معيشة “صعبة” في السودان.. والشعب ينتظر فرصة “التشكيل الوزاري”

قرابة العامين مرا على الإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق ، عمر البشير، ولا يزال الشعب ينتظر التغيير في وقت تزداد فيه الظروف سوءا، فيما تتجه الأنظار، بعد اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر الماضي، إلى التشكيل الوزاري الجديد، الذي طال انتظاره فيما تحاك تفاصيله الأخيرة خلف أبواب مؤصدة.
فهل تكون الحكومة المرتقبة بمثابة طوق نجاة للسودانيين الذين عانوا الأمرين؟
مصدر مطلع قال لـ “موقع الحرة” إن التشكيل الوزاري سيعلن “الأسبوع المقبل” بعد توصل أطراف السلام، مساء الأربعاء، إلى اتفاق بشأن الحصص الحكومية التي اقترحتها الوساطة في جنوب السودان.
عقود من العزلة
السودان في عهد البشير ظل عانى 30 عاما من العزلة السياسية والاقتصادية، بعد وضعه على قائمة العقوبات الأميركية منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب سجله السيء في مجال الإرهاب وحقوق الإنسان.
وبعد إسقاط النظام في 11 أبريل 2018، بسبب رفع أسعار الخبز، باتت البلاد محكومة بفترة انتقالية بموجب وثيقة دستورية، وقعت في أغسطس 2019، نصت على مشاركة عسكرية، ومدنية من التكنوقراط تم اختيارهم بإيعاز من قوى الحرية والتغيير التي قادت التظاهرات، وهي بمثابة حاضنة سياسية للشق المدني من الحكومة الانتقالية.
ورعم أن الحكومة الانتقالية حققت إنجازات سياسية بالخروج من قائمة الإرهاب والانضمام لعدد من الاتفاقيات الدولية، التي تحسن صورة البلاد أمام المجتمع الدولي، إلا أن السودايين لم يشعروا بأي تحسن في ظروفهم المعيشية، من حيث تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
وذكرت تقارير صحفية أن قيمة الدولار تعدت عتبة 300 جنيه، في حين أنه كان في حدود الأربعين جنيها، عند الإطاحة بنظام البشير.
“شفا حفرة من الضياع”
“حال السودان اليوم يغني عن سؤاله.. البلد على شفا حفرة من الضياع.. الوضع أبعد بكثير مما رسمه فرسان ثورة 18 ديسمبر لمستقبل بلادهم الجديد، لقد ضحوا بالغالي والنفيس من أجل التغيير، لكن للأسف الوضع أسوا بكثير مما كان عليه في عهد البشير” يقول الناشط السوداني، عثمان علي، لـ”موقع الحرة”.
وبحسب أرقام حكومية، يعيش نحو 65 في المئة من السودانيين، البالغ عددهم 42 مليون نسمة، تحت خط الفقر.
“أفضل نسبيا”
المحلل والخبير السوداني في الشؤون الاستراتيجية، عدلان عبد العزيز، قال إن فكرة التكنوقراط كانت “فكرة سيئة حذرت منها بعد التجربة السالبة لسر الختم الخليفة بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤، واختيار الجزولي دفع الله بعد انتفاضة أبريل ١٩٨٥ كرئيسي وزراء للفترة الانتقالية”.
وأضاف لـ “موقع الحرة” إنه “للأسف هناك تشرذم في قوى الحرية والتغيير، ومضيها في طريق الشقاق والاختلاف سينتج حكومة ضعيفة القاعدة الاجتماعية والجماهيرية. ولكن ستكون أفضل نسبيا من حكومة تكنوقراط. لكن إصلاح الوضع لن يتم بدون الرجوع الدائم للسياسات البديلة التي تم الاتفاق عليها داخل الحرية والتغيير”.
يشار إلى أن التشكيل الوزاري الجديد كان من المفترض أن يرى النور منذ فترة، لكنه تأجل مرارا بسبب خلافات داخل المكون المدني، وكذلك الجبهة الثورية، المظلة التي تضم عددا من الحركات المسلحة، بحسب عدة تقارير.
وقال الناشط عثمان علي إنه “إذا استمرت المحاصصات والمحسوبية والترضيات وعدم الشفافية من قبل الشق المدني بالحكومة الانتقالية، لا أتوقع أن تكون هناك نتائج إيجابية”.
يشار إلى أن عهد الحكومة الانتقالية شهد مواكب احتجاجية عديدة، بعضها قمع بعنف، رغم أن هدفها المعلن كان “تصحيح مسار الثورة”.
ويقول القيادي في قوى الحرية والتغيير، محمد الأمين عبد العزيز، لـ “موقع الحرة” إن هناك “انفراجا” بشأن التشكيل الوزاري ، و”نحن متفائلون”، متوقعا “تحسن الأوضاع الاقتصادية خلال الأسابيع لقادمة”. وأضاف أن “كل المؤشرات تدل بأن “انفراجا سيحدث بعد شهر أو خلال الشهرين المقبلين في الوضع المالي بالسودان، بعد تدفق النقد الأجنبي” إلى البلاد.
مصدر مطلع بالحكومة السودانية قال لـ “موقع الحرة”، الجمعة، إن “الأزمات التي يشهدها السودان الآن مختلقة”.
وأضاف أن “الحكومة المقبلة إذا اتخذت سياسات فاعلة لإدارة الموارد بشكل جيد واستراتيجي، فإن السودان خلال فترة وجيزة سيشهد انفراجا”.
وأضح أن السودان سيحصل خلال الأشهر الثلاثة القادمة على “مساعدات ضخمة”.
وكان عضو مجلس السيادة السوداني الفريق أول، شمس الدين الكباشي، قد أقر بأن الأوضاع الاقتصادية في البلاد “سيئة وأن الثورة لم تحدث تغييرا”.
“الفرصة الأخيرة”
وبعد توصل الحكومة الانتقالية إلى اتفاق سلام في جوبا مع الحركات المسلحة في أكتوبر الماضي، من المقرر تشكيل حكومة جديدة ينتظرها كثيرون بلهف “لانتشال البلاد من الضياع”، كما يقول الناشط محمد علي.
وحذر علي من أن التشكيل الوزاري القادم سيكون بمثابة الفرصة الأخيرة ” فالشعب في رمقه الأخير، وإذا الحكاية فاتت الحد ستسقطهم، مثلما أسقطنا البشير..نحتاج رجلا مدنيا وطنيا منقذا يعمل للبلد، وسندعمه بدمائنا”.
ويرى خبراء أن التشكيل الوزاري القادم في السودان “لن ينتشل البلاد من أزماتها من دون استقرار سياسي وإصلاح ديمقراطي، يكفل إقناع المستثمرين، ويشمل بالأساس تعيين المجلس التشريعي، ومنحه الصلاحيات الكفيلة بالرقابة على الجهاز التنفيذي، وتحجيم نفوذ الحركات المسلحة”.
الحرة