ما هي الأسباب التي أدى إلى تغير إتجاه “حمدوك” من المجتمع الدولي إلى العرب ؟
يوسف آدم
منذ إن تم تعيين الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله حمدوك رئيسًا للوزراء بحكومة ثورة ديسمبر المجيدة، سعى حكومته بكل مايملك لإعادة السودان إلى وضعه الطبيعي بين الدول إلى قبل وصول حكومة المخلوع إلى السلطة.
وإعادة إدماج السودان في حضن المجتمع الدولي يتطلب الخوض في مغامرة لا تعرف نتائجها بعد، وبدأ سياسته في كيفية خروج السودان من قائمة الحظر الإمريكي، ونجحت في ذلك بعد أقل من سنة واحدة، ومن ثم بدأ إيضًا في كيفية خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإستطاعت بعد عامًا ونيف في ذلك وتمكن من إعادة سيادة السودان بين الدول، وتجاوز في ذلك جدارٍ من العزلة الدولية الذي بناها نظام الإنقاذ لتخبئ فيها من ملاحقتها نتيجة لأعمالها الإرهابية التي تبنتها منذ وصولها إلى السلطة عن طريق إنقلاب عسكري في ليلية ال 30 من يونيو 1989م.
وإستطاعت حكومة الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك من فك العزلة السياسية والاقتصادية للسودان، إلا إنه لم يتمكن من الحصول على الدعم اللازم لسد إحتياجات البلاد اللحظية والمستقبلية. وفي إطار تحقيق ذلك بدأ في تطبيق سياسة صندوق النقد الدولي من أجل إستقطاب دعم المجتمع الدولي، والذي بدوره فرض لحكومته إلغاء دعم السلع وتخفيض ميزانية الصرف على الخدمات الأمنية والعسكرية ليتماشى مع سياسته، ولقى تنفيذ روشيتة صندوق النقد الدولي رفض واسع من المجتمع المحلي وشركاءه في السلطة من العسكريين وبعض الأحزاب ذات التوجه الإشتراكي.
وبالرغم من المعارضة الشرسة التي تلقتها حكومة حمدوك أثناء شروعه في تنفيذ سياسة صندوق النقد الدولي، إلا أنه نفذ الكثير من الإملاءات، فرفع الدعم عن السلع بما فيهم الوقود والقمح، وعمل على إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتعديل بعضها حتى يتناسب مع سياسات المجتمع الدولي.
وبالرغم من أن السودان كان يحكمها نظام متهم بدعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، وبالتالي عاشت لعقودٍ من الزمان تحت العزولة الدولية، وحرمت حكومتها من الدعم الإنمائي والقروض، وغيره من أشكال التعامل المالي المباشر لتحسين الاقتصاد القومي وفك العزلة الدولية.
وفي بداية لتحقيق هذا الحلم أجرى حكومة حمدوك عدة إتصالات مع قادة الدول العظمى، وسجل عدة زيارات لعواصم الدول الكبرى من أجل إستقطاب الدعم لحكومته؛ إلا إنها باعت بالبشل بسبب هشاشة الوضع الأمني في البلاد وضعف حكومة حمدوك مقارنًة بشركاءه الموازيين من العسكر الذين يسيطرون على أكثر من ثلاثة أضعاف من موارد الدولة، وأن أموالها خارج ولاية وزارة المالية. لذا جعل المجتمع الدولي التريث من تقديم الدعم لهذه الحكومة الهشة، ودائمًا مايتخوفون من إن تحدث إنقلاب عسكري وتصبح دعمهم في يد عسكريين يتبعون لجهات تدعم الإرهاب.
وكان من أكثر الأشياء التي جعل المجتمع الدولي قلق من دعمها للسودان هي إن المكون العسكري من حكومة السلطة الإنتقالية في البلاد تقوم بإغلاق الشوارع الإستراتيجية بالقرل من القصر الجمهوري بالعاصمة كل أسبوع أكثر من مرة، ويقومون بإذاعة بيان تدعي إنهم أحبطوا محاولة إنقلابية فاشلة. فكيف تعقل بأن المجتمع يقدم لك دعم ودولتك غير آمنة، فربما غدًا ستصبح هذا الدعم في أيادي إنقلابيون عسكريون يتبعون للنظام الإرهابي المقبور، فهنا إذا صحت بأن الحكومة تريد دعم حقيقي عليها الكف عن كثرة إغلاق شوارع القيادة والقصر وأن يكف إيضًا عن إذاعة أي بيان تفيد بأن هنالك إحباط لمحاولة إنقلابية فاشلة لا أساس لها من الصحة.
وحكومة حمدوك خاض مغامرة صعبة لتحقيق عودة السودان إلى وضعه بين الدول، وأفقد في سبيل مغامرتها هذه الكثير من الجماهير التي كان تهتف وتغرد “شكرًا حمدوك”، حيث إرتفعت الأسعار وزاد غلاء معيشة المواطن، وأصبحت الحصلو على قطعة خبز، وإن تعود له الكهرباء من البرمجة لكي يشحن هاتفه، وأصبح المواطن “يقيل ويبيت” في صفوف الوقود، وإنعدمت الأدوية من رفوف الصيدليات، وإنتعش تجارة السوق الموازي “السوق الأسود”، وهبط سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، وإرتفعت معدل التضخم حتى وصل لمعدل لم تسبق لها مثيل “330%” والكثير من المعاناة في سبيل ذلك تحملها المواطن وسيتحمل المزيد إن لم ينظروا إلى حل أسباب المشكلة الاقتصادية في البلاد، وفي نهاية المطاف أصبحت دعم المجتمع الدولي صفر كبير تضاف على شمال معاناة المواطن وحكومة الخبير الاقتصادي.
وبعد فشل الوعود الدولية والغربية الزائفة إتجهت حكومة حمدوك في نسختها الثانية إلى دول العرببة، وهذه الدول لديها سجل “وسخان” على مر التاريخ السوداني. حيث كل المؤامرات التي تحاك ضد السودان وشعبها وثورتنا المجيدة إلا وكانت للسعودية، الإمارات ومصر دور خبث فيها.
حيث بدأ حكومة حمدوك من النسخة الثانية بزيارة السعودية لمدة يومين ومن ثم إتجهوا إلى مصر أيضًا لمدة يومين، وهما كافيان لتدمير السودان بإملاءاتهم وخيانتهم تجاه الثورة السودانية العظيمة. والسعودية كانت تدعم نظام المخلوع بمليارات الدولارات فقط من أجل تمرير خططها لتدمير السودان، فبالمقابل يحصلون على عشرات الأضعاف من الإمتيازات من حيوان السودان إلى معادنها، ولم تسلم منها حتى جنودها “مرتزقة حرب اليمن”. إما مصر فهي لها ذات الغرض لنهب موارد البلاد بالطريقة المقننة دون أن يعترضها أحد، وأن يقف السودان في خط المواجه من خصمانه بالوكالة كما في حربها الآن مع إثيوبيا التي إحتلت أفضل أراضينا الزراعية، ومصر هي نفسها لها أطماع كما هي الآن تحتل حلايب وشلاتين والكثير من أراضينا.
فيا حمدوك أنت وفريقك لقد وصلتكم أرض الوطن سالمين وغانمين وعود خبيثة، فإذا نفذتوها ستنعموا بقليلًا من الريالات وإن لم تنفذوها ربما “سيقل لكم العسكر أدبهم”، فرجاءًا منكم أن لا تنفذوا إملاءات دول بول البعير فيتصبون نادمين على ما تفعلونه بحق شعبكم. فإذا تخلى عنك المجتمع الدولي بسبب يأسهم من العسكر، أخرج ووضح للشعب ذلك فترى كيف تكون الرد، فخليكم عارفين مافي إرادة منحها الله في هذا الأرض الطاهر أقوى من إرادة الشعب.
فيبقى على حكومتنا إذا صعبت علي توفير “القمح، الجازولين، البنزير الفيرنس، الأدوية” أو حتى العملة الصعبة فعليها أن لا تبيع كرامتنا أمام الأمم، فنحن قاديرين على الصمود، العبور الإنتصار. فنحن وحدنا نقدر أن ننهض وأن نعمر بلدنا دون إملاءات من أحد ودون تدخل أنف أي خائن أو عميل شرير في شؤوننا الداخلية.
فيجب أن نستقنع عن خدمة رعايا أي دولة تتدخل في شؤوونا الداخلية، فهم ليست طالبي المعشة أو العيش فمعظمهم عملاء لأجهزة إستخباراتهم النتنة فيجب طردهم وتنزيف البلد من فضلاتهم الخبيثة. فإذا لم نفعل ذلك سنبقى أذيال الأمم إلى أن تقوم الساعة ولم ولن نعبر ولم ننتصر.