
ظلّ السودان تاريخياً من الدول القوية والمتميزة علي نطاق العالم .. فقد قامت علي أرضه وبشعبه أقدم الحضارات الإنسانية علي وجه الأرض .. و تسري في دماؤه وعُروقه ومُنذ ألآف السنين جينات الفِرسان و الملِكات و المُلوك وشُجعاء الإنسانية ، وقد شهِد له بكل هذا الأعداء قبل الأصدقاء ممن حاربونا وخبرونا في شيكان و في كرري .. شعب ودولة إذن لهُما جُذور ضارِبة في التاريخ والحضارة ..
وفِي التاريخ الحديث و إلي ذهاب الإِستعمار ظلّ السودان كذلك مُتميزاً علي كثير من دول العالم الأُخري من حولنا .. إقتصاداً وفي كل المجالات ، صحيح كان يُصنف حينها من الدول النامية نسبةً لحداثة خروجه من الإِستعمار ، لكنه لم يكُن فقيراً أو ضعيفاً ومُنقسماً أو مُحتاجاً للآخرين .. بل ساهم شعباً وحكومة في تنمية وتطوير العديد من دول المنطقة خاصة في الخليج العربي ..
وكان قِبلة لكل دول وشعوب القرن الأفريقي و اليمن ودول الجوار الغربي ، ولكننا نعترف أن سوء إدارته ومن تعاقبوا علي حُكمه ساهموا في دحرجته إلي القاع ، فقد نُكب بالحُكومات العسكرية والشمولية والراديكالية المُتطرفة والفاسِدة مُنذ إستقلاله حتي عهد الكيزان القريب ما قبل ثورة ديسمبر .. ونجح الكيزان في تحويله إلي دولة تُصنف من أفقر دول العالم وفي آخر قوائمه ضُعفاً وهشاشة وإنقساماً وحرباً أهلية وصراعات داخلية وفساداً ، نعم تلك هي الحقيقة ، ولكن في ذات الوقت وبعد حُدوث الثورة بدأ السودان في التعافي ومحاولات النُهوض مُستلهماً روحه الأصيلة كأحد أهم دول العالم في الثروات الطبيعية والكنوز المخفية وفي جينات شعبه وعظمته بين كل شعوب الأرض وفي تنوعه الفريد ..نعم نحتاج أن ننهض وأولي مظاهِر النُهوض هي أن تتغير نظرتنا إلي أنفُسنا وتلمُس عظمة هذا البلد وقوته الكامِنة .. نحتاج تفجير طاقتِنا كشعب في الإنتاج والتعمير والإلتفات والتركيز علي النهج والطريق الذي يقودنا لذلك .. وأن نستمر في نضالنا كشعب من أجل التحرُر من قيود أي تبعية والتصميم علي التمسك بمبادئ ثورتنا وعدم الرُجوع للوراء مُجدداً مهما كلفنا هذا من جُهد لصالح سودان المُستقبل والأجيال القادمة ، ولكي نستمر أيضاً في التعافي لابُدّ من إنتهاج سياسة خارجية تُعضد مصالِحنا وإِستقلاليتنا ، نُصادِق الأقوياء ولا نتبع لأحد .. نستجمِع قوتنا ونستلهِمها ونُواجه بها ، فالعالم لا يلتفِت للضُعفاء .. نُكون شُركاء لأقوياء العالم وفقاً لمصالِحنا ونستفيد من الشراكات الإقتصادية هذه مع تلك الدول التي سبقتنا في التكنولوجيا والصناعة والتطور ، وأن نستغِل مواردنا وثرواتنا الطبيعية في هذا الإتجاه مع التقيُّد الصارِم بمُكافحة الفساد .. وأن ننفتح علي كل دول العالم و أن لا نُغلق أنفُسنا إقليمياً فقط و في دول مُحددة ! ..
نحتاج للتمسُك بمسار ومبادئ الشُهداء في التحول للدولة المدنية الديمُقراطية الحديثة ورمي كُل مُخلفات السُودان القديم والدجل والخُرافات و الشُمولية والعُنصُرية والجهوية ، و التمسُك بالوحدة علي أُسس العدالة والمُساواة والحُريات فكُل هذا كان مهرُه غالياً ولايزال الطريق نحو تحقُق أحلامُنا جميعاً في إحداث مثل هذا التغيير ملئ بالعقبات والعراقِيل ، والتي تتطّلب إلتفاف كُل قوي الثورة والشعب السُوداني لأجلها ..
أخيراً نكتُب لحكُومة الثورة أن ضَعُوا السُودان في مكانِه الصَحيح ، وكونوا في قامة من أتوا بِكُم لقيادِته في هذه المرحلة الحرِجة من تارِيخه .. كونوا إمتداداً لتضحياته ، نعلم أن المُهِمة شاقة ، لكن وبِعزّمِنا جميعاً وتصميمنا علي أهدافِنا ومهما تآمروا علينا داخلياً وخارجياً فإنّا حتماً سننتصر ونصِل مُبتغانا ..