مقالات وآراء

التفريق بين الثورة والإنتفاضة

 د. فاروق أحمد أدم

الإنتفاضة هي هبة شعبية سلمية ضد نظام عسكري إستبدادي يتضامن معها الجيش فتؤدي إلى تغيير نظام الحكم كما حدث في أكتوبر وأبريل. أما الدولة بمؤسساتها والقواعد التي بنيت عليها من قناعات وعلاقات ونظم فتبقى كما هي دون تغيير يذكر، وبالتالي يكون جوهر الانتفاضة هو تغيير نظام بنظام دون فارق بينهم في المضامنين والمفاهيم، ولهدا وغيره من الأسباب لا تلبث الفترة الانتقالية بإمتدادها الانتخابي أن تتهاوى ويحل محلها نظام عسكري مرة أخرى.

إما ثورة ديسمبر 2019م فهي تتطابق مع الانتفاضتين السابقتين والفارق الأساس هو أن ثورة ديسمبر قد إتسمت بمشاركة واسطة للشباب والشابات ، وشملت كل الأقاليم وليست العاصمة، بجانب طرحها لشعارات الحرية والعدالة والسلام كقضايا أساسية ومحورية تمثل جوهر حراك ثورة ديسمبر خلافاً لإنتفاضة أكتوبر وأبريل اللتين إكتفتا بإلاعلان السياسي الفضفاض.

أما الثورة فهي أيضاً هبة شعبية عارمة تنحاز إليها القوى العسكرية، والفرق بينها والانتفاضة هي أن مكونات الشعب المدنية والعسكرية تكون قد تسلحت  بقيم الثورة المتمثلة في ضرورة تغيير المناهج والبرامج والآليات، وبالتالي الثورة هي حالة تغيير جذري للمشروع السياسي للنظام وبنية مؤسسات الدولة ومرتكزاتها وإبدالها بمشروع وطني لتحقيق مهام وأهداف الثورة وتخاطب جذور الأزمة الوطنية ومن بينها:
1.      الحرية.
2.      العدالة الاجتماعية والاقتصادية الشاملة.
3.      المشروع القومي النهضوي الذي يؤسس للإصلاح الشامل وإعادة هيكلة الدولة.
4.      الدستور الدائم.
5.      إجراء الانتخابات العامة والتحول من فترة الإنتقال إلى الشرعية الدستورية.

وإنطلاقاً من هذه المهام التأسيسية فإن ثورة ديسمبر 2019م، مازال أمامها مشوار طويل لإنجاز مهامها فهذا يتطلب من الشعب حماية الثورة والحفاظ على زخم الشارع وأن يبقيه يقظاً ومتأهباً لحماية الثورة أولاً والدفع بها نحو استكمال مهامها ثانياً، من خلال إنخراط الشعب في تنظيم صفوفه للمساهمة في تحقيق أهداف الثورة ثالثاً، والتأهب للانتخابات العامة بعد إستيفاء موجباتها والتأكد من أنها ستجري في مناخ معافى وأن تكون حرة وشفافة رابعاً.

من خلال الإلتزام بهذه الخطوات فإن ثورة ديسمبر ستبقى حية متقدة حتى تبلغ غايتها ، أما المهددات التي تلوح من هنا وهناك فإنها مهما تتعاظم فلن تجرؤ على مصادمة الشارع، ولن تقوى على معاداة الثورة وشعاراتها، وأن الإخفاقات البائنة لأجهزة فترة الإنتقال هي محصلة طبيعية للأخطاء المنهجية التي لازمت الوثائق الأساسية وتشكيل الأجهزة التي قامت علي المحاصصات بدل الكفاءات، وكذا مشروع السلام الذي إفتقر للمنهجية والرؤية القومية المؤهلة لصناعة السلام الشامل. هذا الإخفاق ينبغي أن يشكل حافزاً جديداً ورافعاً قوياً لقوى الثورة للعمل لتجاوز حالة العجز والإخفاق الذي لازم أجهزة الفترة الإنتقالية والعمل بكل جد لإصلاح الإعوجاج وطرح البدائل القومية التي تؤمن الثورة وأهدافها، وتحقق الإرادة الشعبية لتتفاعل مع خريطة الطريق التي تطرحها هذه الأطروحة لمخاطبة جذور الأزمة السودانية ومن ثم إستنباط الأسس التي تحقق إعادة تأسيس وبناء السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..