مقالات وآراء سياسية

تحرير “سوق”.. عبودية أُمَّة!!!

علي يس

  • حين تُتنج بقرة الفلاح لبناً أكثر مما تُنتِجُهُ بقرة الحكومة ، فإن ذلك لا يعني أن الفلاَّح ناجِحٌ ، بقدر ما يعني – في الحقيقة – أنَّ “الحكومة” فاشلة ، لا أكثر..
  • وحين تؤمنُ الحكومة – أيَّة حكومة – بأن بقرة الفلاح أفضلُ إنتاجاً من بقرتها، فإن التصرُّف الحكيم تجاه هذه القناعة لا يكونُ بأن تتنازل الحكومة عن جميع أبقارها للفلاحين ، بل التصرُّفُ المسؤولُ والحكيم ، والذي يليقُ بحكومةٍ تحترم نفسها ، هُو أن تبحث عن السبب الذي يجعلُ أبقارها عجافاً كسولة ، مع أن حظيرة الحكومة أفخم من جميع حظائر الفلاحين ، وأعلاف الحكومة أغنى وأدسم من أعلاف الفلاحين ، ولأبقار الحكومة ما لا يتيسَّرُ لأبقار الفلاحين من رعاية طبية ونظافة وبيئة !! ..
  • ولكن حكومتنا الراهنة – مثلها مثل حكومة لصوص المؤتمر الوطني الهالكة – ظلَّت تأخُذُ هذه الفرضيَّة غير المدروسة جيِّداً – فرضيّة أن بقرة الفلاح أكثر إنتاجاً – كما تؤخذُ أيَّة حقيقة قَدَرِيَّة ، لا سبيل إلى دحضها ولا حيلة في مواجهتها ، فتنتهجُ إزاءها نهجاً كسولاً مجرَّداً من الغيرة ومن المسؤولية ، تمثَّلَ في التنازُل عن جميع أبقارها لفلاَّحين معظمهم أجانب ، تحت شعار “تشجيع الاستثمار”.. وهي تنسى أنَّها ، وهي تفعلُ ذلك ، تتنازلُ عن الكثير من واجباتها كحكومة ، لصالح حاكمٍ لا دين لهُ ولا أخلاق ولا قيم ، سوى قيمةٍ واحدة تُمثِّلُ كلَّ مُبَرِّراتِ وجودِه ، هي قيمةٌ اسمُها : الربح !!
  • المُشكلةُ الحقيقيَّة هي أنّ حكومتُنا تنسى ، وهي تنهجُ في سياساتها التحريرية نهجاً لا يليقُ إلاَّ بالمجتمعات الموغلة في الرأسمالية ، تنسى أن تأريخ رأس المال في البلد الذي تحكمهُ هو تاريخٌ فقيرٌ سياسيَّاً .. ورأس المال إن لم يؤسَّس على ضوابط سياسيَّة – ولا أقول أخلاقيَّة لأنه ليس لرأس المال أخلاق –  وقيمٍ وطنِيَّة مُتعارَف عليها و مرصودة من قبل مؤسسات مُنشأةٍ خصيصاً لغرض رقابة رأس المال وضبط انحرافاته “الوطنية” ، إن لم يؤسس رأس المال على أمثال هذا التاريخ وهذه الضوابط ، فإنَّهُ حين تُوكلُ إليه مسؤوليَّة القرار الاقتصادي في بلدٍ ما ، يكون من أعظم بوابات اختراق القرار الوطني ، ويكونُ ، أيضاً ، باباً عريضاً من أبواب الفساد وتشجيعه على مختلف مستويات السلطة ..
  • إن مصطلح “الرأسماليَّة الوطنيَّة” لم ينشأ إلا للتعبير عن قيمةٍ محفوظةٍ من قيم المجتمعات الرأسماليَّة ، هي القيمةِ الوحيدة التي لا يُمكنُ ، في أي مجتمع من مجتمعات المعسكر الرأسمالي ، المساومة عليها أو تجاوزها .. ليس مطلوباً من رأس المال ، في بريطانيا مثلاً ، أو أمريكا ، أن يكون شجاعاً ، أو أن يكون أميناً ، أو أن يكون عادلاً ، أو أن يكون ورعاً تقيَّاً ، أو أن يكون فقيهاً في أبواب الحلال والحرام .. ليس مطلوباً منه التحلِّي بأية صفةٍ أخلاقيَّة أو دينيَّة سوى صفةٍ واحدة : الوطنيَّة !! ولم يأتِ الحرص على هذه القيمة الوحيدة إلا بسبب أن رأس المال هو (الحكومة) الحقيقيَّة ، في أيِّ بلدٍ رأسمالي ، وأنَّ انحرافهُ وطنيَّاً يعني ضياع البلد ورهن قراره  للأجنبي ..
  • هذا ، ولابُدَّ من ملاحظة أنَّ الحرِّيَّات الاقتصاديَّة المتاحة في بلدان المعسكر الرأسمالي ، لا تُتاحُ لرأس المال الأجنبي أو الوافد ، إلاَّ بشروط صارمة ، أهمُّها الولاءُ السياسي المطلق للبلد الذي يعملُ فيه ، ليس ولاءً شفهيَّاً ، بل ولاءً  خاضعاً لرقابةٍ  لصيقةٍ وأمينة ، تجعل ُمن أدنى هفوةٍ ، مهما اجتُهِدَ في إخفائها ،  فضيحةً تلهجُ بذكرها مانشيتات الصحافة ، وقبل الولاء السياسي ، لابُدَّ من معرفتهم ، معرفة موقنة ، كل ما يتعلق برأس المال الوافد هذا ، تاريخه ، مصادرهُ ، جذوره ، والتأكد من أن حائزهُ هو مالكهُ الحقيقي وليس واجهةً لمالك مجهول .. أما رأس المال الوطني عندهُم ، فإنَّهُ لا يتم التعامُل معهُ بهذه الصفة ما لم يكُن معروف الجذور والتاريخ ، ليست هنالك فرصة لمليارديرات “الفجاءة” كما هو الحالُ عندنا ، إلا إذا هُم عرفوا مصادر أموالهم ، واستوثقوا من نظافتها !!
  • قارن يا شيخ ، أرشدك الله إلى الصواب ، بين هذا ، وبين رأسماليَّةٍ عندنا ، يختلف حتّى عوامُّ الناسُ ، منذُ ظهورها ، على مصادر أموالها  و ما يزالون مختلفين !! ثم انظُر إلى نتائج “خصخصةٍ” تفتَحُ أبوابها لأموالٍ أجنبيَّة لا نكادُ نعرِفُ حتّى مالكيها الحقيقيِّين (فليس كلُّ من يحمِلُ مالاً ،هو – بالضرورة – مالكهُ الحقيقي!)، ولم نخضعهم لأيَّة ضوابط ، لأنَّنا نفتقر إلى هذه الضوابط ابتداءً ، حتى مع رأس مالنا الوطني !! وتأمَّل مآلات مشروعاتٍ استراتيجيَّةٍ نقوم بخصخصتها وبيعها لرأسمالٍ – أجنبيَّاً كان أو وطنيَّاً – لا نستطيع ، ولا نملك ، آليات إلزامه بأيَّة قيم أو استراتيجيات وطنيَّة ، ولا  نتوفَّرُ ، أصلاً ، على تقاليد راسخةٍ في هذا الشأن !!(ولا تقل لي ، يا مولانا ، أن لوزارة الاستثمار ضوابطها و شروطها في شأن المستثمرين الأجانب ، لأنها تظلُّ حبراً على ورق ، ما لم تتيسَّر أليات الرقابة الصارمة ، التي تبلُغ صرامتها ودقَّتها وسرِّيَّتها ، في البلدان الرأسمالية الحقَّة ، صرامة ودقَّة العمل الاستخباري!!)..
  • كان ، وسوف يظلُّ الخيار الأفضل لحكومتنا ، أن ترعى أبقارها بمعرفتها ، حتّى ولو أنتجت نصف إنتاج أبقار الفلاح ، وأن تجتهد ، مع ذلك، في معرفة ذلك السر الذي يخبِّئهُ عنها الفلاحون  ، والذي يجعل لأبقارهم إنتاجاً أفضل وأوفر!!!.                                                                                                                                    المواكب

تعليق واحد

  1. فعلا كلامك جميل …
    ناسنا ( البدوي وحمدوك وهبة … وقبلهم وزراء مالية الكيزان بى صمتهم ) ناس تجم زي العميان المسكوهو عصاة . وما يعرف انو العصاية دي بس علشان توديك لى دربهم هم طائع مختار .
    قوانين وموجهات موجودة في اضابير بنوكهم .. وناسنا بدل ما يستعملوا الحكمة بس جارين وراء التقليد وفي التقليد تقليد بليد واعمى …
    ما فاهمين البريكست دي معناها شنو ؟ … هي عودة للرأسمالي “الوطني” .. ولو كانت بلعبة سياسية .
    والشغل اللي تعب فيهو ترامب وخربتو ليهو الكرونا برضو ماهو الا عودة للوطني وشعارو “امريكا اولا ” ..
    بس جماعتنا مخدوعين بالليبرالية بالرغم من انها اثبتت فشلها خاصة بعد 2008 ودا حتى بالنسبة للدول دي زي امريكا وبريطانيا ورجعوا تاني للحماية والتعريفة ..
    بس”الديك” دا يفهم البفهمو شنو ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..