
يأسرني هذا الجنرال فكلما أبحث عن الكلمات التي تتلألأ بريقاً ولمعاناً أجدها مزدانة بتوقيعه محفوفة بمشاعره وأحاسيسه وضحكاته وأوجاعه.
يبهرني هذا الجنرال .. كيف أبدع في نظم القصيد ، وطوع سلطان الشعر ليترجم به كل تلك الأحاسيس الجميلة والمشاعر النبيلة ، ويصورها لنا تصويراً دقيقاً حتى يحس كثير من الناس أن شاعرنا يتحدث عنه ، كأنه أراد أن يعبر عن أحلام أبناء جيله بل مابعده من أجيال ، وكيف أمتلك قافية الشعر ليسمو به ويسائل به حتى كل طائر في سماءه .
ليعرفه الناس شاعراً مدهشاً بقصائده الخالدة في سماء الأغنية السودانية قبل أن يعرفوه جنرالاً في قوات الشعب المسلحة ،التي جاءها بعد أن ترك كلية الآداب بجامعة الخرطوم لظروف خاصة .
كان في القوات المسلحة رقماً صعباً ومميزاً فكان أول دفعته في الكلية الحربية وهي دفعة مشهودة يعرف أفرادها معظم الشعب السوداني ، وشغل كثير من المناصب لأول مرة ، وكأن مقدراته كانت سبباً في استحداث تلك الوظائف والمهام ، فكان أول مديراً للتوجيه المعنوي بالقوات المسلحة ، وأول مديراً للمؤسسة التعاونية و أصدرت أول نسخة من صحيفة القوات المسلحة في عهده.
استدعت ذكرى الجنرال فينا سهرة تأبين الشاعر بالإذاعة السودانية والتي تم نقلها من المسرح القومي بامدرمان ، وانتهى زمن السهرة بالإذاعة ومازالت الشجون والمفردات الوسيمة تختال عربيدة هناك في المسرح القومي على شاطئ النيل ، تداعب الوجدان و تهب الدفء في ليلة من ليالي الشتاء الجميلة، فحرمنا من لحظات للمرح والانبهار كنا نحتاجها ونتوق اليها نسبة لأن المسئولين عندنا لايتركون فسحة للإبداع وليس عندهم استثناءات للجمال .
لعل الحضور بالمسرح القومي والمستمعين بالإذاعة عاشوا الدهشة والمتعة مع أشعار الراحل ولسان حالهم جميعاً يردد يوم ودعني حسنك ولازمني الشجن ، ليظل بستان شاعرنا مخضر بالجميل من الأزهار والورود والباسق من الأشجار كعشرة الأيام وأني أظن أنه لاتوجد أغنية في الغناء السوداني أحبها الناس وعاشوها مثل عشرة الأيام لأنها تحسست فيهم كثير من المواضع ، وطافت بهم بكثير من محطات الذكريات الجميلة التي دوما ماترسم إطار تلك العشرة ، ولأن العشرة تمثل ركناً مهماً من فضائل هذا الشعب السوداني ، وتناسي العشرة يعتبر منغصة في عرف هذا الشعب الجميل ، ويتعارض مع شيم إنسان البلد الأصيل .
وظل هذا الجنرال في كتابة أشعاره وأغنياته يلامس وجدان كثير من الناس فتخصص في الأغنيات التي ملكت وجدان الشعب السوداني فمن عشرة الأيام لربيع الدنيا ليا أحلى من ابتسامي ودنيا المحبة وخاطرك الغالي وكيف يهون عندك خصامي وبقية العقد الفريد، ليترنم بأشعاره عثمان حسين والكابلي وزيدان إبراهيم وعبد العزيز المبارك، وغير هذه الأغنيات من الأغاني الخالدة في ذاكرة الشعب السوداني.
ويردد الحضور أغنية عشرة الأيام ويبكي فراق شاعره المر ، ومعظم الشعب السوداني مولعا ب وريني ايه ضراك لوكان صبرت شوية ، فكثير من أهل هذا البلد كانوا يحتاجون فسحة شوية في الزمن وضاعت عليهم الكثير من المسرات بعدم الجاهزية .وكما تردد كانت أغنية عشرة الأيام سبباً في عودة شاعرنا لعمله في القوات المسلحة ليعيده النميري بعد أن كان قد عزله فأرجعته متانة عشرة الأيام .
تحدثت دكتورة عزيزة عوض أحمد خليفة نيابة عن أسرة الراحل إلا أن الشاعرة هدى عوض أحمد خليفة كانت هي التي تسير على خطى والدها في الشعر ونظم القوافي من بين بنتين وثلاثة أولاد .
عزيزنا عوض أحمد خليفة هل بعد رحيلك والفراق المر أتلاشت الأحلام وستغيب عنا الكلمات التي تشع رونقاً وجمالاً.
وغاية المحبة سلام .
د. السموءل محمد عثمان <[email protected]>