مقالات وآراء

مؤانسات الجمعة.. كافر يا استاذ

الباقي من العمر
طلبت مني زوجته المشفقة أن أنبهه الي أهمية امتلاك منزل يجنبهم مزالق الإيجار و لؤمه و تقلب أحواله ، و أن أشجعه علي طلب ذلك وإن كان الثمن التنازل عن الحياة الرّخية التي يحيونها الآن و يمتد ظلها الي من حولهم من الناس ، فقلت له : يمكنك ان تطلب قرضاً تسدده في خمس سنوات لشراء الأرض ، ثم تلحقه بقرض آخر لبناء المنزل تسدده في خمس سنوات أخري ، ففاجأني بها : ( العمر ده فضل فيه كم خمسة يا فرج الله ! )

كافر!
حكي لي خالي قصة مؤثرة و معبرة عن التشدد و عواقبه ، كان ذلك قبل خمسين عاماً عندما كانوا في مرحلة الدراسة الأولية في مدرسة داخلية في انحاء البطانة ، و كان من ضمن طاقم التدريس استاذ مصري متشدد ينتمي الي جماعة الاخوان ، و كان يصلي بتلامذته الصلوات الخمس جماعة في ساحة المدرسة التي كانت تتوسط فصول الدراسة ، و له في ذلك طقس راتب ؛ يقف بقامته المديدة و لحيته الطويلة و في يده سوط عنج ، ثم يجول ببصره في وجوه المصطفين للصلاة يحصي الحضور و يتفقد الغائبين و كأنه سليمان في يوم عرشه يوم افتقاده الهدهد ، ذلك قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام و يبدأ الصلاة.

و في مرة ، و أثناء الطقس الراتب الذي يسبق صلاة العشاء رأي الاستاذ اشباح بعض التلاميذ في الفصول التي تفتح علي الساحة ، فانتفض في غضب و اتجه في توِّه بخطوته الواسعة السريعة نحو الفصل المضاء و تبعه الصبية الوجلِين في خطوات خائفة اقرب الي الجري ، و عندما وقف الاستاذ علي الباب تفاجأ التلاميذ الذين لم تتخط اعمارهم الثمان سنوات باستاذهم الغاضب يسد عليهم الباب و في يده سوطه (العنجي) ثم يبدأ خطبة عصماء عن تارك الصلاة ختمها بترديد عبارة تشنيعية قاسية قالها و الزبد يتطاير علي فمه : ” لا يوجد عذر للغياب عن الصلاة ، إلا اذا الواحد كافر ، العُذر الوحيد إنك تكون كافر ! ”
ثم ابتدر الصغار مرتعدي الفرائض بالسؤال : ها …انت مالك ما حضرت الصلاة ؟
الأول : كافر !
قالها و هو يرتجف و في ظنه انها المخرج الوحيد
اشار الاستاذ المصدوم للصغير بأن يخرج و وجه سؤاله للثاني : وأنت ؟
الثاني : كافر يا ستاذ
ثم مرّ الثالث خفيض البصر منحني الهامة : كافر
الرابع :كافر !
الخامس : كافر يا أستاذ !..

ركض الاستاذ الي مكتبه و تعالي صوته بالنشيج وكان الصوت عالياً بحيث لم يمنع الباب المغلق التلاميذ من سماع صوت بكاء استاذهم المرعب !

لم تتوقف صلاة الجماعة في الساحة بعدها ، و لكن السوط اختفي من يد المعلم و غابت عن الصلاة طقوس النظرة التفتيشية ( السليمانية ) التي كانت تسبقها ، و لم يحفل الاستاذ بعدها بالأشباح الصغيرة التي كانت تترائي له في الفصول البعيدة المضيئة بين الفينة و الأخري ، و الحقيقة أن الظاهرة لم تتكر كثيراً بعد ذلك اليوم المشهود !.

د. محمد حسن فرج الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..