
حال ثورة ديسمبر مع الشعب حال رجل يحب أطايب الطعام، فرأى في التلفزيون ( في برامج الطبخ الذي يسيل له اللعاب) فتاة جميلة ذواقة، كل شيء جميل موقع فيها حتى لفته الجيد… وما حكاه الشاعر الشابي بعد ذاك. فاعجبته أيما اعجاب وقرر الزواج منها، فتزوجها وأدخلها جنته وهو ظالم لنفسه. لكن هذه الفتاة لم تعد له ما كانت تعد في التلفزيون، بل كان كل همها التأنق والاسراع لتقديم برامجها (الخادع) المحضور،بعد أن تأكل معه (الكوجان) الذي كان يأكله قبل الخدعة الكبرى…فأحس الرجل في قرارة نفسه أن هذه الفتاة (بياعة أناقة وكلام) وأن زواجه هذا كان أكبر (خازوق) في حياته القصيرة…وأنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير…وهلمجرا!
هناك من يحاجج ويقول إن الثورة لم تقم من أجل العيش وأجل البنزين والغاز، بل جاءت لاستعادة الكرامة المهدرة والمال المنهوب، واستبدال شعارات الشمولية السطحية الظلامية بشعارات الحرية العميقة المضيئة…ويتحمس اكثرهم تنظريا ليقول: الماضي ولى لن يعود وجاء دورك يا صباح، فإذا بصباح الحرية والسلام والعدالة أضحى أشد بؤسا..وأشد تنكيلا. فلعنه المتفائلون سرا وعلانية، وأما المتشائمون فحدث ولا حرج؟
ظن كثير من الثوار أن تغيير الطغمة الحاكمة (الفاسدة) يمكن أن يغير مجريات الحياة ومن ثم يصلح الحال وتستقيم الدولة. فجاءت لجنة التمكين المباركة لتبشر الشعب بقبضهم على الحرامية ووضع أياديهم على الثروات المنهوبة وإن العودة إلى جنة الخلد والنعيم الذي لا يبلى وشيك. لكن سوء الحال دل أنه لا توجد دولة أو مؤسسات قائمة في السودان، وأن الماكينة التي تدور بها عجلة الدولة هي ذات الماكينة التي وضعها الإنجليز إبان الاستعمار الذي يبدو أنه العلامة المضيئة الوحيدة في تاريخ الحياة الرغيدة والعهد بجنة النعيم التي أخرجنا منها بعد خروج المستعمر. والوطنيون من بعدهم لم يهتموا بصيانة هذه الماكينة فضلا عن تطوريرها أو تغييرها، بل فككوها وباعوها في سوق الخردة (صامولة ..صامولة).
وهناك تفريق بين وجود الدولة التي هي كيان ومؤسسات قائمة والسلطة التي تأتي وتذهب..لكن عدم وجود دولة قوية بمؤسسات راسخة هو ما جعل كل من يأتي (يعوس عوسه) ويهدم بمعول ايديولوجيته كل ما هو قائم وغير قائم ليبدل ويغير من غير هدى ولا علم ولا كتاب منير، وهذا ما فعلته الإنقاذ بعقلها التلفيقي الذي أدى إلى انشطار السودان ولم تستطع أن تقضى على الفساد الذي نخرها من الداخل حتى قضت عليها دابة الثورة…ولأن الثورة لم يكن لها منظرون فاعلون ولا أصحاب رؤى واضحة تلقفها أيضا أصحاب أيديولجيات متفرقة تركوا إصلاح معاش الناس جانبا ومدوا أياديهم يقطفون من ثمار شجرة السلطة المحرمة حتى بان عريهم، فلا هم نخب مصلحة جاءت بخبرات كبيرة من الغرب الأوروبي ولا هم سياسيون يجيدون لعبة السياسة، ولا هم عبروا بالشعب لجة التعب والفقر والضياع…
لا أحد بالطبع يريد عودة الجيش للسلطة وخاصة إن الجيش لا يأتي ليحكم من تلقاء ذاته بل تكون وراءه عقلية حزبية عجزت أن تقيم حكما راشدا أو أن تتفق مع غيرها من الأحزاب فهم أشتات متفرقون لا يجمعهم هدف ولا توحدهم غاية..لذلك فعلى الشعب أن يحرص على جيشه وأن يعمل على أصلاحه وأن يعيد ثقته به مهما كانت الظروف فالسودان (اليوم) ليس سويسرا أو بريطانيا أو حتى مصر الجارة القريبة بجيشها الواحد القابض على زمام الحكم، ربما يكون (غدا). (قحت) لا تملك رؤية لحل مشكلات السودان المتفاقمة لا السياسية منها ولا المعاشية..والسياسيون المستوردون لم يأتوا بخير فكثير منهم جاء إلى هذه الحديقة الخلفية (الخربة) لينال حظا كما ناله الذين من قبلهم….عليكم بجيشكم أصلحوه حتى لا تكون جيوش كثيرة ويختلط الحابل بالنابل، وليكن للجيش مجلس قيادة متكاملة، لا قائدا واحدا فردا صمدا يفعل به ما يشاء.
ياتو في الجيوش؟ طيب ما تصلحوا إنت