إِلَى جَنّاِتْ الخُلْدِ ابْنَتِي مَنار

بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَحَلَتْ عَنْ عَالَمِنَا دكتورة مَنار حسن عثمان تَارِكَةً فِينَا لَوْعَةٍ وَحَسْرَةٍ، تَخَنْقَانِ الكَلِماتِ فَتَجْعَلُها مُتَعَثِّرَةً وَمُبَعْثَرَةً عاجِزَةً عَنْ التَّعْبيرِ بِهَذَا الرَّحيلِ المُرِّ، وَكَلِماتٌ عاجِزَةٌ تُحاصِرُها العَبَراتُ وَتُكَبِّلُ خُطاها، لَا تَسْتَطيعُ التَّعْبيرَ عَمَّا يَجيَشُ فِي النَّفْسِ. إِنَّنِي يَا اِبْنَتِي مَنارٌ لأَتَأَسَّى وَأَتَحَسَّرُ ويَنْفَطِرُ قَلْبِي وَأَنَا أَمْسِكَ بِقَلَمِي وَأُسَطرِ كَلِماتٍ فِي نَعيك، أَعْتَبِرُهَا كَلِماتٍ مُقَصِّرَةً فِي الوَصْفِ والتَّعْبيرِ الدَّقيقِ عَنْ مَا أُريدُ أَنَّ أَسْطرَها عنَّكيٌّ. قَدْ وَاجَهَتْ يَا اِبْنَتِي مَنارَ فِي حَيَاتِي فَواجِعَ عِدَّةً، وَرَحَلَ عَنِّي أهلي جميعًا وَلَكِنَّ بَعْضُ الرَّحيلِ مُفْجِعٌ وَمَرَّ، لَا يَتَحَمَّلُهُ قَلْبُ بَشَرٍ؛ رَحيلُ شَقيقِي الشَهيدِ عَبْدِ الخالِقِ مَحْجوب، لَكِنَّنِي لَمْ أَتَمَثَّلْ قَوْلَ الشّاعِر:
رَمَانِي الدَّهْرِ بِالْأَرْزَاءِ حَتَّى فُؤَادِي فِي غِشاءٍ مِنْ نِّبالٍ
فَصِرْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهامٌ تَكَسَّرَتْ اَلْنِّصالُ عَلَى اَلْنِّصالِ
فَمَا زَالَتْ هَذِهِ اَلْنِّصالُ تَغْرِسُ سِنانَها الحدّادَ وَتُصيبُ الفُؤادَ فِي مَقْتَلٍ، وَقَدْ أَضَافَ نَقْصُ فِراقِكِ يَا مَنارَ إِلَى فُؤَادِي الجَريحِ نَصِلًا آخِرًا لَا يَقِلُّ حِدَّةً عَنْ سابِقاتِهِ.
لِكَيَّ الرَّحْمَةَ حَبِيبَتِي، وَسَحائِبَ الغُفْرانِ تَغشَى قَبْرًا ضَمَكَ مَا بَزَغَتْ شَمْسُ وَغفْلَتْ، فَانْعَمِي بِجِوَارِ الصِّدّيقينِ والشُّهَداءِ، وَلْوَالِدَتِكِ بِنْتُ المُنَى أَحَرِ التَّعازي وَبَناتِكِ وَابْنِكِ وَشَقيقِكِ وَشْقِيقَاتِكْ وَزَوْجِكِ وَكُلُّ مِنْ عَرَّفِكِ وَعَرِفَ فِيكِي خِصَالِكِ المُتَفَرِّدَةُ اَلَّتِي لَا تَتَوَفَّرُ فِي الكَثيرِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، أُعَزِّي نَفْسِي وَأَعَزّي أُخْتَكَ وَشَقيقَتُكَ ابْنَتِي رُقيَّهُ مُصْطَفِي أَبُو شَرَف.
إِلَى جَنّاِتْ الخُلْدِ حَبِيبَتِي
صَديقَتِكَ وَأُمِّكَ فاطِمَةُ مَحْجوبُ عُثْمانَ