حققتا شهرة كبيرة في القرن الماضي.. ثنائي النغم.. (الجوز اللوز)!!

(1)
في زمان ما كان خروج المرأة عن المنزل هو نوع من التمرد على التقاليد الاجتماعية، مارس المجتمع وقتها نوعاً من القهر والتزمت، وذلك المنحى الاجتماعي الصارم كان سبباً في اشتعال مخيلة الشعراء ولعل تلك الأغاني التي كتبت في تلك الأزمان تمثل توثيقاً مهماً لتلك الحقبة، ولكن نجد أن البعض منهن قاومن ذلك وخرجن للحياة من أوسع أبوابها، وثنائي النغم كتجربة غنائية نسائية هي من نوع ذلك التمرد على القيود وانطلقن في فضاءات إبداعية جديدة.
(2)
ثنائي النغم، فرقة غنائية سودانية نسوية تتكون من اثنين من المغنيات السودانيات حققت شهرة كبيرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. تتكون الفرقة من زينب خليفة وخديجة محمد. ولدت خديجة محمد في عام 1946 ببلدة عد الفرسان في دارفور، أما زينب فقد ترعرعت في مدينة الأبيض. كانت البداية في منتصف ستينيات القرن الماضي تقريباً عندما بدأت زينب خليفة في الغناء في الخرطوم، ثم انضمت إليها خديجة محمد ليكوّنا معاً ثنائياً غنائياً، وذلك بتشجيع من الفنانين عثمان حسين ومحمد الحويج، وقد اقترح عليهما عثمان حسين استبدال اسميهما بأسماء فنية واختير اسم عفاف لخديجة وإنصاف لزينب، إلا أنه عاد واختار لهما اسماً فنياً مشتركاً هو «ثنائي النغم» وقدمهما إلى الشعراء الغنائيين والملحنين أمثال السني الضوي.
(3)
قدمت الفرقة أعمالها للجنة النصوص بالإذاعة السودانية بأم درمان التي رفضت تلك الأعمال في البداية باعتبارها أغاني لا تستوفي شروط التسجيل في الإذاعة ولا ترقى إلى المستوى الذي تتطلبه الإذاعة لبثها على الأثير، إلا أن ذلك لم يثن المطربتين عن عزمهما ورغبتهما الشديدة في ممارسة فن الغناء حتى كتب النجاح لهما في نوفمبر / تشرين الثاني1964 في دخول الإذاعة عبر برنامج «أشكال وألوان» وسجلتا أول أغنية لهما هي أغنية «أول حبيب» من تلحين عبد المنعم الجاك وكلماتها من تأليف الشاعر الغنائي محمد يوسف موسى. وقوبلت اعمالهما الغنائية باستحسان وارتياح من الجمهور بشكل مضطرد بلغ ذروته في عام1968م، ووجدت الفرقة تشجيعاً لمواصلة تقدمها في فن الغناء بالسودان من فنانين سودانيين كبار أمثال أحمد المصطفى ومحمد وردي.
(4)
وبسبب إصابة خديجة بجروح بالغة أثناء إحدى رحلاتها الغنائية في جنوب السودان في ثمانينيات القرن الماضي توقفت الفرقة عن الغناء حتى ظهرت زينب خليفة مجدداً تغني منفردة وحدها.. اعتمدت الفرقة كثيراً في أغانيها الناجحة على أغنيات التراث في مناطق قبائل البقارة في غرب السودان ومن أبرز أعمالها في هذا المضمار أغنية «العجكو» التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي في مناطق البقارة، وقد قدمتها الفرقة بأسلوب غنائي جديد بمصاحبة الآلات الموسيقية الحديثة.
(5)
تنتمي أغاني الثنائي إلى أغاني غرب السودان من حيث النص الغنائي والإيقاع والميلودي. فتظهر إيقاعات المردوم بوضوح في العديد من أغانيهما كما في أغنية «العجكو»، وهو الإيقاع نفسه الذي استخدمه فنانون من المنطفة ذاتها أمثال عبد القادر سالم وعمر إحساس، إلى جانب أغانيهما في إطار موسيقى الحقيبة والتي تتميز بالميلودي الراقص السريع المبني على السلم الخماسي.
(6)
ثنائي النغم واحدة من أبرز الفرق الغنائية والمغنين الذين كان لهم السبق في تعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية للعاملين في حقل الفن والغناء بالسودان، فقد ساهمت الفرقة كثيراً في الأعمال الخيرية والعمل التعاوني العام. ومن أبرز ما قامت به هو إحياء حفلات خُصِّصَ ريعها لبناء مدرسة ثانوية في مدينة الروصيرص بولاية النيل الأزرق. كما قدمت مساهمات لنادي المريخ الرياضي السوداني. كما ساهمت في الترويج للسلم التعليمي الجديد الذي طبقته وزارة التربية والتعليم السودانية في عام 1970، كتجربة فريدة ورائدة في حقل التعليم بالسودان.
(7)
وشاركت الفرقة بأعمالها الغنائية وعروضها الموسيقية في حملة محاربة العطش في غرب السودان في سبعينيات القرن الماضي. كذلك ساهمت الفرقة في المجهود الحربي في عهد الرئيس جعفر النميري وقامت بإحياء حفلات غنائية للقوات المسلحة السودانية في جنوب السودان حتى تعرضت الفرقة لهجوم مسلح من المتمردين في الجنوب وأصيبت خديجة محمد إصابات بالغة تم على إثرها إرسالها للعلاج إلى القاهرة ثم إلى لندن لاحقاً.
حقاً لقد كنتن ثنائي القرن” وليكن الحق في ذلك فلا أجمل من أصواتكن وسوف تخلد أغانيكن ومازلنا نفتش ليها بألحانها وتسجيلاتها الأصلية وإن كان بعضها قد فقد وما لامين فيه مثل (أمير الناس) فهذا بفعل فاعل وليس بفعل النسيان فحاشا أن ننساكن وليت الزمان يجود بمثلكن في كل قرن!