مقالات وآراء سياسية

التفريق بين القبيلة والقبلية

د. فاروق أحمد أدم

تتكون القبيلة من الأسر والأفخاذ وخشوم البيوت، والرابط الذي يجمع بين أفراد القبيلة هو العنصر الإثني والعرقي مما يجعل القبيلة مدخراً للقيم الإجتماعية والإنسانية النبيلة التي تجمعها مع القبائل الأخرى لتكون المجتمع الكبير، وقد خلق الله سبحانه وتعالى القبائل لتتعارف وتتعاون لتحقيق التعايش والإستقرار. وبما أن المجتمعات هي أسبق من الدول فإن القبائل هي كذلك أسبق علي التكوينات الحزبية وتختلف عنها من حيث المفهوم والبنية والمقاصد.

فالإنتماء للحزب يتم طوعاً وإختياراً علي حسب قناعة الفرد الشخصية بمبادئ وأهداف الحزب، أما الإنتماء للقبيلة فهو أمر لا خيار فيه، ومن هنا تأتي أهمية التفريق بين القبيلة من حيث الإنتماء والحقوق والواجبات، وكذلك ينبغي التفريق بين دور القيادة الطبيعية للقبيلة التي تتم بالتوافق والتراضي مما يحتم عليها أن تقف بعيداً عن الإنتماء الحزبي لتمثل جميع أفراد القبيلة الذين بطبيعة الحال يتوزعون في مختلف الأحزاب، والقيادة الحزبية التي تتم بالإنتخاب من قبل عضوية الحزب. هذا الوضع يقود تلقائياً إلي جعل الإدارة الأهلية كشأن الفئات الوطنية الأخرى التي لا يجوز لها الإنخراط في المناشط الحزبية كالقضاة والمستشارين القانونين ومنسوبى الأجهزة العسكرية. وبهذا الترتيب يظل زعيم الإدارة الأهلية بعيداً عن مظان التنازع والإختلاف الحزبي ويكون مقبولاً لجميع أفراد القبيلة ويحظى بالإحترام والتقدير.

أما القبلية فهي محاولة إخراج القبيلة من سياقها ونسقها الإجتماعي والوطني والإنساني من خلال تدخل الأحزاب والأجهزة الرسمية لإستقطاب زعماء الإدارة الأهلية والدفع بمنسوبيهم إلي مهرجانات “البيعات” الجماعية لحزب أوسلطة مما يؤدي إلي “تسييس” القبيلة سواء بالترغيب أو الترهيب، وإذا عارضت بعض المجموعات هذا النهج فإنها ستقابل بالتضييق والإقصاء، فيكون رد فعلهم هو البحث عن المناصرين لمواقفهم داخل القبيلة المعنية الأمر الذي سيقود تلقائياً إلي الصراع والتنافس الحاد في أوساط القبيلة. هذا النهج بطبعه سيقود إلي تمزيق القبيلة إلي أسر وأفخاذ وخشوم بيوت وتعود القبيلة القهقرى إلي مكوناتها الأولية فتتحقق نظرية “فرق تسد” الإستعمارية التي تراهن علي تقسيم المقسم وتجزأة المجزأ، ونحن لا نحتاج إلي إيراد الأمثلة لأنها ظاهرة للعيان.

ودعاة التجزئة والتقسيم هؤلاء لا يكتفون بذلك وإنما يلجأون إلي “تجييش” القبائل الممزقة أصلاً ثم سوقها سوقاً إلي المواجهات البينية داخل القبيلة والمواجهات مع القبائل الأخرى لينفرد المركز بالسلطة مسيطراً علي مقاليد البلاد ومصائر العباد.

ولكي يتحقق السلام الإجتماعي وتمكين المجتمعات من الإنخراط في الحوار الشعبي الجامع والوصول إلي الدستور الدائم فيجب التفريق بين القبلية والقبيلة في النهج والمفهوم والممارسات والمقاصد الكلية، وأن يتواصى الجميع علي إصدار القوانين التي تعالج الشأن القبلي من جهة والشأن الحزبي من جهة أخرى حتى لا تطغى الروح القبلية علي الحزبية ولا التدافع الحزبي علي الشأن القبلي وبذلك وحده ستتمكن القبيلة من القيام بدورها في جو معافى بعيداً عن التنافس والصراع الحزبي وهي التجربة التي تكاد تعصف بالإستقرار المجتمعي والتوافق الوطني في أحوال البلاد الراهنة.

د. فاروق أحمد أدم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..