
بعد سقوط نظام الانقاذ شرعت العديد من المنظمات الدولية فى الرجوع للسودان و زادت اعدادها بعد اندلاع الصراع فى اقليم تيغراى فى اثيوبيا. كانت تحكم الانقاذ قبضتها الامنية على نشاط المنظمات الدولية و تفرض عليها العديد من الشروط و تلزمها بعدد من المطلوبات لكن بزوال الانقاذ غابت القبضة الامنية وتقلصت سلطات مفوضية العون الانسانى او تدخلاتها حتى اصبحت مساهمتها شكلية و ليس لها دور يذكر كجسم رقابى مهمته ضبط نشاط و تنظيم عملها و تقيم اداءها و التأكد انه يخدم اهداف التنمية و الاستجابة السريعة للكوارث. تراجع دور المفوضية فاصبحت لا تهش و لا تنش و انحصر دورها فى اصدار التاشيرات و الاتفاقيات الفنية. بالمقابل تمددت المنظمات الدولية و تخطت كل الخطوط الحمراء بما فيها اعلان باريس و اكرا حول فعالية المساعدات الانسانية و بدأت بعض ادارتها تؤسس لممارسات لا تحترم مبادىء الحوكمة و القيادة الرشيدة فعلى سبيل المثال:
• قامت احدى المنظمات الدولية بتعيين مدير لاحد اهم اقسامها رغم ان هذا المدير قد دار حوله لغط و نشر موقع الراكوبة تقارير تطعن فى نزاهته و طرح موضوعه على مستوى الصحافة فى بلاده. على اثر تقارير الراكوبة قدم هذا المديراستقالته الا ان العاملين فى المنظمات فوجئوا بتعيينه بواسطة منظمة اخرى. فثارت العديد من التساؤلات عن دور مفوضية العون الانسانى و لماذا تسمح بعودة هذا الشخص الى السودان و اعادة تعيينه.
• رغم ان الموضوع حول وجود فساد و ان 80% من مصادر المياه التى انشئت بواسطة المشروع لا تعمل قد نشر فى موقغ الراكوبة و تم تداوله على نطاق واسع بين العاملين فى المنظمات الا ان مفوضية العون الانسانى لم تحرك ساكن و لم تجرى اى تحقيق او تقصى علما بأن قيمة هذا المشروع تفوق العشرة مليون جنيه استرلينى.
• درجت مفوضية العون الانسانى على اجراء تقيم سنوى لاداء المنظمات حيث يقوم تيم من المفوضية بزيارة مشاريع المنظمات المختلفة الا انه و منذ سقوط نظام الانقاذ لم تقوم المفوضية بأى تقيم اداء المنظمات اى الاعوام 2019 و 2020.
• فى غياب المفوضية بدات المنظمات فى التصرف دون مراعاة للقوانين السائدة فى البلد و الاعراف التى تحكم عمل المنظمات. فكانت ابرز ما تكون هذه الممارسات فى مساءلة تعين الموظفين فقد كانت مفوضية العون الانسانى تقيد عدد الموظفين الاجانب باربعة موظفين على مستوى المكتب الرئيسى كحد اقصى و سمحت بتعين موظفين على مستوى الحقل فى حالة غياب الخبرات المحلية. فى غياب اى جهة رقابية بدات المنظمات فى جلب العشرات من الموظفين الاجانب فبلغ عدد الموظفين ثمانية فى المكتب الرئيسى لاحدى المنظمات التى اعادت فتح مكتبها بعض سقوط نظام الكيزان و عينت منظمات اخرى موظفين اجانب فى وظائف شؤون افراد و وظائف اللوجستك رغم وجود الخبرات المحلية بل تعدى الامر ذلك الى تعين مدراء مشاريع فى الولايات.
مساءلة الاعتماد على الموظفين الاجانب لها ما بعدها من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية و الامنية و استدامة التنمية:
• يكلف الموظف الاجنبى ما بين 6 الف دولار الى 12 الف دولار فى الشهر الواحد اى فى المتوسط حوالى 100 الف دولار امريكى فيما لا يكلف اعلى راتب لموظف سودانى 3500 دولار فى الشهر و فى معظم الاحيان تغطى تكلفة اثنان من الموظفين الاجانب التكلفة الكلية لكل الموظفين السودانيين العاملين فى المنظمة. هذه المبالغ تكون خصما على الانجازات و النسبة من المنحة التى تصل الى المستفيدين. فمثلا اذا كانت المنظم ةتاتى بمدير مشروع اجنبى لتنفيذ مشروع تكلفته السنوية لا تتعدى المليون دولار فهذا يعنى انها تنفق حوالى 10% من قيمة المشروع على موظف واحد. حاليا يوجد فى السودان حوالى 200 موظف اجنبى من غير موظفى الامم المتحدة تفوق تكلفتهم السنوية ال 2 مليون دولار.
• الموظف الاجنبى لا يعرف الواقع السودانى خاصة فى الولايات حيث يكون عرضة للابتزاز و احيانا كثيرة يكون العوبة فى يد بعض الاصطاف السودانى و يتم استخدامه لتمرير اجندة شخصية او اجندة قبلية.
• فى غياب اى دور رقابى و عدم وجود جهة تفحص و تتأكد من مقدرات و مؤهلات الموظفين الاجانب القادمين تراجعت نوعية القادمين الاجانب فلم يكونوا افضل من الموظفين المحليين اللهم الا بفارق اتقانهم للغة الانجليزية. و فى احيانا كثيرة ينتاب الموظفين الاحساس بالظلم لان من يراسهم اقل تاهيلا منهم مثل ان تكون قابلة مديرة طبيب. فكانت هناك قصص ان ابناء منطقة محددة يتركزون فى منظمة بعينها و ان فلان صديق فلانة لذا حصل على وظيفة و غيرها. المستويات المتدنية للقادمين الاجانب انعكست على قدرات و سلوك و ممارسات الموظفين المحليين الذين يراسؤوهم و كانت حجر عثرة فى تطوير القدرات المحلية.
• على حسب اعلان اكرا و باريس ان واجب المنظمات هو بناء القدرات المحلية حتى يكون هناك احساس بالتملك و لضمان الاستمرارية لكن الاعتماد على الموظفين الاجانب فى وجود القدرات المحلية لا يخدم هذا الغرض. و لا يساهم فى استدامة التنمية.
• النتائج المباشرة لغياب الاجهزة الرقابية و الغياب الكامل للمفوضية على مساءلة تعيين الموظفين الجانب يمكن تلخيصها فى الاتى:
o ان هناك منظمات عينت موظفين اجانب فى وظائف من المفترض ان يشغلها اجانب مثل شؤون الافراد و مدراء مشاريع و لوجستك. عينتهم رغم وجود الخبرات المحلية و رغم الموظفين المحليين انسب و اقدر على اداء هذا العمل.
o اعادت احدى المنظمات الاعلان عن وظائف عليا للسودانيين بعد اقل من اسبوع و فتحتها للاجانب بينما علقت منظمة اخرى عملية التعين بعد ان اجرت الامتحانات الاولية.
o تراجع عدد السودانيين الذين يشغلون منصب مدير قطرى لمنظمة اجنبية من 9 مدراء قبل سقوط الانقاذ الى اثنان فقط فى الوقت الحالى.
• وجود الموظفين الاجانب باعداد كبيرة لا يتيح فرصة للموظفين المحليين للنمو و التطور كما انه يثير حالة من الاحباط و الاستياء و ذلك لوجود هيكلين للرواتب فتجد ان هناك موظفين بنفس المؤهلات لكن تتفاوت و تتباين مخصصاتهم و مرتباتهم فقط لان احدهم اجنبى. و قد ارق هذا الامر العديد من المهتمين لذا دشنت جامعة ادنبرة الانجليزية و جامعة ماسى النيوزلندية مشروع للنظر فى وجود نظام مزدوج فى تقيم القدرات و تحديد المرتبات و المخصصات و خرجت بعدد من التوصيات لتحقيق العدالة Project FAIR (Fairness in Aid Remuneration) | Project Fair (ed.ac.uk) لكن لان المنظمات وجدت فى السودان ان البلاد فوضى و لا رقيب بها فضربت عرض الحائط بهذه المبادى و الدروس المستفادة من اماكن اخرى فى هذا العالم.
• يلاحظ وجود العشرات من الاجانب فى ولاية القضارف (حوالى 40) رغم انها تقع ضمن حزام الحرب بالتالى هم يشكلون مهدد امنى و خطر.
لابد من اصلاح مفوضية العون الانسانى لتلعب دوره الرقابى فى ضبط جودة الخدمات المقدمة و كفاءة و مقدرات الموظفين الاجانب و فعالية و كفاءة تنفيذ المشاريع و الاستفادة القصوى من المنح و الهبات المقدمة من المانحين و المجتمع الدولى بدل عن التركيز على الابعاد الامنية لوجود الاجانب. حتى يتاتى ذلك لا بد من ادارة نقاش واسع بين المهتمين بالعمل التنموى و الانسانى حتى يكون هناك اصلاح شامل لكل المؤسسات المناط بها الاشراف على العمل الطوعى و الانسانى و التنموى لذا اقترح الاتى:
o انشاء منصة او منبر يجمع كل العاملين فى المنظمات و المهتمين بالشأن الانسانى و التنموى، يمكن ان يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لذلك و ياتى فى مقدمة اجندتها اصلاح المفوضية و تطويرها.
o تكوين فورم للمنظمات المحلية لمناقشة كيفية توطين العمل الانسانى فى السودان و سودانته.
o تكوين اتحاد او نقابة للعاملين فى المنظمات الاجنبية للدفاع عن حقوقهم من تغول ادارات المنظمات الاجنبية.
o اعداد و تقديم مذكرة للمانحين و وزارة الرعاية الاجتماعية و ادارة التعاون الدولى فى وزارة المالية و مفوضية العون الانسانى تحتوى على ارقام و حقائق عن اعداد الموظفين الاجانب فى السودان و اهمية و كيفية تقليصها