول العربية المختلفة على هويتها وشخصيتها العامة إلى جانب تميزها النوعي بإعتبار أنها تنتمي لوضعها الثنائي الجغرافى والحضارى بين العربية الإسلامية والأفريقية والآسيوية فمن الأفضل تكوين مجلس إسنشارى ثقافي نقدي يمثل التوجهات الخاصة لكل من هذه الأقاليم فى إطار التكامل الثلاثي العربي الافريقي الآسيوي وذلك ربما يؤدى إلى وحدة بين هذه الجهات الثلاث كما حدث فى مؤتمر باندونق الذى عقد فى اندونيسيا وضم زعامات عربية وافريقية واسيوية واوربية (تيتو) فهذا التنسيق بين جوائز الرواية فى هذا العالم العربي الافريقي الآسيوي يؤدي إلى تطوير الرواية حيث الكتابة التقنية والشكلانية الجمالية وتجويد الصنعة وإيجاد أسواق كبيرة تستوعب هذه الطاقة الإبداعية النوعية وأن تشرك معها فى المسابقات الرواية العالمية بكافة أقاليمها الثقافية الجغرافية بحيث تكون خطا ثقافيا وفكريا وسياسيا للحوار مع الجائزة العالمية التي تمثل الثقافة الأنجلوسكسونية والتي عرفت بجائزة نوبل ولهذا من الأجدر أن يشارك فيها كبار كتاب الرواية فى هذا العالم العربي والافريقي والآسيوي فى مقابل الروايات التي تاتي من العالم الأنجلوسكسوني اوروبا والامريكتين واستراليا أما على النطاق الداخلى فعلى كل من شركة زين ومركز عبد الكريم ميرغني أن يجتهدا إجتهادا كبيرا فى تقديم الأجيال الروائية الجديدة إلى جانب كبار الروائيين السودانيين كمشاركين بإنتاجهم الروائي
واستقطاب كبار النقاد السودانيين بنسبة ما فى لجنة التحكيم حتى يقوى ويتطور الخط السردى الروائي السوداني ويكون تيارا مميزا بين تيارات الرواية العالمية وأن تكون هنالك ندوات تمثل برامج شهرية فى كل مدن السودان ومدن العاصمة الثلاث وأن تخصص صحافة ثقافية إعلانية للتبشير وتعميق هذه الفكرة داخل المجتمع السوداني ككل مما يساعد فى تحويل الفكر الإبداعي السردي والنقدي وأن ينقل الكتابة الفكرية والجمالية من الشفاهية إلى التدوين ثم الدخول فى المرحلة الأخيرة من هذا المشروع والتأكيد على بناء منصات للحوار الفكري الديمقراطي ومساعدة الكيانات الفكرية والإبداعية بإنتاج هذه البرامج وتفعيلها داخل المؤسسات الثقافية المدنية كإتحاد الكتاب وإتحاد الروائيين وإتحاد الموسيقيين والمغنيين السودانيين والمنتديات الثقافية داخل المؤسسات الأكاديمية معهد الموسيقي والمسرح آداب جامعة الحرطوم آداب جامعة السودان آداب جامعة النيلين آداب جامعة الأزهرى وهكذا واستقطاب النقاد السودانيين الأكاديمين فى المهجر والإستعانة بهم
أما الجوائز العربية كتارا ونجيب محفوظ والبوكر والعويس بإستثناء جائزة محفوظ فى الجامعة الامريكية فكلها تذهب فى الإرتباط الإقتصادى بين أسواق الكتاب ورأسمال التصنيع بمشاركة مؤسسات النشر ماعدا جائزة كتارا التي هى تحت رعاية الدولة هذه الاستراتيجية الخليجية فى صناعة الكتاب الروائي لا تضع استراتيجية نقدية فكرية وجمالية محددة مما يجعل فن السرد حرا يتجه حيثما يشاء ولكى ننهض بالرواية فى النهاية لابد لنا من إتخاذ سياسات الدولة الشمولية التى توجه الإنتاج الفكرى والإبداعي للنهوض بالمجتمع شريطة أن نضع حرية التعبير أمام أعيننا فالحرية الفكرية لا تتنافى مع الإبداع الجمالى
-ماهي العوامل الإجرائية التي يمكن أن تنهض بالرواية العربية ؟

الإجراءات المطلوبة هي أولا حرية التعبير وعدم فرض رقابة سياسية على النصوص وثانيا تنوع المناهج النقدية عند إختيار أعضاء لجنة التحكيم الشيء الذى يخلق حيوية فى مناظير التقويم والوصول إلى ماهو أفضل وثالثا إشراك الروائيين الكبار فى المسابقة الخاصة بهم من خلال ترشيح الموسسات الثقافية الشيء الذى يعطي قيمة مضاعفة للجائزة ثم صدور مجلة هى عبارة عن دورية سنوية لنشر حيثيات الحكم على النصوص الفائزة ونشر أفضل البحوث التي قدمت للنقاش وإختيار رئيس للجنة المحكمين لمخاطبة جلسات النقاش فى الدورة وإضاءة النقاش حول كيفية إصدار الحكم بإختيار النصوص الفائزة
وحيثيات إختيار هذه النصوص وإيجاد قناة صحفية تستطيع توصيل نشاطات الجائزة وإضاءتها بالنسبة للجمهور

– ماذا عن جائزة نوبل وتأثيرها عالميا ؟
جائزة نوبل ذات شهرة عريضة وعميقة على نطاق العالم أجمع وذلك يرجع إلى قوة تأسيسها استراتيجيا وماليا وثقافيا وسياسيا من إيجابياتها أنها كانت تقدم أجمل النصوص الروائية وأعمقها مضامينا إنسانية بأشكال جمالية سردية شديدة الإتقان الجمالى والفني قدمت الكثير من الروائع ساذكر لك بعضا من إنجازاتها الرائعة دكتور زيفاجو موريس باسترناك ونهر الدون الهادى شيليخوف
وقدمت العجوزوالبحر لهمنجواى وزوربا اليونانى لكزنتزاكس وأولاد حارتنا نجيب محفوظ والفردوس تنسي ميرسون ولكنها كانت تعمل أثناء الحرب الباردة فى الصراع الماركسي الرأسمالى مما جعل موسكو تمنع كتابها من إستلام هذه الجائزة لأنها كانت تختار نصوصا معادية لموسكو فهى أصلا كانت قد أنشأت لأجل تثبيت فكرة السلام فى العالم وهى ترى وفقا للاستراتيجية الغربية الراسمالبة أن السلام يعني محاربة الفكر الماركسي لهذا رفضها بعض الكتاب اليساريين من الغرب نفسه كالفرنسي جان بول سارتر فى روايته الغثيان كما رفضها براند شو الانجليزى وقال أنها تاتي في غير موعدها لأنه تخطى مرحلة الحاجة إليها بسبب تقدمه فى السن ولكنها هى جائزة حسنة الإعداد بوصفها مؤسسة تنضبط بقواعد وأصول فكرية راسخة ورغم أن توجهاتها لم تكن محايدة خاصة أبان صراع القطبين فى الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية

– هل هناك تيارات نقدية فاعلة في الحياة الثقافية العربية
؟
هنالك نقاد كبار لهم تجربة وخبرة عميقة فى التعامل مع النص الإبداعي وهم أصحاب ذخيرة ثقافية عالية ذات منهج اكاديمي صارم وأصحاب نزاهة أخلاقية عميقة بالإضافة إلى حس جمالى مدرب بالإضافة أيضا إلى تعدد فى المناهج وفى الأفكار والأيدلوجيات التي تمثل النقد الإبداعي المعاصر هذا التنوع فى المدارس والإتجاهات بجانب الخبرة الأكاديمية والإجرائية يدفع بالنصوص المبدعة إلى النضوج والكمال ومن هؤلاء نقاد كبار مثل الدكتور صلاح فضل والدكتور جابر عصفور والدكتور الجزائرى (احسان خمري ) وكاتب المرايا المحدبة والمرايا المقعرة الدكتور (عبد العزيز حمودة )و عبدالملك تطوان الي جانب النقاد الأجانب من المهم جدا قراءة الشكلانييين الروس (باختين ) ومن المهم الرجوع إلى جورج لوكاش فى عصر صعود نهوض الرواية وإلى التشيكي تودروف فى كتابه نقد النقد ورولا بارت فى كتابه الكتابة تحت الصفر

– ما هي نواقص النقد العربي الآن وماهو المرجو من منابر الثقافة العربية في القاهرة والجزائر والخرطوم وتونس والمغرب ؟.

أول هذه النواقص أن النقد لم يستطع إكتشاف الكتابة الجديدة والمبدعين الجدد وما أضيف فى هذا الصدد وما أكتشفت من أسماء مبدعة جديدة قليلة جدا يبدو أن قدرات الدولة العربية من إعطاء فرص للمبدعين الجدد داخل مؤسسات الدولة هي فرص قليلة جدا وربما تعتذر الدولة لأن هذا النوع من العمل لايجد مستهلكا وذلك لشيوع الأمية الجمالية ولغياب الإستنارة بين القوى المستهلكة للثقافة الرفيعة لأن الثقافة فى وطننا العربي عمل رفاهي ترفيهي منه ما يتجه للنخبة فقط أما أغلبه فهو يتجه إلى الترفيه الشعبي ولذا نقول ان 90 فى المائة هو نوع من الثقافة الإستهلاكية السهلة الاستيعاب والقادرة على الترفيه وقطع أوقات الفراغ للطبقة الشعبوية غير الفاعلة المصنعة والمستهلكة للثقافة الرفيعة وهذا ماتجده فى أغلب فضائيات العالم العربي برامج ترفيهية بلا فكرة وبلا هدف وبلا توجه فكري وحضارى رفيع إنها أمية شاملة وشديدة البهرجة وهذا ما تجده فى صناعة الكتاب أيضا فكل وسائل التوصيل الثقافي موجه لخدمة قطع أوقات الفراغ والتسلية وحتى وزارات الثقافة شغلها الشاغل خدمة إعلام المواطنين بما فعلته الدولة أو الإعتذار عن ما لم تفعله وهذا هو البوار الواضح جدا فى القنوات الفضائية ما عدا تلفزيون الجزيرة الذى يهتم بقضايا عربية بالغة الأهمية وبقضايا عالمية مؤثرة وذلك عن طريق صورة وصوت مدربة على الأداء الجيد والتقنية الجيدة قناة الجزيرة تتفوق على جميع المحطات المحلية والعالمية ولكن يعيبها أحيانا تحيزها ويفقدها موضوعيتها فى بعض الأحيان وميلها الشديد لإتجاه فكرى واحد رغم أن مشاهديها هم تقريبا من إتجاهات مختلفة وأذواق مختلفة ولكنها أداة رغم كل هذا عميقة التوصيل فمن هنا أنا أحييها وأرجو أن تتوازن فى عرض الرأي والرأي الآخر

– مادور الأدب العربي الجديد كما إقترحته ثورات الربيع العربي؟

الأدب الجديد كما تقترحه ثورات الربيع العربي هو بالضبط ما كنت أقوله لك قبل قليل الربيع العربي يريد تفعيلا جديدا للحيوية القومية والوطنية لما يحقق أحلام الشعب فلا يكفي وجود الخبز فقط ولا الدواء فقط ولا الترفيه فقط ولكن دولة المساواة فى الرفاهية ورغد العيش وأن لايكون هنالك محروما قط وأن ينال كل أبناء الشعب التعليم وحق العمل فى الإبتكار والتجديد وبناء الدولة الحديثة ولا يكون ذلك إلا فى مجتمع ديمقراطي تتعدد فيه منصات التعبير عن الرأي والرأي الآخر
بإختصار الربيع العربي يريد الخبز والحرية والأمان والمساواة وإحترام الأنا للآخر وصفاء الأخلاق ونظافتها وإعداد المواطن الصالح لدولة صالحة .

– وسط كل هذا ماهو الدور الإيجابي الذى قام به الكاتب العربي بما فيهم أنت في تغيير هذا المشهد وتفعيله سياسيا وثقافيا وسياسيا بغرض تغييره وصناعته من جديد وهل تري إمكانية ثورة قادمة شعبيا ونخبويا لإقتلاع الفساد من جذوره ؟.

أرى أن المستقبل هو للجديد الذى يقتلع جذورا ميتة ويزرع بذورا يانعة فهناك فى عالمنا العربي من قاموا بهذا الدور وخصبوا جذور الحياة وجعلوا النماء يزدهر فهم أجيال وأجيال أشير لك عن المبدعين الكبار فى زماننا العربي والسوداني فى السودان هناك الدكتور حيدر ابراهيم والدكتور عبد الله على ابراهيم والأستاذ كمال الجزولى وهناك نقاد الأدب الدكتور عبد الماجد عبد الرحمن والدكتور هاشم ميرغني والدكتور مصطفي الصاوي ومهدي بشرى ومجذوب عيدروس وأحمد الصادق وفى التشكيل هناللك الدكتور حسن موسي وفى الموسيقي أنس العاقب وهناك عربيا درويش وعبد الصبور وأمل دنقل ومحمد بنيس وعلى شمس الدين وادونيس وهناك الروائي الجميل بشرى الفاضل والروائي المكافح بركة ساكن وأمير تاج السر والحسن البكرى ومن العرب واسيني الاعرج وسمير قسيمي هم كثيرون جدا يستحقون لوحة شرف كاملة لكل المبدعين العرب فى كل الأزمنة والأمكنة أما المستقبل فهنالك شعراء مجددون منهم محفوظ بشرى ومحجوب كبلو والياس ونجيب وبابكر الوسيلة ونجاة محمد عثمان وعبد القادر الكتيابي وعالم عباس ،هناك رأي سائد يمثل موقفا صلبا ضد الجمود والتصلب والجفاف الذى ساد ينابيع الإبداع الفكري والحضاري والسياسي في العالم العربي وفي العالم عموما حتي كدنا نحن في العالم العربي نفقد وطنا عزيزا فلسطين تمثل شرف الامة العربية إلى جانب فقدان الديمقراطية شعبيا ونخبويا فكيف لنا الخروج من هذا المازق واسيني وامير تاج السر اكدا انهما لن يكتبا حرفا الا بعد ان يمتلكا البديل النظري لهذا الواقع المتردي
الدور هنا معقود علي فعالية الفكر العربي الان علي الثورة والتغيير فهو دور جماعي تقوم به الامة كلها من المحيط الي الخليجي .

– أين موقع الجيل القديم جيلكم والأجيال الطالعة الجديدة من خلال قراءتك لهذا الواقع المتجاذب بفعل قوي القديم وقوي الجديد ثم أين ديسمبر السودانية تلك الاغنية الثورية التي أنشدها جيل التلاتين من العمر؟

الإشكال الإجرائي فى الكتابة حينما تجد نفسها موضوعة بين القديم والجديد فالكاتب الروائي عليه أن يكتب زمانه فهو ليس مطالبا بكتابة القديم فهو مسئول عن عصره وليس مسئولا عن المستقبل رغم أن كل نص معاصر يحمل شيئا من الماضي وشيئا من المستقبل لأن وجدان الكاتب هو عبارة عن ذكرياته وراهنه وآماله المستقبلية، الكتابة فى الراهن هي جميع كل الأسئلة فتجربة الكاتب الجديد أو المعاصر تستمد خبرتها التقنية وميراثها الثقافي من التراث القومي والتراث العالمي داخل هذه الدائرة على الكاتب أن يكتب وهو منطلق نحو الأمام وملتفتا الى الوراءلكي يستطيع أن يستوعب حاضره وراهنه وبهذا فهو ليس ملزما بتقليد الماضي بل هو مطالب بإبداع الحاضر ولهذا أنا أنصح الكتاب الجدد أن اصالتهم الإبداعية مرتهنة بإكتشافهم للواقع الحاضر الذى يعيشون داخله عليهم أن يكونوا مغامرين فى شجاعة شريطة أن يمتلكوا الأدوات اللازمة لإبداع النص الجديد وفق هذا الزمن الجديد وهذا لا يعني الإنقطاع عن التراث الثقافي القومي والعالمي فمسار التاريخ لا ينفصل عن الماضي بالكامل
فى رأيي الخاص جدا أن ديسمبر أكدت بما صنعته من إبداع هو متحقق الشروط التاريخية الكاملة ومن هنا جاءت حقيقة هذا الإبداع وواقعيته التي تمثل مصداقيته الثورية . كانت الثورات السابقة وتخصيصا ثورة اكتوبر التي أعتبرها نموذجا للفعل الثوري الثقافي والسياسي أنها جاءت بشكل إبداعي خاص يمثل زمانها والمطلوب على مستوى الإفتراض المثالي أن تحقق كل ثورة ذاتها وظروفها الثقافية والسياسية وفق زمانها الثقافي التاريخي إذ أن لحظة هذه الثورة هي لحظة خاصة تصورالتركيب الفكري والجمالي الذى يؤرخ لهذه الفترة، إن النقد الفني والأدبي والفكري والسياسي الذى قرأ إبداع ديسمبر
قرأها على ضوء إبداعات ثورة اكتوبر كنموذج يحتذى هذا النقد يطالب بتكرار لحظة تاريخية لها شروطها الخاصة كزمن تاريخي إنتهى والآن ديسمبر أمام لحظة تاريخية ذات تركيب مختلف وتعقيدات مختلفة فى زمن عصري ثقافي وسياسي مختلف ولهذا لابد من أن يختلف المزاج الجمالى ما بين الأمس والآن ولهذا تجد أن ابداعات ديسمبر أكثر عفوية ثورية إنها لحظة جديدة ذات براءة جمالية خاصة وهذا شيء طبيعي ومن الخطأ قياس الكمال بمعيارى القديم والجديد

– كيف تقرأ ما يقدمه كتابنا السودانيون في خارج الوطن نقادا وشعراء وروائييين ومفكرين ودورهم فى صنع مشهد ثقافي سوداني سياسي حضاري سودانيا عربيا افريقيا إنسانيا عالميا وذلك لأننا بصدد ثورة حقيقية شاملة وكاملة ؟

أعتقد أن الدور الفعلي والواقعي الذى يقومون به الآن هو أنهم يكتبون نصا من خلال منصات إبداعية عالمية وهذا يعني أنهم يكتسبون خبرات وقدرات إبداعية إجرائية مأخوذة من خبرة علمية تقنية جماليا وحرفيا مما يفيد ويقوي النص فى البلدان النامية عربيا وافريقيا واسيويا إن النهضة الروائية التى شملت امريكا اللاتينية كانت بسبب إتصال الروائيين فى امريكا اللاتينية بكتاب اوروبا الغربية ماركيز نزح إلى باريس لفترة وكذلك فعل بورخيس واسترياس وإستمدو الكثير من الحرفية الابداعية والروائية وهو ذات الشىء الذى فعله كتاب الولايات الامريكيبة المتحدة حينما إلتحقوا فى باريس بمنتدى الأمريكية جيرترود اشتاين وهم من الكتاب الشباب ت إس اليوت ،ازرباوند فكس جرالد، وهمنجواى، فاستطاعوا أن يرفدوا الشعر الوطني فى كل من الامريكيتين بروافد التجديد والتقنيات المتقدمة فى الكتابة الجديدة ولهذا أتوقع بالضرورة أن تفيد هذه التجربة التي يقوم بها بركة ساكن وهو الآن يحضر مختارات قصصية لعدد من كتاب السودان مما يشيع بعضا من الحوار المتوقع بين هنا وهناك وكذلك يفعل امير تاج السر وعماد البليك ونفيسة زين العابدين وبشرى الفاضل ويحي فضل الله في كندا والبرنس فى كندا فهذا من النشاطات التي تؤثر فى الكتابة الإبداعية السودانية المعاصرة كما أثرت فى الخمسينات كتابات فيتورى وتاج السر وفارس والجيلي فى ربط قصيدة التفعيلة العربية كتجديد فى الشعر وصلت أصداؤه الشكلانية الحرفية إلى الخرطوم ومثل هذا الفعل الثقافي يفتح آفاقا للحوار الثقافي السوداني القومي مع الحوار الثقافي العالمي كنا فى الأسئلة الثقافية الماضية ندير حوارا مع الإخوة العرب في العواصم الثقافية المتعددة فعلينا أن نفتح نفس القنوات مرة أخري وأن نفتح قنوات جديدة مع كتاب افريقيا لأن ركائز ثقافتنا السودانية تقوم على الإفريقية والعربية والإنفتاح على ثقافات العالم عموما ومن الملاحظ هنا حسب ما جاءت أسئلتك المحيطة فى هذه القضية أن هنالك انقطاع فى الوصال والاتصال بإبداع ببعض الدول العربية الأخرى كدول الخليج مثلا البحرين وعمان والاردن والكويت أما لبنان ومصر والجزائر والمغرب فإن ثقافتهم تصلنا فى الخرطوم لنشاط منافذهم الثقافية
– لماذا تبني مواسساتنا الثقافية والفكرية والسياسية على أسئلة إفتراضية قصيرة المدي تشتعل فجاة ثم تنطفي فجاة؟

دولنا العربية المعاصرة تفشل دائما فى صناعة السؤال الحقيقي ومن ثم فهي بفعل سوء النية وتماثلا مع التناقضات المتحزبة بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة فهي بالضرورة تصنع إجابات للإسئلة ناقصة وضعيفة ومضللة وهذا ما تجده حتى فى الأزمنة الديمقراطية فكثير من أحزابنا السودانية الديمقراطية مثلا تفككت وتحولت إلى روافد داخل هذه الأحزاب مما أضعف الأحزاب الكبرى وفتح بابا للانقلابات العسكرية المتتالية بين الفينة والفينة ومما أشاع دكتاتوىيات فى كثير من بلدان الشرق الأوسط دكتاتوريات ذات أوجه مكشوفة أو مغطاة بطبقة كثيفة من ( الميك اب ) الديمقراطي والشعبي حتى قضية فلسطين التى نعزي الصعوبات التى تواجهها للخيانات السياسية القومية هي بسبب الفشل الذاتي السياسي والحضارى داخل الدول العربية ذاتها فما يخون القضية الفلسطينية سياسيا هو هذا الترهل والضعف السياسي غير القادر على حل المشكلات الحضارية الثقافية والسياسية داخل الدول العربية نفسها فكيف للضعيف أن ينجد جارا أو صديقا ضعيفا

– هنالك ظواهر ثقافية متعددة تظهر فى هذه الاوانة وهي ضعيفة الشكل والمحتوي وذات خطاب متلجلج وهي لا تعرف طريقها ولا تعرف أهدافها تنطلق فى عالم افتراضي غامض وهلامي وغير محدد الملامح ومتضخم الذوات بشكل إسطوري بلاهدف سوى نرجسية عالية ومتطلبات للشهرة غير المستحقة
هل هذا من مظاهر الفراغ الثقافي ؟
هذا بسبب ضعف القدرة الفكرية والفنية وبسبب بعد الكفاءات الإبداعية والفنية لفقر الساحة ولتقدم المبدعين الكبار في السن كابلى مثلا حيدر ابراهيم مثلا كمال الجزولي مثلا محمد المكي ابراهيم مثلا ابراهيم اسحق مثلا
كل هذا الذى ذكرته أنت هو يمثل الأسباب التي كونت هذه الظاهرة إلا أنها أسباب تفصيلية أما السبب الأعم هو بطش الدولة الدكتاتورية التي كممت الأفواه وحبست حرية الإبداع وجففت ينابيع الحوار التعددي فهاجر كثير من المبدعين إلى دول المهجر والآخرون هجروا فعل التعبير الفكري والسياسي والفني فشاع هذا البوار وأصبح الفضاء واسعا لكل من هب ودب وإختفت المواهب الكبيرة في هذا المهرجان البهلواني لاسيما إنه فى الأساس لم تتأسس صناعة ثقافية جادة لعدم توفر شروط الصناعة الثقافية رأس المال والمصانع ومعدات هذه المصانع الآلية والبشرية وغياب الإستراتيجيات الفاعلة لتأسيس هذه الصناعة وإنفراد الصناعة الثقافية العربية والأجنبية بسوق إنتاج السلع الثقافية المجلة والصحيفة والدراما التلفزيونية والدراما السينمائية والمسرح الدرامي والغنائي الإستعراضي وتدهور فن الغناء والموسيقي بسبب ضعف روؤس الأموال مما أضعف قدرات التلقى الإبداعي مما أضعف ايضا الاستهلاك الثقافي فاختلت إمكانات توازن الإنتاج الثقافي ما بين رأس المال والفائض الربحي مما أدى إلى ضعف الخبره اللوجستية وكفاءة المستهلك الشيء الذى أدى إلى رواج السلع الثقافية التي بلاقيمة فكرية وجمالية فى كل الأجناس الإبداعية ولعلك تلاحظ وفرة ورواج الانتاج الثقافي الاستهلاكي فى القنوات الفضائية سودانيا وعربيا وشيوع ثقافة التسلية وقطع أوقات الفراغ مما أدى إلى هذه الثرثرة المزعجة والقليلة القيمة وفق المقياس الفكرى والجمالى الاصيل والاكاديمي العلمي ولهذا هذا هو المشهد كما وصفته أنت إنها إذا أزمة فقدان المتلقى الكفء

– لماذا راجت الرواية على الشعرواختفى المسرح واختفت القصة القصيرة ؟

راجت الرواية لأنها أصبحت فى تقديري الذى جعلني أسميها بالفن الثامن على قرار ماسميت به السينما بالفن السابع سميت السينما بالفن السابع لأنها استعانت بالأجناس الفنية الستة الأخري وهي فن التصوير الفوتغرافى وفن المعمار فى بناء الديكورات وفن الموسيقي في الموسيقي التصويرية وفن الحوار من المسرحية وفن الحكاية الدرامية من الأدب وفن حركة الجسد من المسرح الدرامي ومن الإستعراض الراقص ولهذا أسميت الرواية بالفن الثامن لأنها تأخذ الحكاية الدرامية من الأدب وتأخذ التصوير الفتوغرافى وتركيب الكادر المشهدي من التشكيل والحوار من المسرح والإضاءة والإظلام من توزيع الإضاءة فى اللوحة التشكيلية والوحدة الدرامية من الإيقاع الموسيقي ووحدة العمل الدرامي من الهارمونى الموسيقي و الوصف من اللغة والإستعانة بعلم النفس فى تركيب الشخصية الدرامية وإستعارة الوحدة البلوفونية من الموسيقي أيضا حيث وحدة تركيب المشاهد كأجزاء توصل إلى وحدة العمل الروائي ولهذا فإن الرواية تستعين بالأجناس الإبداعية المجاورة فتعدد عناصر هذه اللغة التي نجدها فى الرواية تستقطب عددا كبيرا من القراء، أما المسألة الجوهرية هنا هي أن ذلك إتفاقا سريا خفيا بين مؤلف الرواية وقارؤها هذا الإتفاق السرى تقول بنوده إن الروائي يقدم فى الرواية مخاطر عديدة للقارىء على شريطة أن القارى هنا يحيا هذه المخاطر دون أن يصاب بشىء من الضرر فها هي عربة تصطدم ويكون المتفرج مشاركا بخياله دون أن يصاب بشىء فهو يدخل الرواية مشاهد خطيرة لا يصيبه منها ضررفالمتفرج هنا يخوض هذه التجارب الخطيرة ويحدث له تطهير من المشاعر السلبية كالخوف أو الحزن أو التشاؤم أو عدم الثقة فى الحياة فهو يعيش مخاطر الحياة مجانا فى مقابل بسيط جدا هو أن يصدق هذا الإستلهام ( الوهم )الذى يقدمه له المؤلف هذا هو السبب الأساسي فى الإقبال على الرواية وتفوقها فى السيطرة على الخيال العام

– ماذا عن الفكر السياسي والإجتماعي فى الراهن الثقافي؟
لابد من إستخدام المناهج العلمية الأكاديمية المتخصصة فى العلوم المختلفة والظواهر الإجتماعية والسياسية المراد بحثها وذلك بالجدية اللازمة والنزاهة الأخلاقية التى تحددها المناهج البحثية هذا من خلال منطق اللغة العلمية الموضوعية التي تبعد عن الذاتية والأهواء الشخصية والمنافع والمصالح الشخصية حتى يصل البحث الى حقائقه العلمية الثابتة فى البناء لمشاريع التقدم الحضاري والثقافي والسياسي والذى ينفذ عمليا خلال فترات زمانية محددة بغرض النهوض التنموي والحضارى وتقوية النسيج الإجتماعي فى بناء دولة ناجحة فى ظل هذه الظروف الإقتصادية الصعبة وفى ظل وباء الكرونا وإبعاد اشباه هذه الأخطار
وبالطبع إن هذا لا يتم إلا فى ظل مشروع دولة ديمقراطية تقوم على العلم وحرية التفكير وجهود البحث العلمي أما النقد الفكري عموما بما فيه الفكر السياسي والفكر الإبداعي الفني الجمالي لابد له من إنضباط المنهج البحثي الإجتماعي الجمالي حيث يعالج الظواهر الواقعية فى المجتمع فى الفترة الراهنة والفترة القادمة وكل هذه المشاريع التنموية الثقافية والحضارية لابد لها من مؤسسات على رأسها كفاءات أكاديمية متخصصة ومجالس إدارة نزيهة واسعة الأفق السياسي والثقافي ولها رؤية ثاقبة للدولة المستقبلية الكاملة والمرتبطة بطموحات شعبها وهذا لا يكون إلا بتكافؤ القدرتين القدرة التنظيمية والقدرة التطبيقية وإتاحت منصات لحرية النقد ومراقبة تطور هذه المشاريع

– هل تري أن هنالك جهة يمكن أن تشارك بكفاءة لإ نجاح مثل هذه المشاريع ؟

بالطبع أن هذه المشاريع تحتاج إلى التوعية الجماهيرية حتى تتبني الجماهير هذه المشاريع وذلك لا يكون إلا عبر وسائل الاتصال الإعلامي لهذا أن المشاريع هذه برمتها لا يمكن أن تتحقق بشكل عملى وسليم إلا بجعل الجمهور جزءا منها أن يتبناها ،وأن يراقب خطواتها فى النمو، وأن يوقف تراجعها إلى الوراء بالنزاهة الفكرية والأخلاقية والمسئولية الكاملة فالمسئولية هنا مناصفة مابين الجمهور والدولة بحيث لانجد فى الطرقات جماهيرا تنادي باسقاط الحكومة فكلنا سائل ومسئول وهكذا

– سوق الكتاب العربي بين المراكز الثقافية ودول
الهامش الثقافي ؟

إن توزيع الإنتاج الثقافي ( إبداعيا وفكريا )غير عادل إذ تقوم بصناعة الكتاب فى عالمنا العربي الدول ذات دور النشر الكبرى التي تتوفر لديها كل مقومات الإنتاج الصناعي حيث تمتلك أحدث المطابع وأحدث تقنيات صناعة الكتاب من تصوير وإخراج وترويج إلي جانب أن هذه العواصم الصناعية الثقافية هي التي تمتلك أسواق الكتاب فى جميع أنحاء العالم العربي نفوذا أو إقتصادا هذا إلى جانب أن أكبر النقاد من ذوى النفوذ الفكري والجمالي النقدي هم متمركزون في العواصم الثقافية الكبرى الجزائر القاهرة الرباط مراكش وبعض دول الخليج ذات الأسواق الكبيرة ورأس المال المممول ومعارض الكتاب المبهرة والجاذبة وهنالك حرية التعبير التي كانت تمتاز بها بيروت التي كانت تسمى (بسويسرا العرب) إذ كانت تعتمد إعتمادا كليا فى صناعة الكتاب على كل الشروط التي ذكرناها إلى جانب حرية التعبير وعدم الرقابة السياسية ثم ضف إلى ذلك أن النفوذ الثقافي التي تمارسه الثقافة العربية المعاصرة يسيطر على دول الهامش الثقافي العربي السودان الصومال مورتانيا والدول الفقيرة عموما ولكن لك ان تلاحظ أن إتحادات الكتاب العرب التي تختار فى كل مدة زمنية تحتكرزعامتها الإدارية العواصم الثقافية الكبرى على التوالى فهنالك دول المركز وهنالك دول الهامش وكل المشهورين من الكتاب العرب الذين يكون عليهم إقبال هم من كتاب العواصم الثقافية الكبرى فهم الأكثر إنتشارا والأضخم توزيعا أما كتاب الهامش الثقافي العربي فهم الأقل إنتشارا والأقل توزيعا بسبب أن كل السلطة فى رأس المال وفى الصناعة وفي التنسيق مرتبطة بكتاب هذه العواصم ولك هذه الشواهد إن الطيب صالح لو لم يكتب عنه رجاء النقاش أو لم يترجمه ديفيد جونسون أأكد لك أنه كان سيكون مجهولا حتي الآن ولك أن تتصور أن ضخامة الكاتب المصرى طوال الأزمنة السابقة لا تقوم على موهبته فقط رغم إعترافنا بهذه الموهبة الكبيرة ولكن هناك ظروف محيطة ،قوة الدولة ونفوذها فى العالم العربي مما يؤدي إلى سيطرتها على الأسواق وبسبب الشهرة الإسطورية لكتابها وحتي نحن فى السودان مثلا فإن كتابنا الذين هاجروا وأصبحوا يشاركون فى منصات الكتابة العالمية لهم شهرة داوية امير تاج السر فى الخليج بركة ساكن فى النمسا وطارق الطيب وبشرى الفاضل فى كندا وعماد البليك فى مسقط وحسن البكرى فى الخليج

– دور معهد العالم العربي في باريس فى تنشيط الكتاب العربي فى اوروبا؟

معهد العالم العربي فى باريس هو منبر مهم جدا فى توصيل الثقافة العربية من خلال أهم معبر ثقافي عالمي هو اوروبا الغربية ،وقد بدأ هذا المعهد جهوده التوثيقية والبحثية إلى توصيل الثقافة العربية المعاصرة إلى العالم وبذلك يحاول أن يربط بين الثقافة العربية المعاصرة والعربية التي يمثلها التراث العربي إلى العالم كافة وهو يقوم الآن ومنذ عشرات السنين السابقة بتقديم مخطوطات نصوص فى الشعر وفى الرواية وفى النقد وفى الموسيقى وفى كل الأجناس الإبداعية العربية وقد قدم عددا كبيرا من الكتاب فى سوريا وفى المشرق العربي وفى العراق وآخر عمل قام به هو أنه أعطي مترجم رواية السوداني بركة ساكن ( الجنقو مسامير الارض ) جائزة الترجمة الأولى وهو يدأب بقوة وبعمق وإحاطة كاملة للنصوص العربية الإبداعية والبحثية والعلمية وهو مجهود يعم ويشمل كل الإبداع العربي فى هذا المحيط الواسع والملاحظ إنه ينوع فى أنواع الثقافة العربية المعاصرة من حيث المضامين والقضايا وطرائق الإبداع مما يمثل عملا محيطا بمضامين هذه الثقافة العربية المعاصرة ولقضاياها وحراكها الحضارى السياسي الفكري والجمالى
وفى الآونة الأخيرة إستطاع الروائي بركة ساكن أن يحرر مجموعة قصصية سودانية يشارك فيها عدد من الكتاب السودانيين ويترجمها المعهد ويوزعها معهد العالم العربي والجدير بالذكر أن هناللك مؤسسة ثقافية فى ولاية اريزونا الامريكية تابعة لشركة نشر انجليزية فى لندن كانت قبل ثلاث سنوات قد إختارت مجموعة قصصية سودانية لمختارات من الكتاب السودانيين وكانت بعنوان (حكايات من الخرطوم ) وهي المجموعة التي اختارت منها جائزة كين قصة بشرى الفاضل (البنت التي ط?

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..