حتى لا يندم المغتربون والمواطنون الذين استبدِلوا وحولوا عملاتهم الصعبة..!
يوسف آدم
منذ إن بدأت الفترة الإنتقالية لم تنجح أي سياسية اقتصادية للحكومة والداعمين لها، بسبب عدم دراية من وضعوا هذه السياسات الظروف المعقدة التي تشكل في الخرطوم منذ إستيلاء النظام البائد للسلطة في البلاد، ومعظم المنقذين للشعب في حكومتنا المدنية اليوم كانوا مهجرين وبعيدين كل البعد عن التفاصيل الدقيقة للعصابات التي تشكلت طيلة فترة تراخي حكومة المخلوع عن مراقبة النشاط الداخلي لمناصريه والأجانب الذين إستجلبتهم لدعم بقاءه في السلطة من المستثمرين إلى الملهيين للشباب، ودولتنا هذه بها مؤسسات وعصابات تمثل دول داخل دولة فقط تجمعها مصالحها وتدمير الاقتصاد القومي. فإذا الدولة أرادت إصلاح اقتصادها وإنجاح برامجها الاقتصادية فعليها التركيز في مهام وزارة الداخلية من إدارة الجمارك والتهريب إلى شؤون الأجانب والجوازات والهجرة ومرورًا بمكافحة المخدرات، ففي بلادنا ملايين الأجانب يتعاملون خارج النظام المصرفي الرسمي، والسلع الإستراتيجية تهرب من البلاد ونحن بحاجة عليها، والبلاد أصبحت مكب للنفايات والإسكرابات للسيارات والدراجات النارية المستبعدة من دول الإتحاد الأوروبي تدخلها عن طريق ليبيا والمغترب الذي سهر وعمل بأكثر من دوام إذا أرادت العودة إلى البلاد لم توفق لها أوصاعها بالوجه المطلوب ويشترطون له في مواصفات سيارته ويفرضون له الضرائب ويعاكسونه في الجمارك، بالمقابل سيارات البوكو حرام المخالفة للمواصفات “دون المحول المحفز”، وهذه السيارات دخلت بالبلاد بالآلاف مما تسببت في زيادة حدة الجرائم الجنائية بالبلاد ورفعت معدل الحوادث المرورية. بالمقابل تهرب آلاف الرؤوس من الأبل، العجول والأغنام إلى دول الجوار دون حسيب ولا رقيب، وتهريب مئات الأطنان من المعادن النفيسة كالذهب والبلاديوم وتذهب للآخرين دون إستفادة بلادنا منها، ولم تسلم من التهريب المحاصيل الزراعية منها من تهرب إلى مصر، إريتريا، إثيوبيا وجنوب السودان ومن يستفيد من عائد هذا الكم من السلع المهربة هم الأجانب المقيمون في السودان بطرق غير شرعية عن طريق تحويلاتهم الغير رسمية، فإذا سكنت أو كنت تتابع الوضع عن كثب ستجد حوالات مالية إلى جميع دول العالم في منازل وسط الخرطوم تدار بواسطة أجانب دون تصريح من السلطات ولاحتى علمها فمثلًا في الديوم يوجد أكثر من ثلاثة حوالات معروفة وسط الأجانب وفي الجريف وكثير من الأحياء وينشطون في تجارة العملة تخريب الاقتصاد ويدفعون مقابل ذلك رشاوي للسلطات وكثير من المظاهر السالبة، فكيف تتقدم الحكومة خطة جزئية تريد منها إصلاح اقتصاد بلاد مدمر بمؤامرات خارجية وعملاء داخلية.
فإذا لم نجري تغير جوهري لساساتنا الداخلية، لم تحل مشاكلنا اقتصادنا مطلقًا..
وستبقى توحيد سعر الصرف مجاراة مع السوق الموازي وستنتهي المبارة بفوز السوق الموازي وستعلن فشل خطة توحيد سعر الصرف مثلها ومثل القومة للسودان وستبقى تحويلات السودانيون كالنفخ في القربة المقدودة، كما أشرنا له في مقال سابق والاقتصاد لاتبنى دون سياسة داخلية وتعزز الأمن القومي، فالغائب على حكومتنا من الذي يشتري الدولار من سماسرة السوق الموازي ومن الذي يشتري العملات من موظفي البنوك، الذين يشترون الدولار في السودان هم الأجانب نسبًة لحوجتهم الماسة لدعم حكوماتهم وذويهم في بلدانهم وعددهم تقدر بالملايين.
وأنا على ثقة فيما أقوله هذه، فالحكومة نجحت في المرحلة الاولى في خطته هذه من لتوفير النقد الأجنبي بخزينتها، وإن لم يستطيع وضع حد للوجود الأجنبي ومكافحة التهريب فإنها ستفشل في مرحلة توظيف هذه المبالغ؛ فلأنها الآن تنتظرها زيوت الفيرنس بملايين الدولارات لمواجهة برمجة قطوعات الكهرباء هذه الأيام، وإيضًا في إنتظار هذه العملات الصعبة غاز الطهي، فمعظم المخابز اليوم متوقفة بسبب نفاذ الغاز والمواطنين لهم أكثر من ثلاثة شهور يوقودن بالفحم النباتي بسبب إنعدام الغاز، وأيضًا منتظرنها الملايين في صفوف الخبز أمام المخابز لوصول الدقيق، وأيضًا هنالك آلاف السيارات “مقيلة ومبيتة” في صفوف الوقود أمام محطات توزيع الوقود بالعاصمة والولايات ومعهم الآلاف المزارعين منتظرين الوقود لبداية حصاد محصولاتهم الزراعية. كل هذه منتظرة العملة الصعبة التي جمعتها الحكومة ومازالت تجمع فيها لسد النقص الذي بات لم يشبع منها وبالإضافة إلى الأدوية التي إنعدمت في الصيدليات ومخازن الإمدادات الطبية. فبلادنا كلها أزمات متشعبة، متماسكة، متناسقة ومتناغمة فيصعب للكثير حلها وكذب من يقول أنه يملك المفتاح السحري لها ولكن يمكن تكون رأس خيطها تكمن في محاسبة المخربين، وطرد وتقنين الوجود الأجنبي. فغير ذلك تبقى الحال كما هو والازمة تختفي وتظهر من تاني وتاني وتبقى الفشل متوالي ولمن نصل للحلول في الأفق البعيد، فإذا إستعنا بالآلاف من الخبراء الاقتصاديين لم نحلها مالم نعرف عدد الذين يسكنون الآن في الخرطوم وضمان عدم تهريب السلع إلى خارج البلاد وإيقاف الحوالات الأجنبية السرية التي تدار من داخل الأحياء وإستقنعنا من عمل غير السودانيون داخل السودان غير الضرورية.
وقبل كم يوم لقد سمعت “تحت تحت” بأن هنالك أحزاب وحاضانات سياسية لم أدري لمن يتبعون، بأنها قد أعدت وقدموا خطة اقتصادية للحكومة الجديدة، فإذا خطط أو لم تخطط مابتهمني كثير هنا ذكرها، ولكن إذا لم تراعي ماذكر أنفًا فتبقى برامجها وخططها هباًء منثورًا وتلحق ب “أمات طه”.
فالمهم أمام جبريل “فكي جبرين” وزير المالية وحمدوك “رئيس الوزراء” محطات صعبة وقرارات أصعب لتجاوزها، فإذا صمدوا وأصبحوا شجعان بإمكانهم تحاوزها وإن لا فيعودوا إلى من حيث أتوا منها “محروقي الكروت” عند جمهورهم وشعبهم التي وثقت فيهم ومهدت لهم هذه المناصب الحساسة.
كفييف ووفيت وما قصرت لو تعيها اذن صاغية