مقالات وآراء

فضاءات الجمعة (في الحِرص والطمع)!

عثمان شبونة

* من أمثالنا (الطمَع ودَّر ما جَمَع) وإنه قول مطابق لكثير من آثار الرُّسل والحكماء والصالحين.. لعلنا في حياتنا قد مرّت علينا نماذج ومواقف كان الطمع فيها قاصم لظهر صاحبه؛ أو على أقلّ الإعتبارات كان مصدر ندامة بدرجةٍ مَا.
* روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين؛ وهلاك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل). وجاء رجل إليه؛ فقال: أوصني. قال: عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغِنى؛ وإياك والطمع فإنه الفقرُ الحاضر؛ وصلّ صلاتك وأنت مودِّع؛ وإياك وما يُعتذر منه.
* قيل في هذا الباب: (الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في رزقه). وأضيف من عندي: أنه لا يزيد في العمر ولا في العافية.
* سئل أحد الحكماء: (ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب). وقد أحسن الناظِم: (إذا طاوعت حرصك كنت عبداً.. لكل دنيئة تدعى إليها).
* الحِرص وطول الأمل والبخل؛ ثلاثي يحيلنا لمعنى واحد من كلمتين؛ هو (صِغر النفس)؛ ثم الجهل بشأن هذه الدنيا التي ما ترك الموت فيها فسحة لمؤملٍ أو شهواني؛ فكل لذة لها أجل وكل طمأنينة يعقبها وجَل؛ طال الزمان أو قصر.
* ومما أعجبني في كتاب المستطرف في كل فنٍ مستظرف؛ قيل: (أن آدم عليه السلام عُجن بطينتهِ ثلاثة أشياء: الحرص والطمع والحسد؛ فهي تجري في أولاده إلى يوم القيامة؛ فالعاقل يخفيها والجاهل يبديها).
* من الطمع يحصد الناس الذل وهم يعتصمون بسراب البخل وطول الأمل.. فلا تلين لهم الحياة ــ بتقلباتها ــ مهما حرصوا على أشيائهم؛ وإن لانت لهم اليوم فإن الغد غير مضمون.. قال الشافعي رحمه الله:
حسبي بعلمي إن نفع
ما الذلُّ إلّا في الطمع
من راقب الله رجع
ما طار طيرٌ وارتفع
إلّا كما طار وقع
* سيدنا علي كرم الله وجهه كان صادقاً شفيفاً حين أفصح وأفلح بقوله: (أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع) ومما ينسب إليه أيضاً هذه الكلمات ذات الأثر العميق: (ما الخمرُ صرفاً بأذهب لعقول الرجال من الطمع). وقال بعض الفلاسفة: (العبيد ثلاثة: عبدُ رِق؛ وعبدُ شهوة؛ وعبدُ طمع). ومن الحكم الغابرة نقرأ: (إياكم وطول الأمل؛ فإن من ألهاهُ أمله أخزاهُ عمله).
* من المُفارقات المُخزية؛ حال الشخص الذي يوقن أنه سيُفنى عاجلاً أو آجلاً؛ فيترك ورثته للآخرين مع سيرة بلا أفضال؛ عاقبتها لعنات.. تراه يحرص على الشهوات حرص (الخالدين)! وما دائم إلّا الواهِب تبارك وتعالى.. لذلك تجد أهل البصيرة ــ ومنهم شعراء ــ أبعد الناس عن التشبث بالفانيات.. ومما جاء في شعر أبو العباس بن مروان:
وذي حرصٍ تراه يلمُّ وَفرَاً
لوارِثه؛ ويدفع عن حِماه
ككلب الصيدِ يمسكُ وهو طاوٍ
فريسته؛ ليأكلها سواه.
أعوذ بالله
—-
المواكب

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..