أخبار السودان

باب رِزِق .. تجارة الزيت الراجع

ربما بالصدفة فقط وجد الآلاف من الشباب أنهم يساهمون بفاعلية في الحفاظ على البيئة وهم يخترعون تجارة الزيت الراجع
الخرطوم – عمر الفكي
وسط الزحام تلمحهم عيناك، غالباً لا تعيرهم اهتماماً، هم آلاف الشُّبان، أوجدوا لأنفسهم مهنة تقيهم الجوع والعوز والفاقة والتسوُّل، امتهنوا مهنة جمع زيوت غيار محركات السيارات (الزيت الراجع)، وهي مهنة حديثة في الخرطوم، لجأ إليها كثيرون بعد أن ضاقت بهم الحياة في مختلف ضروبها، فصنعوا مهنتهم التي انتزعوها من أنياب العطالة.
في العادة يركبون دراجات هوائية مُحملة بجركانتين خلف المقعد، ويقضون معظم يومهم يجمعون رزقهم في صمت، لكن ما الذي يفعلونه بالزيت الراجع؟
حتى الآن يحافظ هؤلاء الشباب على التربة كما تقول الباشمهندسة عزيزة إبراهيم، التي تحدثت لـ(الحداثة) بالخصوص، وتقول إنّ الزيوت الراجعة كانت تُدلق على الأرض، ما يؤثر على التربة ويغيّر خواصها ويؤثر في الغطاء النباتي لكن التأثير أصبح محدوداً، وكان يمكن أن يزيد لو لم تظهر هذه المهنة.
عبدالملك عوض، شاب عشريني قَدِم إلى الخرطوم قبل ثلاثة أعوام من مدينة القضارف، للبحث عن فُرصة عمل يقتات منها ويحقق جزءاً من طموحاته التي يتمناها. يقول عوض لـ(لحداثة)، إنه منذ أن وصل إلى الخرطوم التقط المهنة من أصدقائه وأبناء منطقته الذين يعملون في هذه المهنة، ويتكسبون منها مصاريفهم اليومية، وقد بدأ الأعمال راجلاً، ولم يكن متاحاً له أن يشتري دراجة هوائية إلا بعد سنة من العمل، التصق عوض بالمنطقة الصناعية لكنه يشتكي من الزحام الكثيف على المهنة، حيث التحق المئات بها في أم درمان وبحري. يقول: “نشتري زيوت الغيار من الميكانيكية بأسعار شبه ثابتة، ويصل سعر الجالون من الزيت الراجع ما بين 20 إلى 30 جنيهاً، ونبيعه بأسعار تتراوح ما بين 40 إلى 50 جنيهاً، ويشير إلى أنه يحصل في يومه على 200 جنيه في أعلى تقدير.
في بعض المرات يحصل أصحاب المهنة الجديدة على مساعدات أشخاص مثل، فضل عوض شعيب، وهو مشتر معتمد للزيوت الراجعة بالمنطقة الصناعية الخرطوم، وحتى الآن يمتلك شعيب 7 دراجات هوائية يهبها للشباب لتساعدهم في جمع الزيوت، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويوفر لهم رأس المال الكافي الذي يعينهم على العمل مقابل أن يبيعوا له حصيلة حصادهم اليومي. ويقول شعيب: “لا آخذ منهم أُجرة في الدراجات، ولا مقابلاً في رأس المال، وإنما أوفر لهم تلك المعينات لكي أحصل منهم على أكبر كمية من الزيوت بسعر السوق الجاري”، ويضيف: “إن الكميات في الغالب لا تكون ثابتة وتتراوح ما بين برميلين إلى ثلاثة”.
بعد أن يجمع شعيب محصوله يأتيه تاجر آخر بتانكر الشفط، ليشتري الكمية الموجودة بواقع 2800 إلى 3000 للبرميل الواحد، بحسب نظافة الزيت الراجع وخامته. وبحسب شعيب فإنه توجد حوالى 10 نقاط شراء في المنطقة الصناعية الخرطوم، وتنتشر النقاط في كل أنحاء العاصمة الخرطوم. يقول شعيب إن الزيت الراجع يُستخدم في المصانع كوقود، إلى جانب المسابك التي تقوم بصهر الألمونيوم، ويضيف أن بعض الجهات تقوم بتكريره وتنقيته ليكون صالحاً للاستخدام مرة أُخرى.
بالنسبة للميكانيكي حسن أبو القاسم (حسن صارقيل)، فإن مهنة جمع وبيع زيت الراجع أصبحت تمثل باب رزق جديداً حتى بالنسبة لهم كصنايعية، ناهيك عن الشباب المتفرغين للعمل فيها، وقال إن عائد الزيوت الراجع أصبح يدخل في ميزانيتهم اليومية بصورة ملموسة، ولكنه أبدا استغرابه من فوائدها التي جعلت الطلب عليها يرتفع بنسبة كبيرة، وأكد أنه باع في مرات عديدة الجالون بمبلغ 80 جنيهاً، ويتشكك صارقيل في ما إذا كانت هذه الزيوت تستخدم في صناعة متطورة أو غير مشروعة.
تقول المهندسة عزيزة إبراهيم، لـ(الحداثة)، إنّ صناعة زيوت السيارات تعتمد على عاملين، هما المادة الخام والمضافات، وإن الخلاف دائماً يكون في المضافات، وهذه الزيوت تكون في دورة غير مُغلقة لذلك يحدُث لها اختلاط بالمياه والأتربة ما يقلل جودتها، وتضيف أن عملية التدوير (الريسايكل) تعد ثقافة عالمية ظهرت للمحافظة على الموارد، لكنها مُكلفة وآثارها البيئية سيئة في بعض الأحيان. وبالنسبة لزيوت الراجع فإنها كانت في السابق تُخلط مع الفيرنس، لكن اليوم تغير هذا الأمر، لأن أسعارها أصبحت أعلى من الفيرنس نفسه، حيث وصل سعر الطن بالنسبة للزيت الراجع نحو 20 ألف جنيه، مقابل 19 ألف جنيه للطن من الفيرنس، وذلك على خلفية ظهور مصانع متخصصة للزيت الراجع، حسب قولها، مثل مصنع (أفرو كنج، آكسس، أم بي).
وتؤكد عزيزة أن الزيت الراجع كان يُستخدم في مصانع الحديد والأفران، وكذلك في ماكينات الصهر، لكن كثافة زيت الراجع تختلف عن الفيرنس، وكذلك في كمية الاحتراق، وتكون نسبة الكربون الناتجة عنه عالية جداً، وتكمن المشكلة الأساسية في خلط زيوت الراجع من عُدة ماكينات، ما يؤدي إلى تغيير التركيبة الكيميائية التي تنتج من تفاعل الخواص الكيميائية المختلفة مع بعضها، ومن الأفضل حسب وجهة نظر عزيزة تجميع كل زيت منفصلاً، مثل زيوت (التبريد والجربوكس، الهايدروليك، وزيت غيار الركشات)، وتوصي عزيزة بتنظيم وتقنين العمل في جمع الزيوت، وفصل كل نوع زيت عن الزيت الآخر، للوصول إلى قدر من المحافظة على البيئة التي بدأت تتحسن بفضل هذه التجارة.

الحداثة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..