مقالات وآراء

نَدْفة صَحْو فِي مسارب الإقْتِصَادِ الوَطَنِيِّ

م/ معاوية ماجد

بشكل عام الاقتصاد هو سياج للحياة البشرية، والإنسان هو محور هذه الحياة، لذلك نجد أن الإنسانية هي المبدأ الأساسي في الاستجابة الإنسانية، وهدف الاستجابة الإنسانية هو حماية الحياة بـ (الصحة والتعليم والأمن)، وحماية الحياة وصنع السياج الإنساني لها من منظومة خدمات متكاملة مرتكزة على إجراءات فاعلة بالعلم والخبرة، هو استجابة إنسانية شفيفة من القائمين على الأمر، الصحة وتحقيق دفوعات المختصين فيها في كل المنابر بتوفير ميزانية لاستراتيجية البحث العلمي في الجامعات وإنشاء المؤسسات الصناعية الدوائية والعلاجية وبسطها على امتداد الوطن والعمل على توفير طبيب أسرة لكل أسرة، لتصير واقع حامية و معالجة هو استجابة إنسانية شفيفة شافية من القائمين على الأمر، التعليم وإسهامات التربويين والمعلمين في الارتقاء بالمناهج بما يتوافق مع استراتيجية البناء المعرفي والتحصيل الأكاديمي، وتوفير البيئة الصالحة لتحقيق ذلك كحق من حقوق المواطنة الملزم مع الأخذ في الاعتبار لمفهوم أن كل طالب هو مشروع بحث علمي متكامل، هو استجابة إنسانية وطنية مستحقة من القائمين على الأمر، الامن وتوفير أدوات بسطه لخلق الطمأنينة والتلويح بالقوة للطامحين الأثرياء بالغباء، هو استجابة إنسانية دفاعية وطنية من القائمين على الأمر.
الكاتب والاقتصادي والإنساني الإسباني (خوسيه لويس سامبيدرو) يوجز مدافعته عن الاقتصاد في جملة عميقة الدلالة في البعد المفاهيمي «اقتصاد أكثر إنسانيّة، وأكثر تضامن، قادر على المساهمة في الحفاظ على كرامة الشعوب».
الوضع الاقتصادي السوداني (ظاهريا) مأزوم و شائك ومعقد في إيجاد الحلول الناجعة في معالجة التضخم الذي وصل أرقاما قياسية غير مسبوقة، لكن دائما هناك حلول مختبئة في تحفز للوثب التصاعدي المنقذ، وهي موارد متاحة للحل العاجل وتهدئة تسارع الأنفاس الناجم من خفقان القلب، وافضل الطرق لوقف خفقان القلب كما يقول الأخصائيون ممارسة الرياضة و شرب الماء، وهي متاحة وتتطلب فقط العزيمة والالتزام، وكذلك إصلاح الوضع الاقتصادي بالموارد المتاحة يتطلب فقط الشخصية الوطنية القيادية المكتملة الأدوات، والمنظومة الإدارية المتخصصة الفاعلة، وايدي حامية تعمل على درء الفساد الإداري و ضرب منظومة التشوهات الرأسمالية المتمثلة في اقتصاد الشهوات ودوائر المنفعة الشخصية الخبيثة، ويمكن إجمال الموارد المتاحة للحل العاجل للاستقرار خلال المدى المتوسط والقصير في الآتي:
۱- جذب مدخرات المغتربين.
۲- إنشاء بورصة للذهب لمنع تهريبه.
۳- الأموال المصادرة من عناصر النظام البائد.
٤- منع تصدير المواد الخام بكافة انواعها والمواشي الحية.
وهي حلول تم طرحها وتَداوُلِها من عدة جهات مختصة وتنفيذية لكن لم يتم تفعيلها حتى الآن وذلك لعدم توفر الأسباب التي تم ذكرها سابقا.
سلحفائية التنفيذ صارت صفة ملازمة للجهاز التنفيذي و معوقات وضعت في تراص يتخلله سفه قاصد من قبل جهلاء الانتماء الأيديولوجي، وأثرياء نظام الانقاذ الشائن السمعة، لكن يمكن القفز بالتطبيق الفعال للحلول العاجلة و إدراجها في البرنامج الوطني المنقذ للاقتصاد الوطني والذي ينبغي أن يكون البند الأول في قائمة أجندة الحكومة الجديدة، و يتم ذلك بتوافر العزيمة الشديدة والتحَرُّج من المبادرة إلى سرعة الإخراج.
مجلس الامن والدفاع الوطني لا تنحصر مهامه فقط في بسط الأمن والدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية أو الداخلية الهادفة الى تقويض نظام الحكم القائم، وإنما يتخطى ذلك الى بسط الأمن الاقتصادي من أي تهديد خارجي أو داخلي، والأمثلة في ذلك كثر والحركة التجارية السودانية الداخلية بين الولايات ودول (الجوار) تشهد الكثير من التجاوزات المجهضة لكل الحلول والسياسات العاجلة المنقذة للاقتصاد الوطني، والمؤسف حقا أن يتم ذلك من جهات كان ينبغي لها أن تكون القدوة الحسنة في الربط والانضباط والإسهام الفاعل في الاستقرار الاقتصادي بالسمو فوق المنافع الشخصية والانتماءات الايدلوجية، وجهات اخرى كذلك فاقدة للاهلية الوطنية والمجتمعية صنعتها ظروف استثنائية فاشلة لجماعة متطرفة في الفكر و السياسات والعلاقات، عزلت الدولة السودانية عن المجتمع الدولي سنينا عددا.
عالم الاقتصاد الاسكتلندي «آدم سميث» المشهور بـ «أبو الاقتصاد» في كتابه الموسوم «ثروة الأمم» جعل معيار مقياس الثروة بمجمل الإنتاج لا بما يخبئ في الخزائن المغلقة، وكشف في ذات الكتاب عن سر الاقتصاد المبهم بجملة عميقة الدلالة بسيطة في سياقها تبين الفهم الكلي في ربط الاقتصاد بحركة الحياة اليومية (الاستهلاك هو الغرض الوحيد للإنتاج كله)، إذن الإنتاج هو الرافد الرئيس لقوة الاقتصاد في أي دولة، و نلاحظ تباينه في القوة من دولة لأخرى بتباين سياسات الجهاز التنفيذي وامكانياته الفعالة في توظيف المتاح من أدوات.
الدكتور عبدالله حمدوك تقدم باطروحة تبين مقدراته العلمية الفنية في الحل و المعالجة خارج الإطار التقليدي وذلك من خلال تقسيم القطر السوداني إلى خمسة من الأحزمة التنموية و المتمثلة في (حزام الانهارو حزام الصمغ العربي و حزام البحر الأحمر و حزام التماس مع الأشقاء في جنوب السودان و حزام المحاصيل النوعية) واكد بانها هي اطر عامة قصد منها خلق مشروع نهضوي يخاطب قضايا المشروع النهضوي السوداني، واذا اضفنا اليها ايضا رؤيته في خلق القيمة المضافة التي سوف تسهم في توفير عمالة و فائض اقتصادي يمكن ان يستفاد منه في التنمية كذلك، هي بالتأكيد رؤية علمية لمستقبل السودان الاقتصادي الواعد، و ينبغي أن يستصحب في ذلك البعد التكنولوجي و الإلكتروني في العلاقات وأدوات التنفيذ.
العالم الفرنسي مارتر«Martre» كان من أوائل الباحثين في التعريف العملي بـ «الذكاء الاقتصادي» وذلك بانه مجموعة الأعمال المرتبطة بالبحث ومعالجة المعلومات المفيدة الخاصة بالاستراتيجين والاقتصاديين لصياغة أهدافهم، و بناءا عليه لماذا لا يتم الاستفادة من ذلك وربطه بالأحزمة التنموية الخمسة والعمل على بناء منظومة معلوماتية فنية شاملة تسهم في جذب رؤوس الأموال التي تساعد في إنشاء المشروع النهضوي السوداني.
نقترح بأن يتم إنشاء نموذج السودان للذكاء الاقتصادي «Sudan Economic Intelligence Model» اختصارا بـ «SEIM»، حتى ضمن اقتصاد قوي مبني على العلم والارقام، ونؤكد بأن هذا النموذج سوف يسهم في جذب رؤوس الأموال و إصلاح معوقات واختلالات الهيكل الإنتاجي حتى يخرج المشروع النهضوي المقترح معافى من تشوهات القرارات الإدارية اللحظية الفاسدة والأجندة السوداء العابرة للحدود.
السودان بلد واعد بالكثير لانه يمتلك الأدوات في ذلك، إذا كان الصيد نواة تشكّل القبيلة، كما يقول براتراند راسل، فإن رسم سياسات المنفعة عبر وظيفة الدولة المتمثلة في التهيئة و توفير سبل النهوض بالاقتصاد عبر بوتقة جامعة لأهل العلم والاختصاص للخروج بعصارة الحل الشامل، ونأمل في أن يسهم وصول بعثة الامم المتحدة الإدارية تحت الفصل السادس يونيتامس (UNITAMS) حسب قرار مجلس الأمن رقم (2525) في بناء القدرات الاقتصادية السودانية وربطها بالقدرات الاقتصادية الدولية من أجل التنمية بالتنسيق مع الدعم الإغاثي العاجل.
فما أنا و هذا الأمر الشائك بالتعقيدات المصطنعة والبسيط بالفهم الخالص المجرد إلا كمن ألقى بندفة صحو وطني على مدارج النور لدى أهل الاختصاص والعلم لتتدحرج بالاهتمام و تكبر بالمعرفة و تسيل حلولا ناجعة لاقتصاد دولة تمتلك كل مقومات النجاح والتطور الاقتصادي.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..