المنوعات

أرث اجتماعي مصري سوداني.. من الأراجيد إلى الجرجار

على أنغام آلتي “الدف” و”الطنبور” يتمايل نوبيو مصر والسودان برقصاتهم الجماعية “الأراجيد” و”الهولا هولا” كتمايل الأسماك في عمق النيل، يصطفون كما تصطف أمواجه، الحدود المرتسمة حديثًا لم تؤثر على إرث تاريخي لأخوين افترقا، فسكن أحدهما جنوبي مصر وسكن الآخر الشمال السوداني.

تسمعهم ينشدون “مقامي عالي زي السد في الشدة بمد اليد.. نوبيا أهم شيء بلدي، أتباهى ببياض توبي، أنا نوبي” متباهين بخصوصية إرثهم الثقافي والاجتماعي؛ حتى تكاد تشم رائحة التاريخ المشترك متدفقًا كمياه النيل بين نوبيي مصر والسودان.

ولا تزال الموروثات الثقافية والاجتماعية تربط الجانبين؛ بدءًا من كلابشة وبلانة وقرى الشلال الأول جنوبي مصر، مرورًا بأبي سمبل على الحدود بين الجانبين المصري والسوداني، وصولًا إلى حلفا والسكوت والمحس والشلال الثاني ودنقلة شمالي السودان.
تراث عابر للحدود

الباحث السوداني، سمير بُكاب، ابن قرية” سركيماتو” جنوب وادي حلفا بنوبة السودان، يؤكد على خصوصية الرقص النوبي وتطابق الإيقاعات بين الجانبين المصري والسوداني والتي تعتمد بشكل أساسي على آلتي الدف والكيسر أو الطنبور، رغم التغيرات الطفيفة التي أحدثها التهجير.

ويضيف “بُكاب” لموقع سكاي نيوز عربية أن نوبيي مصر والسودان استحدثوا من الدف 11 إيقاعَا كـ “الهومبي” و”الجليدي” و”الدليب” و”الجابودي”، “فيجي” و”شيري” و”كومبا”، أما آلة الكيسر أو” الطنبور” شبيهة السمسمية الموجودة في محافظة الإسماعيلية المصرية، فتشتهر بالإيقاع الخماسي.
ومن قرية قرشة بنوبة مصر، يؤكد الشاعر المصري، أحمد عيسى القرشاوي أن رقصة “الهولا هولا” الخاصة بالرجال سمة مميزة لقبائل الكنوز بنوبة مصر و”الدنقلاويين” بنوبة السودان.
ويضيف لموقع سكاي نيوز العربية، أن هناك قواسم مشتركة بين قبائل الفاديجا بنوبة مصر، وقبائل الحلفاوية والسكوت والمحس في شمال السودان، حيث تتشارك تلك القبائل في رقصات الأراجيد “الأراقيد” التي يشترك فيها الرجال والنساء، على السواء.

لغة تأبى الاندثار

بدورها، تصف إخلاص عبد اللطيف، نائب مدير إدارة المتاحف، بوزارة الآثار السودانية، العلاقة بين نوبيي مصر والسودان بالأزلية، وتضيف لموقع سكاي نيوز عربية أن تلك العلاقة مدعومة بتداخل إثني وعرقي، وصلات نسب لا تزال تجمع الجانبين، لافتة إلى أن نوبيي مصر ينقسمون إلى قبيلتي فاديجا وكنوز، بينما تنقسم قبائل نوبة السودان إلى سكوت ومحس وحلفاوية ودنقلاوية.

ويؤكد الدكتور، محمد عمر، أستاذ اللغة النوبية بأكاديمية الفنون المصرية، ومؤسس تطبيق “نوبي” دور اللغة التي تواترها النوبيون شفاهة في ترسيخ إرثهم على مستويات عديدة؛ وأنها تفرعت صوتيًا إلى أربع لغات بفوارق طفيفة.

لو حة للفنانة النوبية زينب محمود
لو حة للفنانة النوبية زينب محمود

 ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية أن هناك قبيلتي الفاديجا والكنزية في الجانب المصري، والمحسية الدنقلاوية في الجانب السوداني، بينهم تشابك يكاد يصل إلى حد التطابق.

الغناء همزة وصل

ولأن الأغنية مرتبطة بالإيقاع اليومي للنوبيين الذين يبدعون لكل مناسبة أغنيتها الخاصة، رصدت الدكتورة سحر جبر، الكاتبة النوبية، تشارك الغناء في النوبة بشقيها المصري والسوداني؛ فيمكنك الاستماع إلى أغنية واحدة بلسان مصري تارة وسوداني تارة أخرى.

وتوضح لموقع سكاي نيوز عربية أن الغناء  يُعد همزة وصل بين الجانبين، لافتة إلى أن أغنية السوداني الراحل، محمد وردي التي غناها بالفاديكية “القمر بوبا” غناها النوبي المصري الشهير، محمد فوزي أيضًا، وتقول كلماتها: “القمر بوبا عليك تقيل.. شاغلة روحي وقلبي المعاك”.

و”القمر بوبا” هو حُلية ذهبية نسائية تأخذ شكل الهلال، ذو مدلول تاريخي وعقائدي لدى أهالي النوبة؛ تتزين به النوبيات في المناسبات الاجتماعية.

وهنا يشير الشاعر النوبي المصري، أحمد عيسى القرشاوي أنه تربى في قريته “قرشة” على أغنية “كوريجون آي نالويه” أي ينعاد علينا العيد، التي تهنأ كلماتها قرى مصر والسودان بقدوم العيد؛ إذ يغنيها المصري، عبد الرحمن العمدة، أبن قرية “أبوهور” وكذلك فرقة دنقلا السودانية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..