تصدوا للمهربين، لقد جاء موسم حصاد محاصيل العروة الشتوية !!
يوسف آدم
الحمدلله نجحت الزراعة الشتوية على أكمل وجه، وإستبشرت بلادنا بالخير الوفير من محصول الذرة، القمح، السمسم، الفول السوداني، زهرة الشمس والقطن والكثير من المحاصيل النقدية والإستراتيجية. وبالأمس القريب ذهب رئيس مجلس الوزراء وفريقه الوزاري لتدشين حصاد مشروع الجزيرة، وأثناء ذاك الحفل أشاد بجهود المزارعين وأكد لهم بأنهم أمل السودان للخروج من الأزمة الاقتصادية، ورهن وزير المالية إنتهاء صفوف الخبز والرغيف في السودان تنتهي بحصاد القمح، وهذه بشريات جميلة للشعب السوداني الذي عانى ومازال يعاني من أزمة الحصول على الخبز.
وما لا يدركه حكومتنا المدنية عن أزمتنا الحالية التي تشبه الحلقة الدائرية التي لاتنتهي أبدًا، فهي أزمة معقدة في الحقيقة ولكن من أهم أسبابها هي التهريب الممنهج للسلع والمحاصيل الزراعية من مزارعها قبل أن تدخل المخازن والمدن ناهيك عن دخولها في السلسلة الغذائية الوطنية.
والمهربون ينشطون هذه الأيام وسط التجار وكبار المزارعين وحتى الوسطاء التجاريين “السماسرة” الذين هم أيضًا لهم دور كبير في صناعة الأزمة الحالية من مساعدتهم للمهربين وإكمال الصفقات بينهم وبين المزارعين والتجار.
وإعلان الحكومة زيادة السعر التاشيري للقمح وحدها لاتعني تشجيع المزارعين وإقناعهم لبيع محاصيلهم للبنك الزراعي؛ لأن عصابات التهريب الذين ينعشون السوق الموازي لديهم الخبرة الكافية لخدع المزارعين وتجار المحاصيل الزراعية، وعصابات التهريب تمول عبر إستخبارات دول معادية للسودان وموجودون في الخرطوم ويراقبون الوضع عن كثب، فإذا كنت مزارع من أحدى هذه الولايات “ولاية القضارف، شرق دارفور، النيل الأزرق، النيل الأبيض، الولاية الشمالية، ولاية سنار أو حتى ولاية الجزيرة” ستعرف كم من محاصيلنا الزراعية تهرب إلى دول الجوار دون حسيب ولا رقيب وبسعر طفيف تتفوق على السعر التأشيري للبنك الزراعي وتباع بالعملة المحلية. المهربون لديهم شاحنات تصل للمزارعين في مزارعهم ليلًا لإستلام المحصول دون علم حكومتنا المسكينة.
قبل سنتين كنت زارع سمسم في أحدى مناطق النيل الأزرق فشاهدت بأم أعيوني عمليات التهريب التي تحدث وغياب الحكومة التي تراغب، فكان تهرب السمسم والذرة إلى إثيوبيا تقدر بآلاف الأطنان والبصل والذرة أيضًا إلى جنوب السودان، والأغرب من ذلك هذه الشاحنات تدخل الدول المجاورة وكأنها تتجول بين قرى وفرقان ذات المنطقة، والعيب الأكبر عند بوابات الحكومة فالورق التي تمرر بها الشاحنات ورق مكررة وبعدها تمر بنفس المكان لأكثر من مرة. ودي مناسبة عظيمة عام 2005 جعلني أتذكر كان لي شحنة فول سوداني وكركدي في الضعين وحينها كانت ولاية جنوب دارفور، فذهبت لسداد مستحقات الجبايات فذكرت عدد الجوالات والوزن بطريقة حقيقة وتحديد الأصناف، وإستلمت الورق وعدت إلى بتاع الترحيلات “الكمسنجية” وزملائي التجار كانوا يضحكوا في ورقي فقالوا ليه بتكلم الحقيقة وتطلع ورق جديد الزول دا ما عنده ورق وحيسلمك ليه بسعر مناسب، فسالت من وين تأتي بالورق فردوا لي بأن الورق متوفرة لديهم من ورق راجعة من شحن سابقة وأخرى إشتروها من “وراقة” بسعر مناسب، هكذا كانت الفساد تنهش أعماق اقتصاد بلادنا ومن في هرم السلطة لايدري ولايدرك إلى أن يفشل ويذهب من حيث جاء منه.
وهذا النوع من الفساد الممنهج المسمى “الوراقة” موجودة في كل مؤسسات الدولة تديرها أشخاص نافذين ولديهم من الحماية مايكفي إذا أثبت في البينة وألبست فيه الادلة، والإفلات من العقاب عن طريق دفع الرشاوي أو بواسطة أشخاص نافذين، هذه هي أيضًا من علل بلادنا.
وكما أسلفت في مقال سابق إلى ضرورة إقامة محاكم طوارئ لمحاكمة فلول النظام البائد، لاتصلح الوضع الاقتصادي في البلاد ولم تتوقف التخريب الممنهج للاقتصاد القومي، وفلول الدولة العميقة لا تتوقف من التربص والعبث بموارد الدولة دون تطبيق القوانين الرادعة والشروع في العدالة الناجزة؛ لأن هنالك جهات معروفة تسعى لإعاقة عمل النيابة والقضاء في السودان وتعمل لمصالحها فقط دون تحقيق للعدالة.