
أخيراً ، خشَّ عليَّ في الايميل واحِد عرَّف نفسه بعبد القادر ركابي .وبيقول إنو من قُرَّائي بإعجاب ،ومتابع بِحُب لما أكتب في صحيفة الراكوبة ..وبيسأل بعد التحيَّة والمجاملة ، وبأكيد الاحترام عن معنى عبارة : ( الذَكِيُّ مع باجاندا ) الوسمتَ بيها مقالتي الفاتت.
شُكْراً لعبد القادر ، فقد كانَ لا يزالُ حَيَّاً كُلَّ هَذِهِ السنين .وعُذْراً ولُطْفاً ثُمَّ عفواً للمئات ، بل الآلافِ غيره ، مِمَّن أتَوا على هذه العبارة المستعجمة ، والتي تتطلَّب ايضاحاً وتفسيراً ، فمَرُّوا كراماً لم يستوضحوا أو يستفسروا وما استفهموا ولا سأَلُوا.وهذا حسبي ..فالأمواتُ بعيدون ، وأَبْعَدُ منهم مَنْ نَحْسَبُهُم أحياء.
هذا, وموسيقا الماء لا يُطْفِئُها إلا النار ،وصراخ العذارى لم يَتَغَنَّ بِهِ إنسان ، يُعَبِّر عنهُ الفَنَّان من أجل الصُم كي لا يهووا في جوف الصورةِ كالعُمْيان.
فريق من الذين مرُّوا على العبارة خُيِّلَ إليهم أنَّهُم فهموها. وفريقٌ ثانٍ صدقَ مع نفسه وأقَرَّ لها بصورة ذاتية بأنَّه لم يفهمها ولكن الكبرياء الكذوب صوَّرت لهُ أنَّ إقرارَه خارِجاً في الموضوع يُنْبئ عن جهلِه، وينتقص من قدره. وفريقٌ ثالِث لم يفهمها ، ولم يَرَ في الاستفهام عيباً أو كشفاً لجهلٍ أو منقصة ، ولكنَّهُ فَضَّلَ أن يترك العبارة تذهب لحالِ سبيلِها كما جاءَت حَيَوِيَّةً كنبضاتِ قلبٍ سليم. وفريقٌ رابِع لم يفهمها ولكن تذَوَّقَها وطَرِبَ لموسيقاها، واكتفى بأن أضافها إلى قاموسِه الكَلِماتي والعباراتي، وغَنَج على كده .وفريقٌ خامِس يُمَثِّلُه وحيداً عبدُ القادِر ، حِينَ لم يفهم استفهم .ومِنْ ثَمَّ فإنَّ عبدَ القادِر , في رَأْيِنا , يتَّصِل بسبب ، وينتمي بِصِلة للمنهج الذي حاوَلَ القَرَّاي أن يُسْهِم بِهِ وُسْعَه في المساعي القاصِدة لحلحلة أزمات هذا البلد المنكوب .لقد كانَ من رَأْيِ الدكتور القَرَّاي أنَّهُ يجب علينا أن نترك الجَفَلَنْ،ونقرع الواقفات .ومِنْ ثَمَّ نُوَجِّه الجهود للأجيال القادِمة كي تتحرَّرمن أغلال النظام الساقِط ، برجاء أن يُقَدِّم لها هذا التحرُّر الأمان ، ويعينُها على تحقيق ذاتِها ، والتعبير عن إمكانيَّاتِها ، والإعلان عن نفسها وعن ممكناتها العقلية والعاطفية والحِسِّية.
هذا ، وأربعة الفِرَق الأولى تنتمي وتتداخَل بصُورةٍ أو بأُخرى ، وتضامُناً وبالإنفراد ، للمنهج الذي يُمَثِّلُه ويُعَبِّر عنهُ الشيخ الجوعار , محمد الأمين مصطفى ، برجاء أن يبقى الوطن في حالة السجم والرماد ، ويبقى المواطن في حالة الخضوع المُزْرِي لعقلية القرن السابع الميلادي ، والإذعان المُخْزِي للمؤسسات والسلطات القائمة عليها. وبِكَلِمة, حالة العبودية الاختيارية ، والخوف من الحُرِيَّة .
مالُورِي وُوبَر ، عالِم نفساني أمريكي .قامَ بفحص تصوُّرات الذكاء بين أعضاء القبائل المختلفة في أوغندا. فوجَدَ أنَّ أفراد قبيلة Baganda يميلون إلى الربط بين الذكاء وبنية العقل ، على حين يربط أفراد قبيلة Baturo بين الذكاء وبين درجة من الاضطراب الذهني. وعندما طلبَ ووبر من أفراد بَحْثه أن يربطوا الألفاظ الوصفية بالذكاء ، وجَدَ أنَّ أفراد قبيلة الباجاندا يصفون الذَكِي بأنَّه مثابر ، صلب ، عنيد. على حين وصَفَهُ أفراد قبيلة الباتورو بأنَّه ناعِم ، مُطِيع ، سَهل قيادَتُه وسواقتو بالخلا .وهذا ، إِذَنْ ، معنى : { الذَكِيُّ مع باجاندا ، الغَبِيُّ مع باتورو .}.
“شُكْرِي”
شكرى عبد القيوم <[email protected]>