لن أقول شكراً البرهان، … و لا شكراً حمدوك

ما قام به جيش (الشعب) من تحرير لأرضنا المحتلة في شرق البلاد أمرٌ محمودٌ دون أدنى شك،
و لكن هذا و اجبه،
واجبه الذي يجب (ألا) يُشكر عليه،
مثلما يزرع المزارعون محاصيلهم، و لا يشكرون،
مثلما يدرس المعلمون تلاميذهم، ولا يشكرون،
مثلما يعالج الأطباء مرضاهم، ولا يشكرون
مثلما ينظف عمال البلدية شوارع المدينة، و لا يشكرون …..
و لذلك لا أرى سبباً واحداً لهذه (الهيلمانة) التي طغت في أجهزة الإعلام تمجيداً لما قام به الجيش.
أنت أيها الجندي الحبيب قد إخترت هذه المهنة العظيمة، و أديت القسم لتقوم بواجبك في حفظ تراب البلد، حتى لو تُقدم حياتك ثمناً لذلك، وتعيش و تربي أولادك منها، و لا أدري لماذا أشكرك؟ و لماذا أغني لك؟ و لماذا أزغرد لك إذا حررت جزءاً من أرضك المحتلة؟
في عالمنا الثالث يحس المواطن بالخوف، و لذلك تعجبه القوة، و لهذا السبب حكمنا النميري ست عشرة سنةً ، و كنا نغني له (تسلم يا أب عاج أخوي يا دراك المحن)، … أب عاج يعني الأسد و قد يكون يكون النمر، و حكمنا البشير ثلاثين سنة على أنغام (في أم باروداً عبك… عمر حلّال لي الشِبَك)، و لا أحد يدري ما هي الشِبَك التي حلاها عمر، حكمانا لأنهما يعبران عن القوة التي التي نبحث عنها لأننا خائفون ….. بدائيون، و فشل الأزهري و فشل الصادق في جعل الناس يحبونهما، لأنهما لا يوحيان للشعب (البدائي الخائف) بالقوة، و لا يعطيانه الأمان، و لذلك لم يغنِ لهما أحد.
و الأنكى من ذلك ما يوحي به البعض أن الحكومة العسكرية تعني القوة، و المدنية هي الضعف، حيث لا يوجد جيش و لا شرطة، و الصحيح أن العسكري و الشرطي عليهم القيام بدورهما في الحكومة المدنية بصورة كاملة كما في الحكومة العسكرية، أنت موظف دولة (يا بُنَي)، مهنتك القتال و سلاحك الكلاشينكوف، مثل المعلم الذي مهنته التعليم و سلاحه القلم.
قبل أيام ظهرت نتيجة الثانوية العامة فهل خرجت الجماهير في مظاهرات للثناء على المعلمين كما خرجت للجيش الذي حرر الفشقة؟ هل قامت حملة لتقديم الدعم لهم و هم من أفقر الناس كما قامت لدعم الجيش؟
و كل الخوف أن يجيير البرهان و رهطه ما تم من إنتصار لصالحهم، و على حساب الحكومة المدنية، و المؤسف أن قرار الحرب يبدو و كأنه قد إتخذه العسكر بعيداً عن الحكومة المدنية، التي كان يجب أن تكون هي من أصدر القرار للجيش و أمره بالتحرك لتحرير الأرض المحتلة.
الحكومة المدنية تحكم، تنشئ الجيش القوي و الشرطة اليقظة، و (تأمرهم) بالحفاظ على تراب الوطن و مواطنيه، إذا فهمنا (كما بفهم العسكر) أنه في الحكومة المدنية يجوز للجندي و للشرطي أن يتقاعسا عن عملهما، سيكون من حق المدرس و الطبيب و عامل البلدية أن يتقاعسوا عن عملهم في الحكومة العسكرية، صاح و لا أنا علطان؟
في مجتمعاتنا المتخلفة هذي، التي يملوؤها الخوف نسبة لتكوينها البدائي، لا يقيمون وزناً لمهندس بارع أو طبيب نطاسي أو كيميائي خارق أو فيزيائي مبتكر أو إقتصادي ملهم، مثلما يقيمون لجندي قادم من معركة.
هل لاحظتم أنه قد تم ضرب العديد من الأطباء في الفترة الماضية، و لم نسمع بشخص قال لأي شرطي تلت التلاتة كم حتى و لو شتمه أو ضربه ذلك الشرطي؟
علينا أن نتحرر من الخوف، ألا نكون بدائيين، و ألا يكون شغلنا الشاغل أن نمجّد من يحمينا، بل من يعلمنا… من ينظف شوارعنا و يفلح أرضنا.
فيا جندينا الباسل، لك محبتي وتقديري… و لن أقول لك شكراً، هل تدري لماذا؟ لأنك قمت بواجبك، و أنت تعلم (أنه لا شكر على واجب)، و ندعو لك بالتوفيق.
لن أقول (شكراً برهان) …. ولا (شكراً حمدوك).
خروج: (بالإذن من عثمان شبونة)
كم يحزنني أن أرى بلادنا في نزاع مع شعب (آبي أحمد) و السفير الإثيوبي الذي بكى بصدق و هو يتحدث عن (الشعب السوداني العظيم) عند توقيع الوثيقة الدستورية، …. و أتمنى أن تزول هذه السحابة السوداء التي أظلّت سماء بلادنا و إثيوبيا الجارة العزيزة.
تُرى هل مازالت القهاوي في أديس تصدح بأغاني وردي و أحمد المصطفي و سيد خليفة كما كانت؟ أم أن أبناء (منليك) قد حرموا أنفسهم و ضيوفهم من ذلك الترف؟
علي العبيد
[email protected]