
واقع مليئ باالامراض والاحقاد والتشاكسات .. الكل ينتظر فرصته للانتقام من الاخر .. صراعات وحروبات اهليه لا نهايه لها .. تكاد تخمد نيران فتنه بين قبيله واخري في اقصي شرق البلاد او غربها حتي تشتعل فتنه من لا شيء .. قبيله تنتصر .. واخري تخسر لتعيد صفوفها وتشحن افرادها بالغبينه والحقد والثار .. ويبقي الاثر في دواخلنا جميعا .. نحن .. مكون الشعب السوداني من هذا الارث البغيض .. امراض نفسيه متازمه في دواخلنا احقاد .. ضغائن .. و كراهيه تعطل شعار السلام والمحبه الذي تغنينا به في ثورتنا المجيده ..
القبليه .. هي سبب الازمات التي لن تنتهي ابدا الا اذا اعترفنا ب (جذور) هذه المشكله وشرعنا في العلاج ..
القبيله .. هذه المتلازمه التاريخيه التي صارت مهددا لاستقرار بلادنا .. وايقونه رجعيتها وتخلفها عن عالم تذوب غيه كل حواجز الدم والعرق واللون .. انتهي الدور التاريخي لحكم البيوتات والاسر المالكه منذ عهود (اللا تكوين ) لانظمه الحكم .. ولم ينتهي الدور السادي الذي يتمحور حول مفهوم القبيله والتعصب والرضوخ الي ثاراتها التي لا تنتهي .. مشكله صغيره بين شخصين .. تتحول في لمح البصر الي كارثه انسانيه تعطل سير الانتاج وتوقف الحياه في مدن باكملها علي رجل واحده .. ابرياء يسقطون لان هنالك افراد قبيله ما في حاله تشنج قبلي تم تعبئتهم لخوض معركه لا فواصل فيها بين ما هو حق او باطل .. حرب القبيله المقدسه التي يجب ان تسفك المزيد من دماء الاخر حتي تنتصر .. وفي اليوم التالي نشهد نصرا جديدا تسفك فيه دماء القبيله التي انتصرت بالامس .. وهكذا .. يتوالي مسلسل الكارثه والماساه علي وطن مستباح باسم القبيله ..
نحن من يصنع هذا التمثال ..تمثال القبيله .. ونعبده ونقدسه وبه نستعين علي الحق او الباطل
والنتيجه .. ازمه اجتماعيه تهتك نسيج اجتماعي هش وغير متجانس ولا يقبل بالاندماج مع الاخر .. سياسه (الفرقان) جمع فريق والمجتمعات المنغلقه علي نفسها .. متمثله في عقليه القطيع المتواراثه . . ورثنا فريق اولاد فلان .. وورثنا خطه اسكانيه تم تصميمها علي اساس عرقي بحت . . حي الشوايقه .. حي الضناقله .. حي النوبه .. حي الفلاته .. وتمتد السلسله لتشمل جميع القبائل بلا استثناء …. هذا الانغلاق .. عامل اساس في اشتعال فتيل الحروبات الاهليه .. لاتفه الاشياء يجد افراد القبيله انفسهم (عصابه) جاهزه .. للانقضاض .. بدايه بمن ساقه حظه التعيس ليكون جوارا الي قبيله لا ينتمي لها .. انتهاء بالمعركه الكبري في معقل القبيله الاخري .. وبعيدا عن النظره العاطفيه للقبيله ودورها في المحافظه علي الارث والتقاليد .. نجد ان مفهوم القبيله قد كرث للكثير جدا من النزاعات والحروبات الاهليه التي تتجدد كل يوم .. القبيله باثتثناء دورها الايجابي (المحدود) جدا ، نجد انها ظلت تتمحور في دورها الاكبر والذي هو بمثابه (حاضنه) اجتماعيه تفرخت منها كل حروباتنا الاهليه وبالكاد لا يخلو نزاع من عنصر القبيله .. وما لم يتم تذويب هذه (الحدود) الاثنيه التي للاسف لم يجني منها مجتمعنا الا المزيد من العنصريه والفتن والبطولات المزيفه .. ستبقي الحروبات الاهليه .. وستبقي القبيله بمثابه (مافيا) لصناعه واعاده تدوير( لمليشيات ) الحرب والدم والقتل الرخيص .. ولا استبعد ابدا ان يصل بنا الحال يوما الي اعاده انتاج واستنساخ تجارب العصر الجاهلي لحكم القبائل والمليشيات المهياه بالسلاح وعتاد الحرب ..
للاسف حتي احزابنا السياسيه .. قديمها وحديثها .. يتمحور بناءها التنظيمي حول هذا المفهوم .. امتدادا الي عمق مؤسسات الدوله نفسها والتي تلعب الاجنده الخفيه لعنصر القبيله دورا ومعيارا غير معلن عنه ولكنه يظل واقعا تتحمس له عقليه صناع الخدمه المدنيه والعسكريه علي حد سواء .. يجب ان نرفض هذا الامر وان لا نبني مصائرنا علي اطار قبلي محدود حتي لا نجد انفسنا في سلسله غير منتهيه من المجازر والحروبات الاهليه .. او ضحايا لواقع جديد لجاهليه هوجاء لا نزال نتوارثها ونؤطر ونقنن لها انظمه الحكم .. ناظر .. عمده .. شيخ .. وغيرها من سلطات القبيله الرجعيه .. وللاسف .. فان ما اسهمت فيه هذه السلطات العشائريه من فتن اكثر بكثير جدا من ما قدمته من حلول لما جنته باياديها الملطخه باعتداءات عصابات القبيله التي تديرها ..
وباثتثناء الدور التاريخي الايجابي والمحدود الذي لعبته الاداره الاهليه في حقب الاستعمار كسلطات فعليه قابضه لها سلطانها علي قبيلتها .. الا ان هذا الدور التاريخي انحصر في اطار افراد القبيله الواحده .. في تقديم العداله (الحصريه ) لافراد القبيله دون غيرهم .. ويجب ان لا يكون باي حال من الاحوال مثالا فخورا نخلده في صفحات تاريخنا المجيد
ان نموذج القبيله الان بات من اكبر معيقات تقدم الشعوب. في حضره عالم تذوب فيه المكونات الاجتماعيه في اطار اسره دوليه واحده يتساوي فيها الجميع بميثاق انساني لا يميز عرق علي اخر وبالتالي فقد حان الاوان لنتخلص من هذا الارث المرهق الذي يعتبر اكبر مهدد للاستقرار والامن في بلادنا .. ليكن هذا التعدد اثراء ولكن بعد ان يتم تذويبه بصوره متجانسه داخل المجتمع حتي نتخلص من سلبيات النوع (النقي) الذي نلاحظه في تزاوجنا وصداقاتنا وعداواتنا وشربنا لصفو الماء دون الاخرين ..
انها دعوه للباحثين في هذا الشان لوضع دراسات تساهم وتساعد في (تفكيك) عقليه المنظومه القبليه التي اقعدت تقدم امتنا .. بدلا عن التغني والافتخار زيفا بامجاد ارث هش لا تزال دراساتنا الاجتماعيه تحاول ابرازه كمثال ايجابي يهتدي به .
الزبير إبراهيم الكبور
[email protected]