مقالات وآراء

بطاقات مشعثة (18)

(1)
تربى جيلي (مُحبكم في منتصف الخمسينيات تقريبا) على اعتبار السرقة والاختلاس من الكبائر، وكانت أسرة الجاني لا ترفع رأسها في الشارع من فيض العار، ومن يتقدم لخطبة فتاة يخضع لتحريات بوليسية من أسرتها، والرفض مصيره التلقائي إذا ثبت ارتكابه أو أي من أفراد أسرته المقربين لتلك الموبقات.
تغيّر الحال كثيرا بعد انقلاب القتلة واللصوص (البعض يسمّيه الإنقاذ)، فانعكست المعايير، وأُصيبت النظم الأخلاقية بالعطب، وأضحى –في كثير من الأحيان- المال، بصرف النظر عن مصدره، الفيصل الوحيد في موقع الشخص اجتماعيا.
إذا لم يكن لنظام القتلة واللصوص من جريرة سوى هذه لكفته عارا.. شاهت الوجوه وقبحت الأفعال!

(2)
تجتاح بلادنا ضائقة مالية حادة، وتكاد الحكومة السنية –لولا الحياء- تعلن الإفلاس، ولكن المبكي المبكي (التكرار متعمد) أن قائمة الاستيراد تتضمن سلعا مثل كريمات التبييض وأطقم لعبة الغولف والنبق الإيراني.. إلخ، وفي هذه الأثناء تغيب عقاقير التخدير، وأدوية الملاريا، وأجهزة فحص وعلاج الكرونا.. إلخ عن المستشفيات.
الحل يسير: وضع معايير محددة لتعريف السلع الكمالية، والتوقف الفوري عن استيراد المواد البذخية، وفرض ضرائب باهظة على السلع الأقل استفزازا لمشاعر الكادحين.
نظر إليّ ساخروف شذرا وقال: يعني بناتنا ما يجلخوا ولا شنو؟!

(3)
كيف ننتقل من مرحلة الثورة إلى التعمير؟
أجابني ساخروف وهو “يدردم سفة” عملاقة: لماذا تسألُني؟ أي مسؤول في قحت بوسعه تدريسك!

(4)
يوجد أكثر من 50 ألف طبيب كوبي يعلمون خارج بلادهم في 67 دولة، ويدرّون لخزينة الدولة ما يفوق 11 مليار دولار سنويا.
انظر يا رعاك الله هذه المعلومة، ولعلك تتفق معي بضرورة التفكير في صيغة جديدة بخلاف جهاز المغتربين سيء الذكر، واجتراح نظام يشجع المغترب على المساهمة في اقتصاد بلاده –وجميعهم سيسارعون- وفي المقابل يمنح المغتربين، وربما تفوق أعدادهم الثمانية ملايين، حوافز تشجيعية مثلا الإعفاءات الجمركية.. إلخ.
قفز ساخروف قائلا: ياخي الفاضي للكلام الفارغ ده منو؟!

(5)
تخرج علينا دعاوى للكونفدرالية وحق تقرير المصير، وهي دعوات أقل ما تُوصف به السعي لتقسيم البلاد…
لم يتركني ساخروف استرسل، وقاطعني بغضب: ولو حُلّيت بماء الذهب، وصيغت بأحرف من نور، وكُتبت بمداد الماس!

(6)
من المؤسف للغاية أن التقييم العرقي هو المعيار الأول للتصنيف عندما يلتقي السودانيون، وهذه الحقيقة المرة؛ فانطباعنا الأوّلي يعتمد على تصنيف الشخص إلى مجموعة عرقية بعينها وموقفنا نحوها: هم أكفاء لنا في الحسب والنسب، أو يمكن القبول بهم على مضض، أو أدنى منا عنصرا وأرومة.
إذا لم نتجاوز هذه النظرة العنصرية الضيقة؛ في بلد متعدد الأعراق الكريمة، فلا يمكن الحديث عن سلام أو تعايش أو حتى وجود دولة من أساسه.
قرأ ساخروف ثم نظر إليّ بارتياب وقال: بالمناسبة أنت جنسك شنو بالضبط؟!

(7)
في زمن عبوديتنا
كان الجميع يتحدثُ..
وكنّا الأوائل
الذين تجرأنا
من أجل الوطن!
***
نحن الذين
رفعنا لأول مرة
راية التداعي..
نحن الذي أيقظنا
بصراخنا
الوطن من سباته العميق!

أبيات مترجمة من قصيدة “شبيبة شهر مارس” للشاعر المجري العظيم شاندور بتوفي Petőfi Sándor (النص الأصلي أدناه).

A márciusi ifjak

Szolgaságunk idejében
Minden ember csak beszélt,
Mi valánk a legelsők, kik
Tenni mertünk a honért!

Mi emeltük föl először
A cselekvés zászlaját,
Mi riasztók föl zajunkkal
Nagy álmából a hazát!

 

معتصم الحارث الضوّي
26 يناير 2021

 

معتصم الحارث الضوّي

معتصم الحارث الضوّي استشاري مستقل لتقديم الاستشارات في الإعلام والعلاقات العامة. يعمل أيضا (بصفة تطوعية) مديرا للإعلام والعلاقات العامة في المنظمة الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص- لندن، وعضوا في المجلس الاستشاري لقناة نادوس.* مدير الإعلام والعلاقات العامة لدى مركز لندن الدولي لتطبيقات القانون الدولي سابقا. * المدير العام بالإنابة وكبير مقدمي البرامج لدى قناة شبكة الأخبار العربية (ANN) سابقا. * مدير مكتب صحيفة "كل العرب" القاهرية في لندن سابقا. * مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط- شركة (RR Donnelley) الدولية سابقا.عضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب السودانيين. عضو مؤسس والسكرتير الإعلامي سابقا في اتحاد الكتّاب والإعلاميين السودانيين في المملكة المتحدة. عضو مؤسس وسكرتير الإعلام والعلاقات الخارجية في رابطة الصحفيين والإعلاميين السودانيين في المملكة المتحدة وإيرلندا سابقا. مؤسس ومدير جمعية "ثقافة تبحث عن وطن" في بريطانيا منذ سنة 2009.مؤلف 3 كتب، وترجم 5 كتب، كما أشرف على تحرير 14 كتابا. حصل على تكريم سنة 2013 من الاتحاد العربي للإعلام الإلكتروني، وسنة 2009 من منتدى الصحافة العالمية، وسنة 2008 من الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب للتميّز في الترجمة.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..