مقالات وآراء

ذاكرة الأنثى في الرواية السودانية والفراغ العريض

د. منتصر نابلسي

قبل60 عاما استطاعت ملكة الدار محمد من كتابة أول رواية سودانية فجاءت استثنائية مقارنة بزمن روايتها (الفراغ العريض) التي جاءت مدهشة وواقعية وهى تعرض للتاريخ قضايا المرأة السودانية وحجم المعاناة التى عاشتها في زمن الرواية.
يقول محمد المهدي بشرى في كتابه الرواية السودانية في 60 عاماً( )” لقد أشرنا من قبل إلى ضمور إنتاج المرأة خاصة في الإبداع بمختلف أجناسه في السودان، إلا إن ملكة الدار محمد، مؤلفة الفراغ العريض شاركت بإسهام وافر في تأسيس وازدهار الرواية السودانية، على الرغم من أهمية الرواية التاريخية والفنية إلا أن النقد الذكوري لم يعط الرواية حقها في الدراسة والتحليل “.
جاءت لغة السرد سهلة بسيطة واضحة متماسكة اختارت الكاتبة اللغة العربية في كل محاورها، كما تعاملت الكاتبة مع المواقف ورسمت الشخوص بكل وضوح وهى بين هذا وذاك لم تسقط من النص الواقع التاريخي لزمن الرواية .
رسمت ملكة الدار واقع الحال الاجتماعي بدون تكلف بل تركت للقارئ المجال أن يعيش حذافير المواقف ويستشف عبر ذلك ما يدور من تفاصيل ، أضفى على النص الروائي حياة متدفقة تميزت في رسم اللوحات بما يقتضيه الحال.
لم تغب معاناة الأنثى السودانية عن معظم المشاهد في الرواية، فهي تحكي عن سعاد التي سوف تتزوج ولم تعرف من الذي سوف يتزوجها، وفوق ذلك كله فمن أجل الزواج حيل بينها وبين دراستها .
ولم تغب لواعج المرأة وعاطفتها عن خيال الكاتبة، فكانت تلك المعاني حاضرة في بعض المشاهد من الرواية ، وجاء التعبير عنها يحكى عن تلك الفترة الزمنية، حيث كانت الأشواق غير مصرح بها فتظل غالباً مخبأة خلف ستار الحياء والخوف، وهى بذلك تستدعى ذاكرة الزمان لتلك الفترة، وهى وتبرزفى فضاء الرواية ذاكرة الأنثى وما يكتنف مشاعرها من أشواق وما يحول بينها وبين ما تحب حتى لو كان حبا بريئا.
صور التعنت من الآباء اتجاه بناتهن خلال رواية الفراغ العريض جاءت واضحة، والكاتبة هنا تصرح بالظلم الفادح الذي لحق بحياة المرأة في زوايا مختلفة من ضمنها التعليم، وكيف مجرد دخولها إلى كلية المعلمات كان يجد الرفض والممانعة من الآباء ، فالكاتبة بذلك توثق لنا أحداث واقع شهد المأساة التي كانت تتعرض له الأنثى ، وتقيد انطلاقها في مجال التعلم الذي يعتبر حق مشروع.
خلال رؤية واعية ناضجة لم تغب تفاصيل علاقة الشعب السوداني بالمستعمر، ولم يفوت على الكاتبة أن تلقى الضوء حول مطامع المستعمر ونظرته التي تقوم على مبدأ المصلحة ،وهى في سبيل ذلك تستصحب حقائق تاريخية ليتغلغل قلمها بين تفاصيل تلك العلاقة مع الاستعمار المستبد، لتسطر لنا واقع عاشته البلاد وكابدت ظلمه.
ثم تعرج ملكة الدار إلى إفرازات الحرب وما تجلبه من دمار اقتصادي، وكيف أن السوق السوداء تتمدد ومع تفاقم الوضع ليزداد طمع التجار من أجل مضاعفة أرباحهم وتضخيم ثرواتهم.
ويلاحظ أن الكاتبة تناولت في رواية الفراغ العريض محورين عبر مدلول الرواية، الأول تمثل في معاناة المرأة السودانية فيما وجدته من تعنت وممارسات سالبة في حقها الفكري والعاطفي، فهي أحيانا لا تختار من تحب ولا من تتزوج مثلاً فدفع بها ذلك إلى مساحات من الخواء الفكري وعبرن إلى تلك المساحات بالثرثرة والانصرافية حتى لا تقع في مواجهة مع الواقع المرير الذي فرضه عليها المجتمع الذكوري من هيمنة أو تهميش او فرض واقع عليها لا تستطيع أن تتخطاه أو تتجنبه، وهنا جأرت الكاتبة بالشكوى عبر روايتها عن ذلك الضرر الجسيم الذي كان سبباً في صنع مجتمع نسائي مهمش يعاني فراغا قاتلا.
المحور الثاني المجتمع الذي استطاع أن يحصر المرأة  في مستوى تعليمي محدد لا يتيح لها الفرصة لتنال المزيد من التعليم رغم مقدرتها الذهنية التي تؤهلها إلى ارقي المستويات، والذي بدوره كان ليضفي على شخصيتها وعى وإدراك واستنارة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..