المنوعات

الحواتة..تفرد وابتكار في علاقتهم بـ”الجان”

تقرير : عمار عبدالله

يظل فنان الشباب الراحل المقيم محود عبدالعزيز صاحب الرقم القياسي و(نجم الشباك الاول) بلا منازع في تاريخ الغناء بالبلاد لأعرض واكبر جماهيرية فنية استطاع فنان سوداني تحقيقها في مشواره الفني الذي لم يتجاوز أو يكمل الثلاث عقود ، وصار محمود ولايزال مصدر حيرة ودهشة للمبدعين من الموسيقيين والشعراء والفنانين والمراقبين للساحة حتى وصفوه بالظاهرة الفريدة والحالة الاستثنائية التي ينبغي للناس حتى بعد رحيله المؤلم والصادم منذ ثمانية اعوام ضرورة اخضاع تجربة (الحوت) للدراسة العميقة وعرضها لشارط اقلام الباحثين حتى تًشرح ويتم تحليلها وتقييمها بدقة لتعم الفائدة على الاكاديميين والفنانيين ويتلمسها الناشئة من المطربين الشباب ممن لايزالون يتحسسون طريق الابداع ، فمحمود لم تقتصر عبريته على مجرد تصدر سوق الكاسيت في السوق بدون أي منافس أخر منذ أن لامس صوته الساحر الشجي ذائقة السودانيين ليحتل وجدانهم طوعاً في اوائل التسعينات ، أو كان اكثر الفنانين تقديماً للاغنيات الخاصة التي بلغت (125) أغنية خاصة بل تعدي جميع ذلك من تحطيم الارقام القياسية إلى التمتع بب وعشق قاعدة جماهيرية خرافية من الكبار والشباب فمحبيه كانوا من كل الاعمار لكن طغيعلىهم جيل الشباب الذي اصيب بمرض لافكاك أو علاج منه يدعي صوت واغنيات محمود عبدالعزيز والشئي الغريب انه رغم رحيله تزداد وتتسع محبته في كل يوم عن الذي يليه بين (الحواتة) الذين لم تتناقص اعدادهم بل هم في ازدياد مستمر في مشهد نادر غريب ومدهش من الوفاء الفني لهذا الفنان الاسطوري.

“هستيريا فنية” وجنون “الحواتة”
عرف جمهور محمود عبدالعزيز بـ(الحواتة) واستمدوا هذا الاسم من لقب فنانهم (الحوت) واطلق الكثيرون علىهم لقب (المجانين) لكن هذا الوصف المجازي يحتاج إلى تحديد أدق وهو أي نوع من الجنون هو ؟ ! بالتاكيد انه جنون (العشق اللامتناهي) لأن جمهوره كان من بينهم العالماء والاكاديميين والاطباء والاعلاميين والطلاب والمبدعين ومن كل شرائح المجتمع والوان الطيف السوداني بل حتى ممن يتبوأون مناصب قيادية رفيعة في الدولة .
وتميز الحواتة في حفلات محمود بإصدار تصرفات كانت أقرب إلى (الهستيريا) الفنية من تشنجات ودموع وآهات صرخات وحركات وتصرفات غرائبية كانمتت تتجاوز حد المسموح والمعقول ، سرها يعود إلى عشق وشوق لم يهداء ولم يفتر لفنانهم تطور بمرور الايام إلى داء ومرض تسلل إلى أوردة وشرايين اجسادهم وتملك وجدانهم بحيث صار لافكاك منه اسمه (حب الحوت) تدرج بمرور الزمن من مرحلة التعصب إلى التطرف والغلو ليكسر حاجر العادية والمألوف وليصل إلى اقصى مداه في درجات (التطرف الفني) اثناء حياة محمود وبعحتى بعد رحيله ، فلا يزال الحواتي يرفض اعارة أذنه لأي فنان أخر سوي الراحل محمود عبدالعزيز متمسك بقسم الولاء الفني وبالشعارات على شاكلة (مابطيق لغيرو اسمع) و(الحوتوبس) و(برتاح ليك) ، وهذا الامر ليس بمستغرب لجمهور اعلنوها صراحة للفنان في حياته وبايعوه على ان ارواحهم وانفسهم سيهبوها رخيصة في سبيله فكانت هتافات (نموت نحن ويحيا الحوت) فشبههم الناس بـ(الجمهور الانجليزي) لان كلاهما شرس ومتطرف لدجة اصبح معها ذات الجمهور منالحواتة (ظاهرة) كفنانهم يحتاجون هم ايضاً إلى ضرورة اجراء البحوث والدراسات علىهم منقبل الباحثين والمختصين في علم النفس والاجتماع لجمهور ظل ملتف حول فنانهم المحبوب طوال مشواره وحتى بعد رحيله في وفاء فني غريب بدون كلل أو ملل ويزداد في حبه وشراسته وتطرفه في كل يوم يمضي عن الذي يليه بصورة تدعو للدهشة .

الحواتة تفرد وابتكار
الحواته أو الجمهور الانجليزي كان متميز دوماً ويعشق التفرد ارتبط بمحمود عبدالعزيز فكانوا يشكلون حضور طاغي لايغيب في كل الحفلات والفعإلىات التي كان طرفها فنانهم المحبوب يحيونه بتحيته واحسن منها رافعين جميعاً ايديهم بتحية الحواته المشهورة وهي عكس إلىدين إلىمنة وإلىسريعلى شكل الحرف (x) التي اصبحت كالتحية العسكرية يتبادلها الحواته مع قائدهم الحوت في منظر بديع ومشهد ريتكرر إلا في حفلات نجوم الغناء العالميين في الغرب وبعض الفنانين العرب ، وذلك ما اهله ليحتل بجدارة (نجم الشباك الاول) بلا منازع ، أما الحفلات نفسها فهي قصة ثانية قائمة بذاتها لاتقل روعة عن عشق الحواته تتجلي فلا احلي وازهي لوحة من صور الرومانسية التي يرسمونها من خلال اغراقهم لمحمود بالهدايا الرمزية التي بالرغم من قيمتها المادية البسيطة مثل (الخواتم ـ النظارات ـ الطواقي ـ التشيرتات ـ الصور) إلا انها كانت تمثل قيمة معنوية كبيرة ظل (الجان) يحرص على استلامها بنفسه من معجبيه بكل احترام وتواضع والاحتفاظ بها في صورة تبين اصل معدنه الطيب ، ولم يتوقف التفرد والابتكار للحواته على ذلك بل تعداه إلى التفنن في اطلاق الالقاب الفنية على محمود بصورة لم ولن ينالها فنان سوداني من قبل على طجول انتداد تاريخ الغناء وكمثال على تلك الالقاب البارزة التي صارت تسبق اسم محمود عبدالعزيز ( حوته ـ الحوت ـ الجان ـ الامبراطور ـ الاسطورة ـ الملك ـ سيدا ـ جان افريقيا الاول ـ السلطان ـ أمير الغناء ـسلطان الطرب ـ الفريد في عصرو ـ الحاج ) وغيرها من الاسماء .

كيف استحوذ الحوت على القلوب
يقي السؤال المهم الذي يحتاج إلى اجابة لعلها تشفي حيرة وفضول الكثيرين عن كيف نمًي وتمدد هذا الهوس والعشق الفني المجنون بالحوت واغنياته في قلوب الشباب ؟
وحقاً هو سؤال محير تصعب الاجابة علىه ويحتاج إلى دراسة مستفيضة لايجاد تفسير طبيعي ومنطقي له لكن من المؤكد ان هوس وتعلق جمهوره باغنياته لازمهم منذ ظهوره وتلهفهم لاقتناء البوماته الجديدة من الكاسيت في وقت كانت أشرطة الكاسيت هة المتنفس الوحيد للشباب السوداني والمسيطر على ذائقتهم تماماً لقرابة العقدين من الزمان قبل ان تنقرض مملكة الكاسيت بفعل سهام العولمة واجهزة الـ(أم . بي ثري) حتى صارت أغنيات محمود وتحولت إلى ما يشبه الثقافة وجزء اساسي من مكونات أي شاب لايمكن الاستغنلء عنها ، حتى ترددت مقولة مشهورة رائجة في وقتها ويتداولها الشباب فيما بينهم مفادها ( الما بسمع الحوت ما شاب) فسعي الجميع إلى خطف البوماته وحرصوا بشدة على شرائها وامتلاكها قبل ان تنفذ في الاسواق بارغم من التكلفة المادية الباهظة لثمنها في ذلك الوقت وكانوا يتباهون فيما بينهم بحفظ وترديد أغنيات أي شريط للحوت في جلساتهم وفي كل مكان لكانهم يختبرون الذاكرة السمعية الفنية لهم بصورة اقرب إلى الحالة المرضية لتتسيد المشهد الفني تماماً .

كاريزما محمود وإنسانيته
تحول هوس الشباب بمرور اعوام قليلة من ازمن إلى افتتان بكل ما يتعلق بالفتي النحيل الوسيم محمود عبدالعزيز صاحب الكاريزما والقبول الطاغي الذي صار ملهم للشباب وجذبهم بروحه المتحررة (المتمردة) ووتوقه الدائم إلى الحرية فاصبح الجميع يرصد ويحسب ادق تفاصيل حياته وحركاته وتصرفاته واصيب الكثيرين بهوس محاولة تقليده في شكل حلاقة الشعر والذقن الدائرية الشهيرة والموضة التي يتبعها في ملابسه من بدل وقمصان وتشيرتات فيقوم بلبسها الاولاد والبنات بدون أي فرق ، بل أن هذا الهوس امتد حتىإلى التجار ورجال الاعمال فتباروا في اطلاق اسماء أغنياته على الملابس وعلىالسيارات فكان البوكس التيوتا إلىاباني الشهير المعروف حتىإلىوم بـ(لهيب الشوق) ، وبالاضافة لذلك سكنت صور محمود الملونة واحتلت جدران أي منزل أسرة سودانية سواء كانت من الطبقة الغنية أو الفقيرة ، وما لايعرفه الناس ان (الحوت) كان يتعمد شراء ملابسه من الماركات الرخيصة في السوق لمعرفته ان الشباب سيقلدونه في لبسه في لبسه ولو اشتري من الماركات الغإلىة فلن يستطيعوا ان يكونوا مثله ، واما انسانيته وتواضعه بالرغم من نجوميته فتتجلى في عطفه واحتوائه لشريحة المعاقين في حفلاته الجماهيرية بل أن سر تحيته صاحبها معاق اسمه الطاهر (طبي) كان يرفع عكازيه بعلامة (x) فيحرص الفنان الراحل على مبادلته التحية باحسن منها ، وتكشفت العديد من الاسرار عن محمود عقب رحيله وكيف تبني اسر متعففة وتكفل بمصاريف طلاب في المدارس والجامعات ، هذا مانجح فيه محمود من خلال رسالته الفنية وفشل فيه (الساسة) عبر قدرته القدرة على رتق وتوحيد النسيج الاجتماعي للمجتمع السوداني بمختلف الوانه وسحناته المتعددة وترديد الجميع لاغنياته في الشمال والجنوب والشرق والغرب وأما ما برع فيه عن طريق صوته فكان غربلة الغناء الكلاسيكي القديم ونفض الغبار غنه عبر تجديده وتحديثه موسيقياً وتقديمه للاجيال الجديدة بنكهة وطعم مختلف مغاير قريب إلى قلوبهم ووجدانهم ناسب وواكب متطلبات المرحلة ما حببها إلى الشباب ، ويتجلي ذكائه ونبوغه في حسن اختياره لاعمال محددة انتقاها بدقة وعناية فائقة واجاد تقديمها مثل درر الحقيبة والتراث والروئع الذهبية لكبار الفنانين من الرواد.
المواكب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..