أخبار السودان

في يوم الاستقلال الأحزاب السياسية.. أدوار ومواقف..!

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

يأتي عيد الاستقلال في السودان في يوم 1 يناير، وهو نفس يوم رأس السنة الميلادية في التقويم الغربي . يعد هذا اليوم عطلة رسمية للاحتفال بإعلان الاستقلال عن الحكم الأنجلو- مصري المشترك عام 1956. وقد حكمت مصر والمملكة المتحدة السودان لمدة تقرب من 60 عامًا، لكن عندما أعلن السودان حريته عام 1958، لم تكن هناك معارضة حقيقية. عقدت الحكومة السودانية الجديدة احتفالاً حيث خفضت أعلام مصر وبريطانيا ورفعت علمها الخاص. ولم تطلق رصاصة واحدة.  وقد لعبت الأحزاب السياسية وقتها دوراً عظيماً وكبيراً في استقلال البلاد بعد أن أدى قيادتها من زعماء الطوائف الدينية وهي السمة التي كانت تميز الحزبين الكبيرين اللذين كانا موجودين في ذاك الوقت كما أن دورهما تجاوز الصراع السياسي إلى حالة ما يشبه الاتحاد السياسي لجهة أن الجو الوطني كان يملأ كل ساحات الوطن ووجدت هذه الأحزاب تعافياً سياسياً والتفافاً وطنياً مكنهما من أداء دورهما بنجاح حتى لحظة نيل الاستقلال بطريقة تشبه التحالفات السياسية التي تدور الآن.

الأمة القومي:

لعب حزب الأمة القومي باعتباره من أقدم وأعرق الأحزاب السياسية دوراً كبيراً في استقلال السودان، حيث وقف زعيمه الإمام عبد الرحمن المهدي مؤسس الحزب مواقف تاريخية من استقلال السودان، حينما طالب الحزب بمطالبه التاريخية المعروفة: (السودان للسودانيين، لا شيع ولا طوائف)، حيث كانت هناك بعض الرؤى بضرورة ارتباط السودان بمصر، بيد أن إرادة أغلبية الشعب السوداني كانت غالبة فتم الاستقلال على طريقتهم وخرج المستعمر البريطاني المصري، ونالت البلاد استقلالها بتلك الملاحم التاريخية التي يظل التاريخ يخلدها بمرور ذكرى الاستقلال كل مطلع عام جديد.

يعتبر حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي من أعرق الأحزاب السودانية، حيث تأسس قبل استقلال السودان.  ويعتبر حزب الأمة القومي الواجهة السياسية لطائفة الأنصار الذين استمدوا اسمهم من “نصرة” الإمام محمد أحمد المهدي الذي قاد ثورة ضد الحكم التركي في القرن التاسع عشر.

ويستمد الحزب قوته وسط السودانيين من تراث الثورة المهدية التي أسست دولة حكمت السودان ما بين 1885 إلى 1898، حيث سقط على يده  الاستعمار البريطاني. وتأسيساً على هذا الإرث يطرح الحزب توجهات إسلامية مختلفة كل الاختلاف عن التوجهات الحزبية للقوى التي تتمترس خلف ما يسمى بالتيار الإسلامي.

الوطني الاتحادي:

هو أحد أعرق أحزاب السودان، فقد تأسس فعلياً عقب اندماج عدد من الأحزاب الاتحادية تحت مسمى الحزب الوطني الاتحادي في القاهرة سنة 1953م، كانت أهم الأحزاب/ الروافد المشكلة للحزب الوطني الاتحادي: حزب الأشقاء (بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري)، حزب وحدة وادي النيل (بقيادة الدرديري أحمد إسماعيل)، حزب الأحرار الديمقراطيون. ثم صار من بعد ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي، والذي يعتبر من الأحزاب السياسية العريقة، التي لعبت دوراً كبيراً في صناعة تاريخ السودان بمجهودات قيادته التاريخية والتي كان لها وقع كبير في نيل السودان استقلاله. ويعتبر الحزب الاتحادي من الأحزاب الكبيرة المؤتلفة والمكونة من تلك الأحزاب التي تحالفت وأدمجت تحت هذا المسمى.  وقيادات وأعضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي يدينون بالولاء للسجادة الختمية .

وقد ظل الاتحادي يتقاسم السلطة مع حزب الأمة طيلة فترات الحكم الديمقراطي في السودان. تأسس الحزب نتيجة تحالف بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي (الواجهة السياسية للطائفة الختمية). ويتمتع رئيس الحزب وراعي الطريقة الختمية محمد عثمان الميرغني بنفوذ ديني كبير في السودان وخاصة في شماله وشرقه. لكن العديد من أقطاب الحزب يعترضون على طريقة الميرغني في إدارته ويعتبرون أنه ينفرد بالقرار.

طعم خاص

ويقول د. أبوبكر آدم المحلل السياسي إن احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال هذه المرة لها طعم خاص لعدة اعتبارات منها خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو في حد ذاته بمثابة استقلال للبلاد واندماج في المجتمع الدولي وعودة الحصانة والسيادة والسيادة للسودان، قال إنه يعتبر انتصارا آخر، ويعد من نجاحات ثورة ديسمبرالمجيدة التي تعتبر امتداداً لبطولات وتضحيات جيل الاستقلال الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل أن ينال السودان استقلاله خاصة تلك القوى السياسية التي كان لها دور فاعل. وزاد أبوبكر أن يوم الاستقلال لا يمكن أن يمر كأي يوم لأنه صنعه رجال أفذاذ استطاعوا أن يكيفوا المتغيرات في الساحة وقتها لخدمة البلاد والمبادئ والثوابت التي أسس عليها هذا الوطن العريق والقامة.   وأكد د. أبوبكر أن مصر عملت بقيادة اللواء محمد نجيب، أحد أهم قيادات ثورة يوليو 1952م، على التصالح مع مختلف القوى السياسية السودانية بعد التاريخ المرير من الاستغلال من قبل الحكومات (التركية- المصرية)، ومن ثم الحكومات (البريطانية- المصرية). ومنح اللواء محمد نجيب الأحزاب السودانية التي تدعو إلى استقلال السودان تماماً عن مصر مثل حزب الأمة بزعامة عبد الرحمن المهدي، وعوداً بخصوص حقهم في تقرير مصير السودان، فيما قام بدمج الأحزاب التي تدعو إلى الشراكة مع مصر كالأحزاب المذكورة أعلاه، حيث كان لكل حزب رؤيته الخاصة للشراكة مع مصر. وقد جمع محمد نجيب تلك الأحزاب وسعى لتوحيدها، واتفقت الأحزاب المجتمعة على تشكيل حزب جديد تمت تسميته بـ”الحزب الوطني الاتحادي” وتقلد رئاسته الزعيم الراحل الخالد إسماعيل الأزهري.

أغلبية مطلقة

وحصل الحزب الوطني الاتحادي على أغلبية مطلقة في أول انتخابات تقام في السودان، وشكل أول حكومة وطنية منفرداً، واستطاع الحزب الوطني الاتحادي، بمعية الأحزاب الوطنية السودانية مثل حزب الأمة، تحقيق الاستقلال في مطلع يناير 1956م. وفيما بعد وعقب العام 1956 أطيحت حكومة الحزب التي يترأسها الزعيم اسماعيل الأزهري بفعل تحالف السيدين علي الميرغني زعيم حزب الشعب الديمقراطي قبل الاتحاد مع الوطني الاتحادي، وعبد الرحمن المهدي زعيم حزب الأمة، لتكوين حكومة عرفت بحكومة السيدين ترأسها السيد عبد الله خليل الذي سلم السلطة لاحقاً للفريق إبراهيم عبود.

استمرار الاحتفالات

ويرى د. السر محمد علي المحلل السياسي وأستاذ الإعلام باللجامعات السودانية، أنه وبرغم أن الحصول على الاستقلال كان بلا دماء وكان قد تواثقت عليه جميع القوى السياسية لرغبتهم العارمة في نيل السودان لاستقلاله وتوحدهما تحت راية واحدة وهي الوطن أولاً وأخيراً، إلا أن تاريخ السودان ظل مليئًا بالصراعات والحروب الأهلية خلفت وراءها دماراً في مختلف الأصعدة. حيث بدا السودان وكأنه بؤرة للانقلابات العسكرية التي شكلت حاضر ومستقبل الحكم فيه، وهي لا زالت تترى وسط العسكريين لتغيير الحال واستبداله بحال يبدو أكثر من شمولي وديكتاتوري، فظهرت هناك أكثر من عشر محاولة انقلاب، نجحت ثلاث منها. وخلفت وراءها العديد من الضحايا وهم حوالي مليون ونصف المليون شخص في هذه النضالات بعد الاستقلال.

وعلى الرغم من التاريخ القاسي الذي مرت به البلاد أعقاب الاستقلال حيث دوامة الصراعات السياسية  منذ عام 1958، ظل الشعب السوداني يقيم احتفالات يوم الاستقلال كل عام، المناسبة التي دأب عليها الشعب السوداني جيلاً بعد جيل، وينتظر الشعب لخطاب يتلوه الرئيس على الشعب.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..