
أجمل ما يخطر ببالي يوميا ذكريات ثورة ديسمبر العظيمة التي كانت .
فلقد حققت هذه الثورة العظيمة أكثر من انتصار وبأقل التكاليف إلى أغلاها ارواحا ذكية ذهبت إلى ربها
فتحرر السودان أو كاد
وان ترسخت في العقول كل طرق الخلاص من أي حكم ديكتاتوري متسلط أو تجار الدين
أو كل من يجعل الإنسان عدما او أسيرا للخرافات وقصص الكرامات التي قيل عنها إنها انقطعت في هذا الزمان وقد تمثلت في غزلان تخاطب الناس أن اذبحوني لأنكم جوعي أيها المقاتلون أو شهيد ينطق أو حور عين أو قرود ترشد المقاتلين عن أماكن الالغام .
و ان كان بيننا حتى الآن الكثير من هؤلاء الجهلة وهم يحاولون اعادة عقارب الساعة لتعود إلى الوراء وتلك القصص الغريبة والعجيبة.
ولكن يبدو أن عزم الشباب مازال متقدا لمتابعة ثورة الوعي حتى النهاية و القضاء على كل معاقل الجهل و الاستبداد والقمع وكل كهنة الهياكل المظلمة.
فمنذ ساعات رفع الشعب لشعار “إسقاط النظام و الفساد” وحتي يومنا وأنا أتساءل باستغراب عن سر ذلك الترابط الشبابي الذي سهّل قيام هذه الثورة العظيمة ورفع تلك الشعارات و كيف استمد الشباب بتلك الروح الوثابة والقوية لتلك المليونيات و العصيانات فاسقطوا كل الأصنام ،
وما سبب تلك المعطيات التاريخية التي سهلت أن يخلع الناس عنهم لباس الظلم والخوف الذي أثقل كاهلهم طويلا.
فمع اختلاف وجهات النظر الكثيرة التي تشعبت في مواقع التواصل، إلا أن الإطار العام والمشترك الذي ضم جميع أطياف الشعب مع اختلاف مِلَلِهم ونحلهم هو ما صنع ذلك التفاعل الموضوعي و القوى والمتين وتجسيده على أرض الواقع انتصارا داويا على دولة ابقت الشعب كله في عصور الظلام.
فلقد حيرتني حقا قوة هذا الجيل الجديد الذي كان مغايرا لسابقيه من الأجيال.
وان وصفوه بالهش والهزيل والحناكيش وأصحاب البناطلين (الناصله) .
فقد كانوا ابطالا وقد أسقطوا الطاغية وجنوده وكتائبه بكبسة زر في كيبورد كانت كلمة السر فيه وحدة إرادة و هتافا مجلجلا هز كل الأركان (تسقط بس) فسقطت وتلاشت وذهبت بكلياتها مع الريح.
فقد كانت كل الصفوف السابقة يكبلها الخوف والرعب في مواجهة الطغاة.
فتمدد الطغاة ثلاثون عاما حتى بلغت الارواح الحلقوم.
ولم يحدث في تاريخ السودان ما حدث في هذه الثورة وما فعله الشباب تصديا للدوشكات بالصدَور العارية.
فلم تقدم ثورة سودانية ما قدمته ثورة ديسمبر من ارتال للشهداء
فلقد اجتمع جيل الشباب الحالي في كل مواقع التواصل الاجتماعي وكانوا قوة دفع عظيمة لاقرانهم وقد خرجوا من ضيق الأفق إلى سعة ثورة ثقافية تكتب لها النجاح فقاموا باقتلاع أباطرة الاستبداد بالرأي ومصادري الحريات والمجرمين ،
فهذه الثورة اخوتي هي ثورة وعي صنعتها قوة وعزيمة الشباب ضد كل كهوف الظلام والاستبداد التي كانت ، وهي في نفس الوقت ثورة مفاهيم قضت على كل “تجار الدين” الذين تلاعبوا بشعارات وسماحة الاسلام درجة الكفر وفتاوي فاسدة بقتل ثلث الشعب وإبادة اهل دارفور وسرقة كل البلاد ونهبها.
فكان حاكمهم المستبد هو صاحب الرأي الذي لا رأي بعده ولا قبله وهو يلوح بعصاه ” هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه” ، حتى قضوا على أخضر البلاد ويابسه وعلي كل بذور المعارضات الممكنة والحقيقية والفاعلة التي كانت تعج بها الساحات.
فلقد حولوها في نهاية الأمر الي معارضات سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
وفي لجة هذا السراب الخادع غاب أي وجود حقيقي لأي فكر فعال،
واستفردوا بالساحات فكان فكرهم وحيدا وقد تميز بسلطوية حُنطت فيه العقول ولُجمت فيه الألسن وكُبّلت فيه الأيدي وأسرجت فيه الظهور.
فشبهوا عمر البشير بالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير الحرية والعدالة، الذي كان يأمر أصحابه وولاته ومستشاريه وعامة الأمة بتقويمه إذا ما رأوا في سلوكه اعوجاجا عن الحق و العدل.
وعندما بدأ التقويم الحقيقي امتلات بيوت الأشباح بالمعارضين الذين حاولوا تقويمه
فكان القتل والسحل
وشتان ما بين عمر وعمر.
فلقد وصل الظلم مداه
فكان لابد من ثورة شعب
⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕⭕
محمد حسن شوربجي