مقالات وآراء

ومن الذي سيحاسب السيد العميد؟

د. تيراب أبكر تيراب

لكل مؤسسة سياسة تدريبية محددة، تختلف عن سياسيات المؤسسات الأخرى في المحتوى والأسلوب والأهداف. تُصمم البرامج والسياسيات التدريبية للمؤسسات وفقاً لأهداف المؤسسة وطبيعية عملها لصقل المتدرب بمهارات مهنية وسلوكية تُحسن أداءه وتساعد في رفع مستوى أداء المؤسسة عبر مدها بإستمرار بعناصر مهنية مؤهلة قادرة على القيام بدورها الفردي والجماعي على أكمل وجه ليصب في تحقيق المهام الكلية للمؤسسة. ومن هنا تبرز أهمية التدريب والتأهيل ودوره الحيوي في كل مؤسسة وتطويرها.
وللمؤسسات الأمنية والعسكرية والشرطية خصوصية فيما يخص العملية التدريبية، وذلك لما يقع على عاتقها من مهام عظيمة ذات أهمية قصوى على مستوى المؤسسة والوطن. وأخص بالأهمية أجهزة الشرطة هنا، التي يناط بها التعامل المباشر مع المواطن وتحقيق الأمن الفردي لكل مواطن وإنجاز الأمن المجتمعي وما يُصاحب وظيفة الشرطي في المجتمع من صُعوبات يجعل طبيعة التدريب في مؤسساتها التدريبية ذات طبيعة خاصة، حيث يتربع الإنضباط على عرش أهداف البرامج التدريبة للأجهزة الأمنية والشرطية في كل دول العالم، ويبقى الإختلاف في الإستراتيجيات المتبعة في تحقيقه فقط.
لا يستطيع أحد أن ينكر شناعة ما قام به طلاب الدفعة (70ث) بكلية علوم الشرطة والقانون بجامعة الرباط الوطني للتعبير عن عدم رضائهم عن سياسات قيادتهم في كلية الشرطة والقانون، إذ إن التظاهر الجماعي أمر مرفوض قانوناً ولائحياً، وهذه من الأبجديات التي يتعلمها الطلبة في كليات التدريب الأمني والشرطي؛ ويتنافى مع الأساسيات السلوكية التي تهدف البرامج التدريبية إلى منحها للطالب وتشكيل شخصيته بناءاً عليها. ولكن بالمقابل فإن قرار فصل الدفعة بإكملها أيضاً قرار يستحق إعادة النظر والتقييم فهو بعيد كل البُعد عن النظرة الإستراتيجية وعقلية رجال الدولة.
فإذا إعتبرنا –الإنضباط- سلوك مكستب يكتسبه الطالب من البرامج التدريبة التي يتم وضعها عبر المؤسسة التدريبية، والتي تبدأ منذ وطئ قدم الطالب أرض الكلية إلى أن يتخرج منها؛ ابتداً من برنامج -إعادة صياغة الشخصية- إلى طابور التخرج، فإن تصرف جماعي بهذا الشكل من طلاب تبقى لهم شهور معدودة من التخرج يعتبر فشل بين لإدارة الكلية أولاً
في تنفيذ مهامها والقيام بدورها المنشود تجاه هؤلاء الطلاب. نعم التمرد والتظاهر الجماعي في المؤسسة الأمنية مرفرض وينبغي أن يحاسب من قاموا به، ولكن عندما يقوم طلاب دفعة كاملة بالتمرد فهذا يعني أنه فعلاً هناك مشكلة حقيقة في إدارة كلية الشرطة والقانون يجب التعاطي معها بجدية كاملة ويجب إعادة النظر إلى القضية باعتبارها قضية دولة ومصلحة وطنية وليس قضية تمرد طلاب فقط.
إذا أضفنا إلى هذه القضية القضايا المماثلة الأخرى التي بدرت في التاريخ القريب مثل قضية قتل طالب شرطة لأحد زملائه في دفعته عن طريق طعنه في مقتل بسكين (داخل مباني الكلية)، وكذلك ظاهرة الصراعات بين دفعات الكلية المختلفة التي وصلت إلى حد الإشتباك والتضارب، والجرائم التي يرتكبها بعض الضباط حديثي التخرج من الكلية، سيتبين مدى خطورة الوضع والحاجة الماسة لإعادة تقييم وتشكيل سياسات وإستراتجيات التدريب الشرطي في البلاد، خصوصاً وإن البلاد تمر بمرحلة حساسة تحتاج فيها إلى جهاز شرطة ذا مهنية عالية وهيكيل إداري مواكب.
وعندما نقول قضية دولة فإننا ننظر لعدة جوانب في الأمر، ففصل عدد ما يقارب 170 طالب تلقى التدريب الأمني والقانوني وتدريب كامل على السلاح، بقرار خرج من إجتماع استغرق ساعة أو ساعتين، يعتبر مساهمة واضحة في صناعة جريمة مكتملة الأركان متمثلة في دفع شباب في قمة الحيوية والإندفاع إلى عالم المجهول والبطالة، وهم يحملون في صدورهم غضبا وحقدا على المؤسسة الشرطية خاصة والدولة على العموم. وأعتقد أن صاحب أدنى رتبة أمنية يستطيع أن يتنبأ بالنتيجة والخطورة المحتملة على المجتمع جراء ذلك. أضف إلى ذلك من هو المسؤول من ضياع الأموال التي صُرفت من دم هذا الشعب الذي يعاني بشدة من الضائقة الإقتصادية على هولاء الشباب طيلة فترة تدريبهم التي أوشكت على الإنتهاء وهدرها دون أدنى إحساس بالمسؤولية. ومن الذي سيعوض هؤلاء الشباب –شباب الدفعة 70 – على سنوات عمرهم التي قضوها في الكلية وكان أمامه فرصة للدراسة في الجامعات وسلك طريقا آخر يخدمون عبره الوطن ويعينون أهلهم على الحياة؟
المستغرب في الأمر أيضاً فصل جميع الطلاب السودانين وترك زملائهم من طلاب الدول الأخرى بحجة أنهم جاءوا بناءاً على اتفاقيات ثنائية مع دولهم ، ولكن في تقديرنا طالما هم من نفس دفعة الطلاب الذين تم فصلهم بسبب –عدم الإنضابط- وتلقوا ذات الجراعات التدريبية، فهذا يعني أن قيادة الكلية فشلت في إكسابهم الإنضابط أيضاً، مما يعني أنه ليس من مصلحة بلادنا إرسال ضباط غير منضبطين من أبناء الدول الأخرى ليمثلوها في دول أخرى ويكونوا سفراء غير منضبطين لشرطتها في دولهم، وأيضاً ليس من مصلحة تلك الدول أن تعين ضباط –غير منضبطين- في أجهزة شرطتها ليشكلوا خطر على سمعة أجهزة شرطتها بين أوساط مواطنيها. وأليس كان من الأجدر النظر إلى الأمكانيات المادية والبشرية التي أُهدرت على المستوى الوطني بذات النظرة التي نظرنا بها إلى البرتكولات والاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى وطلابها؟
ولكن يبدو أنه تم تقديم مصلحة السيد عميد كلية الشرطة والقانون على المصلحة الوطنية والمؤسسية وفصل طلاب الدفعة جمعياً لتغطية خطاً السيد عميد الكلية؛ ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: تمت محاسبة الطلاب وفصلهم، هل سيقدم العميد إستقالته على تقصيره على واجبه ومن الذي سيحاسب السيد العميد؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..