مقالات وآراء سياسية

هل السودانيون على استعداد لممارسة الديمقراطية ؟ (1-1)

خالدة ودالمدني الأمين

ربما يدور بخلد كثيرين مثلي ذات السؤال، وعادة نسمع او نقرأ مثل هذه الجمل وهي تُبث بعناية شديدة وفي أوقات اليأس والأحباط العام وحين يبلغ الصراع السياسي أوجه وتنعدم حينها أو تكاد السلع الأساسية للمواطن العادي وخاصة في العاصمة القومية رأس الحراك السياسي في السودان ، طبعا هذه المقولة مجرد هراء وأكاذيب ولا تمت للحقيقة بصلة بل العكس هو الصحيح ولكن أصحاب الأجندة الخفية من الداخل والخارج السوداني هم الذين يقفون أمامها بكل ما يستطيعون لتختمر وتنضج وتصير انموذجا يحتذى .

والحقيقة الناصعة البياض هي أن هناك خوف ورعب غير طبيعي في نفوس الأنظمة الديكتاتورية العتيد منها والحديث من نجاح التجربة الديمقراطية للدولة السودانية وخاصة من مصر ( الشقيقة )

والمتتبع لتاريخ العلاقات السودانية المصرية بعد الاستقلال يرى بوضوح تام مدى التدخل السافر للأجهزة الأمنية المصرية وخاصة جهاز المخابرات الحربية الذي يمسك بملف السودان عوضا عن وزارة الخارجية ومصر لا تتعامل مع السودان بندية بل تراه حديقتها الخلفية ولذلك ركزت كل جهودها على الناحية الأمنية فقط ولعمري هذا عيب مصري خالص .

فمصر العتيدة في الحكم العسكري في المنطقة العربية قاطبة لا تريد ولا تسمح بمجرد أن يُقال أن السودان يحكمه مدنيون وتُمارس فيه ديمقراطية وينعم بخيراته ومستقر وليس به صراعات اثنية أو مسلحة وعلاقاته ممتازة مع الدول في الإقليم ودوليا أيضا وسمعته يشهد بها القاصي والداني ، فالعسكر في مصر قد تمكنوا من الدولة ومفاصلها بل قلبها أيضا ولم يهتموا حتى بمواطنيهم فما بالك بالآخرين؟ لذلك لن يتنازل العسكر عن هذه ( المكاسب ) حتى لو هلك آخر مصري مدني جوعا أو مرضا أو قهرا وفي سبيل هذا تبذل مصر ( العسكرية ) الغالي والرخيص لوأد أي تجربة ديمقراطية سودانية مهما كانت وكيفما أتت حتى لا تستشري تلك العدوى الخبيثة ( الديمقراطية الحقيقية ) في أطراف مصر ومن ثم تمتد إلى ( المقهورة ) القاهرة .

وللأسف الشديد أن العسكر في السودان بعد الاستقلال وتأثير ثورة الضباط الأحرار المصرية عام ١٩٥٢م وبجرعات عسكرية مصرية محسوبة بدقة نسوا دورهم الرئيس الذي من أجله تم تأسيس قوة دفاع السودان الكلية الحربية لاحقا .

لقد تم تلويث أذهان العسكر في السودان وليس غسل أدمغتهم بأن المدنيون لا يصلحون للحكم أو التحكم في البلاد ولا يستطيعون حمايتها أو الذود عنها تماما كالذي يعير أمه بأنها إمرأة بالرغم من أنه خرج من رحمها ولولاها لما كان له وجود أصلا .

العسكر بصفة عامة يحتقرون المدنيين ويعتبرونهم مجرد بهائم لا ضابط ولا رابط لها وقد وصل بهم الحال إلى أن قتل المدنيين لاتفه الأسباب يعتبر دفاعا عن الدولة والتهم بالطبع جاهزة ومعلبة ومرتبة ومفصلة تبدأ بالخيانة والعمالة وشق الصف الوطني الى الردة وضرب النسيج الإجتماعي وتخريب الإقتصاد وبالتأكيد ليس انتهاءً بالكيد السياسي ومخالفة الأوامر واشاعة الفاحشة .

لقد نسي العسكر السودانيون أو تناسوا
مع ان القسم الذي يؤديه الضباط هو لحماية الوطن والمواطن في المقام الأول ، ولكن العسكر فهموا أو أرادوا أن يفهموا معنى ذلك القسم هو التدخل في السياسة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومن ثم السيطرة على مقدرات البلد بحجج لا يسندها دستور ولا منطق ولا عقل ، لذا يجب إعادة كتابة صيغة القسم تلك وشرحها دستوريا وتعريف الجيش بمهامه المنوط بها هي انه مهما كان الحدث السياسي مترنحا أو طائشا أو فوضويا من وجهة نظرهم لا يحق لهم التدخل فيه ابدا لا من قريب ولا من بعيد وان تُكتب لافته كبيرة وعريضة بأن ممنوع تدخل الجيش في السياسة وحتى فرية تأمين الجبهة الداخلية بواسطة الجيش تتم بأمر مباشر من رئيس الوزراء ( المدني ) .

لقد جرب العسكر الحكم لمدة تزيد عن الخمس واربعين عاما لم يتقدم فيها السودان خطوة واحدة للأمام وتغير الزمن والناس والتاريخ ومنطق الحياة وحتى حدود الدولة السودانية تغيرت ولكن لم تتغير ذهنية العسكر وبالتالي وضع أو اوضاع الدولة والشعب .

السؤال هو لماذا لا يتعاون العسكر بتجرد وشفافية مع الحكم المدني الديمقراطي من أجل السودان ؟ وذلك بأن يعود إلى ثكناته ولمهامه المقدسة كما يزعم في حماية الأرض والعرض ولا شيء غيرهما؟
لماذا لا تسلم الأجهزة الأمنية الشركات التي تحت ايديها بأيلولتها لوزارة المالية؟
لماذا التغول على كل شيء من قبل تلك الأجهزة العسكرية؟
لماذا أصبح عمل الأجهزة العسكرية إشعال الحرائق بين بني السودان بانحيازها لطرف دون آخر ؟
لماذا تعطل الأجهزة العسكرية وصول المؤن الى المواطن؟
هناك أسئلة كثيرة عن دور تلك الأجهزة في جميع الأزمات التي تسبق الانقلابات العسكرية .

خالدة ودالمدني الأمين
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..