مقالات وآراء

الرواية المتمردة وعبد العزيز  بركة ساكن

منتصر نابلسي

الحياة في السودان شهدت تغيرات كبيرة ومنحنيات خطيرة وأبعاداً شاسعة، وجبروتاً أحكم قبضته على كل مفاصل الحياة، وحكومات جائرة ظالمة وتقلبات في شتى مجالات الحياة، وتلاقح مع ثقافات أخرى لعبت فيها الحياة الحديثة دوراً جامحاً لا يستسلم للواقع، فتغيرت بسبب كل ذلك ملامح الحياة الاجتماعية في السودان وكانت لهذه النقلة أثراً عميقا في أفكار معظم الكتاب .
عبد العزيز بركة ساكن ضمن هؤلاء المتأثرين فظهرت عبر رواياته كثير من الأفكار الجديدة، وأّثر التمرد على الواقع المستكين فنظر عبر روايته بعين مختلفة وروح متمردة يبحث عن الافضل .
فرواية مَخِيلَة الخَنْدَريسُ شكلت مضمونا مختلفا فقد كانت انطلاقة الرواية منذ بدايات عمرها تحمل ثورة وتحرراً وتوهجاً لم تعهده الرواية السودانية من قبل، وربما شاء عبد العزيز ساكن أن يعبر إلى آفاق جديدة أخرى، تحكى عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفق رؤيا خاصة ووجد لذلك الصراع مسوغات منطقية .
اختار الكاتب لروايته عنوان غريب يرتبط مباشرة بالخمر وهو مَخِيلَة الخَنْدَريسُ  الذي يترك انطباعا لا يخرج من دائرة اتهام الكاتب بأنه أراد من خلال العنوان رواية تدور حول المجون والسكر، ولكن حين تتوغل في روايته تجدها تبحث عن قضايا اجتماعية ارتبطت بالسياسة .
يضع بركة ساكن مقدمة ومدخلاً يحمل دلالات مستبطنة وعميقة، أو تكاد تكون غير معتادة ( يقول ساكن)” جرت أحداث هذه الرواية في دولة شديدة الشبه بجمهورية السودان، قد تتطابق أسماء المدن، القرى، الأشخاص، الوزارات والصحف… قد تتطابق الأحداث، السياسات، الأزمنة والأزمات أيضاً لكن تظل أحداث الرواية تجرى في دولة خيالية لا وجود لها في الواقع، لأن ما يحدث في هذه الرواية يستحيل حدوثه في واقع السودان …. هي شطحات الخيال المريض لكاتبها بركة ساكن”.
وكانت كل المحاور تدور حول ما يجري في السودان من فساد وقهر وظلم في هذه الفترة الزمنية وبين أشواق الكاتب ساكن، وبين الحقائق المرة استطاع الكاتب أن يشق طريق إبداعه الخاص ، مستلهما  رؤيته عبر الحياة الاجتماعية
حاول ساكن أن يشد القارئ بجراءة وحنكة فهو يظل يرمى الأسئلة هنا وهناك حول النص، تاركا لك الخيار في تقييم المواقف والوصول إلى النتائج بالكيفية التي تراها عبر وجهة نظرك الخاصة.
يقول ساكن: ” هذه هي القصة ، ودعوني أرى أي الخيرين أنتم وأي الأشرار بينكم … ما رأيكم الآن ؟ ويعنى هذا السؤال فيما يعنى الأتي : إنكم قرأتم ما تريدونه أن يحدث في القصة ، وليست هي مسؤوليتي إذا لم يحدث أو انه حدث بالفعل على المستوى الذهني أو مستوى النص لكنى لا أظن أن أحدكم قد بلغ من الفظاعة أشدها ونصب نفسه قاضيا، حكيما أو حتى  شاهداً  صالحاً ليجيب على أسئلة الجلاد بكلمة واحدة مسالمة بائسة مثل كلمة  نعم، أقصد لا”.
وقد حاول ساكن أن يجد لروايته مَخِيلَة الخَنْدَريسُ  بداية مختلفة محاولاً أن يجعل من القارئ شريكاً أصيلاً يستدرجه إلى النقد ثم يتقمص شخصية سلوى السردية فيقول على لسانها، “قبل أن أبدأ مشوار السرد حيث أرادني المؤلف الأول أن أكون الراوية أريد أن أعرفكم بنفسي، وأفشى لكم سراً،  أولاً أنا سلوى عبد الله”.
أراد ساكن من روايته الاجتماعية  السياسية أن يسلط الضوء على حياة الأطفال المشردين في السودان فاختار سلوى بطلة القصة أن يكون عملها في دار رعاية للمتشردين باسم “الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية” وقضايا شريحة المهمشين في السودان المتمثلة في الأطفال المشردين والتي مازالت إلى اليوم من المشاكل التي أفرزتها سلبيات اجتماعية وسياسية متراكمة، وقد تمكن ساكن من تسليط الضوء على هذه الشريحة المغلوبة على أمرها، ونوعية الظلم الذي تتعرض له وكانت نتاجاً طبيعياً للفقر والعوز والحروب القبلية ولم تجد للأسف من الدولة الاهتمام الكافي الذي يضمن الحد الأدنى من الرعاية والتأهيل، ومن البديهي أن يتولى تربية هذه الشريحة الشارع المفتوح على جميع الاحتمالات.
لم تغب بين الأحداث ما تعانى منه الفتاة السودانية نتيجة الانحطاط الاقتصادي وشح وجود من يطلب يدها للزواج، جعلها تتمسك بأي فرصة للخروج من مصطلح العنوسة فهي بين خوفين الأول تخطى قطار الزواج لها والثاني الخوف من أن لا تحقق حلمها كأنثى تشتهى أن يكون لها طفل والعمر يحكم آمالها…
حين تنحرف العلاقات لا يترك المجال للشهوة أن تحكم وحدها ولكنه يمضى عبر فلسفته ويطرح أفكاره وطبيعة القضية بل ويدفع القارئ  نحو قراءة مابين السطور.

 

منتصر نابلسي

<[email protected]>

تعليق واحد

  1. بركة ساكنهذا الكاتب الفلتة أجمل مافي رواياته أنه يحوم على السودان بشخوصه وقضاياهم المبعثرة على قارعة الطريق والظالم فيها هو المؤسسة الحاكمة إما لجهلها أو طغيانها.. تختلق وتحرض على الفتن للإيقاع بمواطنها البسيط ثم تعود تقصفه بالنار والبراميل الحارقة عبر ذراع أسمتها القوات المسلحة وتسبغ عليها صفة القومية وهى أبعد ما يكون. بركة ساكن يطلق على الدوام صرخة الإنذار بأن المجتمع كله في طريقه للهلاك بفساد حكامه وعنصريتهم وإضطهادهم لبعض الشرائح خاصة المرأة وسوء إستغلالهم للدين.. له القدرة على صك أسماء مثلا إسم ( عبد الرحمانة) فى مجتمع ذكورى راكز لا يرى إلا الشيخ الوقور الناسك العابد بينما النساء خلق لشى اخر قطعا ليس القتال والكر والفر بينما عبد الرحمانة عن ساكن كائن مثل سائر الكائنات الأخرى تحيا وتتناسل للحفاظ على النوع وهى مهمة بيولوجية بالدرجة الأولى ولكن حولء إذا أجبرت لخوض غمار الحرب تبدو ك ( عبد الرحمانة) في خيال بركة ساكن. تنبأ بركة ساكن بأن يحارب فى إنتاجه الروائى ووصمه بالبوهيمى الفاجر وأنه الشرير الأول بلا منازع وتوجت الإتهامات بالخروج عن الملة وإنزوى بخياله إلى ركن بعيد وقد أصابته السهام وهو يردد لست شريرا لست شريرا وذهبت كلها دون اى صدى في الوادى السودانى العميق. ما يتعرض له بركة هاشم ليس جديدا بل هو ذات الإتجاه فقد قوبل فضيل جماع بالرفض وجوبه عالم عباس وهو يردد قصيدته اللوذعية صمت البراكين وإنفجار الحمم مسترسلا في سرد الثورة الأتية لتقتص للشعب السودانى من الملتحين ذوى السحنة الزائفة..نحاتج لقراءة بركة ساكن مرة ومرات فالخيال الخصيب يرتاد الثريا وكاتبنا بركة ساكن لا يزال فى عنفوان طرح القضايا وإثارتها ليحفز العقول بالنقد والطرح المضاد عل ذلك يحدث أمرا فى مجتمعنا..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..