مقالات وآراء

كان بدري عليك بروف مهدي أمين التوم

بروف مهدي (قسم الجغرافيا) أحد أعلام الجامعة ومرجعياتها الذي ترجل طوعاً وهو في قمة عطائه.

سنة الحياة اقتضت أن يتبادل اللقاء والفراق الأدوار إلى أن يأتي فراق لا لقاء بعده إلا في الدار الآخرة. جامعة الخرطوم جمعتنا بأساتذة تلقينا على أيديهم العلم والمعرفة ثم أصبحنا زملاء لهم لاحقاً، نكن لهم كل التقدير والوفاء وفي تبادل للأدوار جمعتنا في رحاب الوظيفة بطلاب تلقوا العلم على أيدينا، كما جمعتنا الجامعة بأشخاص ما كان يمكن اللقاء بهم لولا رحابتها وإتاحتها الفرصة عبر لجانها مجالسها المختلفة.

بروف مهدي أمين التوم من الشخصيات البارزة والمعروفة لدى أفراد الأسرة الجامعية. إلتقيته أول مرة قبل سنوات مضت في إحدى جلسات مجلس الأساتذة الشهرية عندما تناول أحد مواضيع النقاش بجرأة ووضوح وبثقة تامة. إلتفت خلفي للتأكد من ذلك الشخص المتحدث ومنذ تلك اللحظة قلت (دا زولي).

اتصلت به بعد ذلك الاجتماع وعرفته بنفسي منذ ذلك اللقاء ربطتني به مودة ومعزة وتقدير متبادل وعلى الرغم من الفوارق العلمية والعمرية إلا أن ما بيننا يرقى لمستوى الصداقة. في جريدة السوداني عدد الثلاثاء بتاريخ 18 /7 /2012 سطر بروف مهدي كلمات معبرة ودع بها جامعة الخرطوم حيث أنه بمطلع يونيو 2006 أكمل 65 عاماً (ما شاء الله تبارك الله) وأنهى بطوعه وإرادته خدمنه الوظيفية بالجامعة (الطود الشامخ والجميلة المستحيلة) كما سماه بروف مهدي.

قضى بروف مهدي في رحاب الجامعة ما يزيد عن ال 40 عاماً. لقد كانت مسيرة زاخرة بالتجارب والتفاعلات والإمتاع العلمي والفكري. خلال هذه المسيرة الظافرة ساهم بروف مهدي مع آخرين في تدريب وتأهيل أجيال وكانت له مساهمات علمية مميزة في مجال التخصص وفي مجالات أخرى كما كانت له مواقف مشهودة.

حمل بروف مهدي مع أبناء جيله مشعل العلم وأثروا قاعات الدرس ومجالس العلم والمعرفة بعد أن نالوا أعلى الرتب العلمية من أم الجامعات السودانية وأعطوا الجامعة شهرتها ومكانتها التي تتمتع بها الآن.

أخي مهدي (حافة كده) إن العطاء البشري (وأنت سيد العارفين) ليس له عمر محدد ينقطع عنده ولقد كان عطاؤك، بشهادة الجميع، ثراً ومميزاً وتعلمت منك الأجيال التي حظيت بتدريسك أو بتدريبك لها أو إشرافك عليها أو حتى التعامل معك وتعلمت منك الانضباط والإخلاص والتفاني والجرأة. ولقد كنت صوتاً للحق كما كونت سوطاً على الباطل.

ترجلت أيها الفارس المغوار وأنت ما زلت قادراً على العطاء لسنوات مقبلة. تنحيت طوعاً وكثر من المواقف تأمل في مساهمتك ودعمك. يفتقدك زملاؤك وهم يناضلون من أجل الحصول على حقوقهم وكنت أحد الأمناء في الدفاع عنها في المجالس التي مثلت فيها الأساتذة، كما يفتقدك الأساتذة وهم يصارعون الأمواج لأجل الحصول على شرعية نقابتهم الوليدة. لن يفتقدك (الكاشف) وحده وإنما نتحسر جميعنا لمغادرتك الجامعة في هذه الظروف بالذات وحتماً سيذكرك الأساتذة إذا جد جدهم ويفتقدونك في ظلماتهم لأنك كنت بدراً ساطعاً بينهم.

كان يحلو للمقربين منك مناداتك بالزعيم ابن الزعيم وقد كنت كذلك مثلما كان الوالد أمين التوم عليه رحمة الله زعيماً في عصره. نعلم أن صلتك بالجامعة لن تنقطع تماماً وستظل مرتبطاً بها وجدانياً وروحياً،فنسأل الله أن يحفظك وأن يديم عليك نعمتي الصحة والعافية وتأكد تمتماً أخي بروف مهدي بأنك لم تترك مجالاً للتاريخ ليحكم عليك وليس أمامه إلا أن يحكم لك إنصافاً لمواقفك ولمساهماتك العلمية المميزة ولغيرتك وإخلاصك الكبير للجامعة. أخي مهدي ستظل معنا وسنظل معك ولا نقول لك وداعاً وإنما نقول لك : “كان بدري عليك”.

د. بشير محمد آدم عبدالله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..