شجرة السنط.. مائة يوم من الغَمْر

محمد أحمد الفيلابي
وحدها شجرة السنط قادرة على تحمّل الغمر في المياه لمائة يوم، ما يجعلها أنسب الأشجار في الأراضي المنخفضة حول ضفاف الأنهار في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من آسيا وأفريقيا وأميركا وأستراليا. وهي وحدها القادرة على الإمساك بعروق الأرض بصلابة مانعة هدم جروف النيل، وقد شبّهها أحدهم برموش العين التي تحبس الدمع وتمنع تقرّح الأجفان.
ولأنّها تتميّز بصلابة خشبها وخصائصها الطبية المتعددة، فإنّ العبرانيين قدّسوا هذه الشجرة في الأزمنة الغابرة. ومثلما تحتمي بها الطيور المهاجرة من شمال القارة (الأفريقية) في فترة الخريف، يحتمي بها فقراء بلادي من الرعاة والمزارعين، بينما يستخدم سكان الجوار النيلي وصيادو أسماك أخشابها المتينة في صناعة قواربهم وأسقف مساكنهم وأثاثهم. هؤلاء كذلك استخرجوا من لحاها وثمارها عقاقيرهم، ومواد يدبغون بها جلود الحيوانات المستخدمة في نقل وتخزين الماء والحبوب وغيرها. وفي أحيان كثيرة، يُستخدم جذع هذه الشجرة في صناعة المناحل وفي بناء السياجات الحامية لبيوت الفقراء والمزارع.
ظلت شجرة السنط منذ آلاف السنين تنمو من دون مساعدة من البشر، ويكفي أن تسقط ثمارها فتلتقطها الماشية لتتمّ في أحشائها المعالجة الكيميائية للبذرة فتصبح بالتالي جاهزة للإنبات ما إن تخرج مع مخلفات الماشية. وتأتي الحشرات لتلتهم ما حولها وتتركها عرضة لوطء الحوافر، فتنغرس في التربة لتنبت وتصير شجرة بعد موسم من الغمر في المياه. هكذا، أثبتت الحفريات أنّ الفراعنة استخدموا خشب السنط في أعمال النجارة ولحاءه في الدباغة وأوراقه وأزهاره في أغراض طبية، فهو استُخدم كدواء لمعالجة اعتلال الجسد والقضاء على الدود والسعال وتورّم القدمَين وتسكين ألم العظام المكسورة.
تستوطن شجرة السنط مناطق كثيرة من أفريقيا (السودان، مصر، المغرب، جنوب موزمبيق، وجنوب أفريقيا)، وشرقاً في كامل شبه الجزيرة العربية وثمّ باكستان والهند وبورما. كذلك زُرعت بشكل واسع في خارج مواطنها الأصلية، في زنجبار وأستراليا.
العربي الجديد