
هل العقل السوداني عصي على التغيير والتطور؟ أم إن الموروثات التاريخية والدينية وبنية العقل تحول دون المعاصرة والتغيير للأفضل، هل تحتاج بنية العقل السوداني إلى التفكيك وإعادة بناء من جديد ؟، وأخص بالحديث هنا العقلية السياسية السودانية التي تحتاج دائماً إلى من يدلها على الطريق الذي يجب أن تسير فيه، وكثيراً ما تكون الأفكار والحلول والخطط مشوهة ومستجلبة من الخارج وبمرور الوقت تتحول إلى حُكم استبدادي ذو واجهة براقة مثل (حكم عسكري ذو واجهة مدنية) كما حدث في بعض البلدان وأقربهم إلينا جمهورية مصر العربية.
هنالك شعوب ودول أفريقية وأسيوية كنا نرى ومنذ عقود طويلة تفوقنا وتقدمنا عليها في العديد من الأصعدة وكانت خلفنا على مستوى التطور بعقود طويلة، باتت الآن تسجل معدلات نمو سريعة في مجالات عديدة خاصة في الناحية الاقتصادية، ولازال السودان يعاني في تثبيت أركان الاقتصاد أو في محاولات وضع أساس سليم يرتكز عليه لحدوث نمو اقتصادي.
الواقع السوداني متأزم وكل محاولات الإصلاح وتوحيد الجهود تبوء بالفشل و القوى السياسية السودانية و التي من أبرزها قوى إعلان الحرية و التغيير و الذي يمثل الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية و بقية الأحزاب و حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاق جوبا للسلام و غيرها من الحركات، كل هذه الكيانات في حالة انقسام و بذلك نجد ان الحكومة غير قادرة على الحكم وعلى إدارة أزمات البلاد و أيضا الحاضنة و بقية الأحزاب و حركات الكفاح المسلح غير قادرين على تقديم الحلول لإدارة هذه الأزمات أو خلق حالة توازن بأفكار جيدة و فاعلة.
هذه الحالة من الضعف تبين أن القوى السياسية تحتاج إلى معالجات داخلية اولاً، لحل ازماتها الذاتية لتحديد أفكارها وهياكلها وقياداتها ومن ثم قد تكون قادرة على تقديم تجربة إصلاحية منتجة تنفع السودان.
السودان حُكِمْ بسبعة دساتير وجرت فيه ستة انتخابات وخضع لثلاثة أنظمة حكم مدنية وثلاثة أنظمة حكم عسكرية وأربع فترات انتقالية، جميعها لم تفلح في وضع السودان في المسار الصحيح، كما عانى السودان من ثلاثة حروب أهلية، وتم توقيع سبعة اتفاقيات سلام، وحتى الآن لاتزال القوى السياسية جامدة ولم تتعلم بعد ولم تغير في طرق تفكيرها أو طرق إيجاد الحلول لمكلة السودان، أو الوصول للمعادلة المثالية لجلب السلام المستدام وتحقيق التنمية والاستقرار.
السؤال الذي يدور في الأذهان لماذا على الرغم من الحوارات على مدى عقود والاتفاقيات التي وقعت والتفاهمات التي تم التوصل إليها والتي تضمن البعض منها حلول واقعية تصلح لإنتاج واقع سياسي سليم وفعال لم تحقق النتيجة المرجوة؟
بالتأكيد لا نريد قطع الأمل عن نفوس السودانيين واليأس من أمكانية التغيير إلى الأفضل، وذلك لإيماننا بأن دوام الحال من المحال ولابد للسودانيين أن يتغلبوا على مشاكلهم يوماً ما، لكن التساؤل فرضه تأزم الوضع العام في كافة النواحي، مما دفعنا إلى التفكير بصوت عالي عسى أن يصل إلى من يمكنه إحداث التغيير المطلوب….
.
.
محمد عثمان
[email protected]