الحركات المسلحة السودانية: تحديات الديمقراطية و العمل الجماعي.. نظرة مستقبلية
️أحمد محمود احمد

كمدخل لهذا المقال فإنه توجد بعض الأتجاهات السلبية و التي باتت تعتمل داخل الساحة السودانية عند النظر
والموقف من الحركات المسلحة، و يمكن تحديد اتجاهين نستطيع من خلالهما تحديد الخلل الكامن فيهما، كما يجب أن نقف ضدهما و نحن نتطلع لبناء تجربة سودانية جديدة و هذان الأتجاهان هما:
الأتجاه الاول:
هو ذلك الاتجاه الذي برز في الاَونة الأخيرة في الساحة السودانية،
والذي يعمل على شيطنة الحركات المسلحة من البعض، و يتخوف من وجودها في العاصمة،
وكأن العاصمة هي حكر على فئة دون الاخري، مما يجردها من مضمونها القومي، اذ هي عاصمة للجميع و دون استثناء و الحاكم الوحيد هو الالتزام بالقانون و الحرص علي الوحدة الوطنية، لا أحد لديه الحق في الانتقاص من شخص آخر و عزله ضمن تنميط عنصري او جهوي، و هذا ما يجب أن نقف ضده جميعا من أجل أن تكون هنالك أرضية تبنى عليها الوحدة الوطنية الحقيقية بعد هذا الاحتراب الذي جعلنا في دائرة التخلف..
الأتجاه الثاني
هو الاتجاه الذي يصدر من قبل القلة داخل الحركات المسلحة، و الذي يتداعى حول فكرة الحرب الأجتماعية ضد سكان الشريط النيلي بكونهم مجرد دخلاء على أرض السودان، و بالتالي يجب طردهم و احلالهم بالسكان الاصليين..هذا الأتجاه يعتبر اتجاها خطيرا و يؤدي إلى التفتيت و بالتالي إلى الخراب الكلي..أن المظالم التي وقعت في تاريخ السودان يجب أن لا تتحملها فئة اجتماعية محددة، و من الضروري أن تصبح قضية وطنية نسهم جميعا في حلها، دون إهدار الجهد الحقيقي تجاه المعضلة الوطنية و التي سببتها السلطة عبر تاريخ هذا البلد.
رؤية تاريخية تجاه العمل المسلح:
العمل المسلح نشأ في السودان كردة فعل لخلل بناء الدولة السودانية، دولة ما بعد الاستعمار المحكومة بنمط الصراع القبلي و الجهوي، و الذي تعمق بعد صعود الأسلاميين للحكم وأدى هذا الصعود إلى تعميق ذلك الصراع، نتيجة لغياب الوعي بماهيةالمشروع الوطني التغييري…و لقد عمق ذلك الاخفاق مجالات الاحتراب الداخلي و التي بدات منذ العام ١٩٥٥ في جنوب السودان و تطور لينتهي بفصل الجنوب في عهد الأنقاذ، و تجدده بالتالي في دارفور
وجنوب كردفان والنيل الأزرق،هذا الواقع و الذي نتج لخلل سياسي، أدى إلى ردة فعل من قبل الأقاليم التي تقاصرت الدولة تجاهها في مجال التنمية و المشاركة في السلطة..و لهذا يمكن القول أن العمل المسلح وفي الخارطة السودانية كان نتاج ردة فعل مباشرة لقصور السياسة وغياب الرؤية الشاملة، وبالتالي و كحال الواقع السوداني عموما، لم يرتبط العمل المسلح وحسب طبيعة نشأته برؤى و تنظير يختلف عما هو سائد في المشهد السوداني، و بالذات فيما يتصل بالتأسيس القائم علي رؤى جديدة تبحث عن التغيير وفق اَليات تنشأ فردا جديدا مسلحا بوعي ديمقراطي و منحلا عن ما هو قبلي و جهوي ..
كما و أنه و من أجل الإنصاف فإن العمل المسلح لا يتيح المجال للتنظير حول المفاهيم الكلية لبناء الدولة سواء كان فيما يتصل بالبعد الاقتصادي أو الاجتماعي و كذلك البعد السياسي
والمرتبط بقضايا الحريات و الديمقراطية..و لهذا عندما ينفتح المجال للمشاركة في السلطة فإن هنالك قضايا عديدة ستطرح أمام الحركات المسلحة و منها قضية الديمقراطية و العمل الجماعي..
تحدي الديمقراطية والعمل الجماعي:
الديمقراطية لا تتأتى دون تدريب و تثقيف و ممارسة عبر شروط تتوفر للفرد و من ثم المجتمع، و في حالة الحركات المسلحة فإن الوعي بالديمقراطية و القبول بالآخر لم يتجذرا نتيحة لطبيعة العمل المسلح و الذي يعتمد علي خطاب الحرب، و لهذا فإن المرحلة التي اعقبت اتفاقية السلام وبالتالي بروز دور الحركات المسلحة كلاعب أساسي في المعادلة السياسية يتطلب الأتجاهات التالية:
١- ضرورة التخلي عن فكرة حمل السلاح في واقع اختار فيه الجميع الحكم لدولة القانون و الممارسة الديمقراطية، و هذا يتطلب العمل ضمن منظومة الحكومة الانتقالية و من ثم الاحتكام لصندوق الانتخابات عبر المرحلة التي تعقب ذلك، و هذا يتطلب و عندما تكون هنالك اختلافات و عقبات و هي واردة ، أن لا يكون السلاح هو الأقرب لحل المعضلات، إنما يتطلب ذلك فهم التوازنات السياسة و إقامة التحالفات، وإدراك أن اللجوء للسلاح يمكن أن يكون مدمرا للوطن و بالتالي للحركات المسلحة نفسها، لا قدر الله ذلك..
٢- المشاركة في السلطة قد تنتج تناقضات داخل الحركات نفسها و هذا قد يحول طبيعة الصراع من دائرة الدولة ككل الي صراع داخلي قد يؤثر علي دور و مساهمة الحركات المسلحة مستقبلا..
٣- من اجل تفادي تلك التناقضات المذكورة في فقرة(٢) فإن على الحركات المسلحة تنزيل الممارسة الديمقراطية وسط قواعدها اولا و من ثم الانتقال للممارسة الكلية للديمقراطية..
٤- العمل الجماعي يتطلب الكثير من التنازلات و ذلك بعكس العمل المسلح و الذي يصل للهدف عبر فوهة البندقية، و هذا الواقع الجديد يتطلب القبول بالآخر و الأيمان بفكرة الاختلاف و التي تتطلب الحلول عبر الجدل الايجابي..
٥- قد تفشل الحركات المسلحة في احراز اصوات تؤهلها للوصول للسلطة إذا ما جرت الانتخابات كما هو مخطط لها، و هذا الأمر يجب أن ينظر إليه من خلال طبيعة و تركيبة الخارطة السياسة السودانية، و هذا بدوره يرجح سؤال حول الماهية التي تتطلع الحركات المسلحة ان تكون عليها، فهل ستسعي إلى أن تتحول إلى أحزاب ذات برامج واضحة و تقيم تحالفات مع الأحزاب الموجودة في الساحة اصلا، ام ستكون مجرد تكتلات يدعمها مفهوم الحق التاريخي كما تري هي ذلك ؟؟ و هذا يطرح تحدي التجربة الحزبية منذ الآن و العمل وسط الجماهير و بشكلها الواسع ، لا الأقليمي وحده ، لتحقيق هدف الوصول للسلطة عبر صندوق الأنتخاب و هذه مهمة عسيرة تحتاج إلى جهد لا يقل عن جهد حمل السلاح..
اخيرا: بالطبع فإن الحركات المسلحة تدرك تلك التحديات و قد تكون بدأت بالفعل في التأسيس للمرحلة الجديدة، و في تقديري فإن التأسيس لتلك المرحلة يتطلب تجاوز المرارات و بالتالي التطلع نحو سودان يسع الجميع و ان
يختفي السلاح و تبقي الكلمة