مقالات سياسية

إشارة خضراء

ناهد قرناص

كنت أقود بسرعة متوسطة.. .الاشارة خضراء أمامي.. اذا بشخص ما يحمل في يده عصا صغيرة حمراء تلمع في ضوء.. يشير الي بالتوقف.. توقفت وشاهدته وهو يشير الى رتل من السيارات للمرور.. سيارة احد المسؤولين …أمامها سيارة وخلفها سيارة.. النوافذ مظللة تماماً.. لم أتبين من بداخلها.. لكني تابعت الموكب حتى توقف أمام احد البيوت.. يبدو ان المسؤول عائد الى منزله بعد طول عناء.. تساءلت هل المسؤول (وزاري ) ولا (سيادي )؟..لم أجد اجابة شافية.. اذ لا أحد يتحدث.. ولا شئ يظهر.. انما يجب علي افساح الطريق حتى تمر سيارة السعادة.. اما سيارتي العتيقة فلا بواكي لها.

اذكر انني طالبت في مقال سابق بأن (يرتكب) المسؤول المواصلات.. فراسلني أحد الاصدقاء بأن ذلك سيضيع وقت المسؤول طوال اليوم.. ونحن في حوجة لذلك الوقت.. فقلت له صدقت.. يبقى ان كان لابد فاعلا .يقود السيارة بنفسه او حتى بسواق.. لكن يقود معانا في ذات الازدحام في الشارع.. يقف مثلنا في الاشارة.. وينتظر ضابط المرور للحضور لكي يفك اشتباك السيارات في حالة الكهرباء المقطوعة طوال الوقت هذه…

متى يحس المسؤولون بمعاناة شعبهم ؟ ان كانوا لا يقفون في صف الرغيف.. ولا صفوف البنزين.. ولا يمتطون الحافلات.. وتفرغ لهم الشوارع لمرور سياراتهم؟…والقيادة قصة أخرى .. ذلك انهم يقودون بسرعة عالية جدا.. لا يأبهون لشارة حمراء.. متجاوزين كل القوانين.. وهذا الأمر في كل السيارات النظامية.. سيارات الشرطة نفسها لا تقف في اشارات المرور.. وتتجاوز كل الصفوف.. وهي المناط بها تطبيق القانون.. فتأمل.

قبل ايام شاهدت فيديو لمجموعة اطباء ارادوا لقاء وزير الصحة الاتحادي لمناقشة بعض مشاكلهم.. رفض هو مقابلتهم.. بل لم يتكرم حتى بالنزول من سيارته والاعتذار لهم لانشغاله.. وكان من الممكن ان يمتص غضبهم لو انه ترجل واستمع لكلامهم ومن ثم وعدهم خيراً .. وبس خلاص.

فجأة أتاني خاطر بأن سيارات المسؤولين هذه بها شئ خاص.. سحر مثلا.. او شئ من هذا القبيل.. يعني الواحد يكون مواطن عادي كدا.. يألم كما نألم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. مجرد ما يبقى مسؤول ويمتطي احدى هذه السيارات.. طوالي يركب مكنة كوكب زمردة.. ويبقى زي هلال العيد.. ننتظر طلته في السنة مرة.. ويصير شعارنا (ان قلنا نشكي.. وين نشكي ليك.. وين نلقى دنيا.. تجمعنا بيك..)..

بداية الثورة.. ظهرت صورة لحافلة تضم الوزراء جميعهم.. فاستبشرنا خيراً.. لكن يبدو ان سائق الترحيل لم يتفق معهم في الأجر.. فما كان منهم الا ان امتطى كل واحد سيارة آخر موديل.. ومعاها (كيكة) عبارة عن سيارات الحاشية الأمامية والخلفية.. والحمدلله ان الحاشية تلازم المسؤول فقط ولا تمتد لأفراد الأسرة.. لأن ذلك يعني اننا سنقضي حياتنا في انتظار مرور المواكب السيادية.

حالة (الدلع) التي لازمت الوظائف الدستورية والتنفيذية يجب ان تتوقف.. هذه الوظائف هي وظائف حكومية عادية وان علت في رتبتها.. والسيارة امتياز وظيفي.. لكن لا يجب أن تشكل حاجزاً يحول بين المسؤول وشعبه.. فشنو.. ..زاحمونا في الشوارع.. توقفوا معنا في الاشارات.. .دعونا نتعرف عليكم.. نلقي عليكم التحايا ولو من على البعد.. .. وقصة الحاشية هذه بالله عليكم تخلوا عنها.. فهي صرف بذخي ونوع من ال(شو) ما أكثر.. .ووو.. يبدو انني سرحت فعلاً عندما طالت وقفتي في انتظار مرور عربة المسؤول.. .. اذ انني أفقت على طرق زجاج السيارة.. والرجل يقول لي بابتسامة واسعة (ما قلنا ليك اتحركي يا استاذة.. العربية بطلت منك ولا شنو ؟)

الجريدة

‫2 تعليقات

  1. اعيش في سويسرا بلد الرفاهية منذ اكثر من اربعين عاما. يوما ما وكان يوم احد استغلت معي نفس بص المواصلات العامة رئيسة الدولة لذلك العام، مدام روث دريفيوس. كانت واقفة في البص ولم تجلس رغم خلو المقاعد، كعادة كل مسؤولي الدولة في منحهم الاولوية للمواطنين العاديين. بعد ان نزلنا في نفس المحطة تلفت يمنة ويسرا لأرى ان كانت هناك حراسة ام خفر ام جنجويد يتولون حمايتها، نزلت لوحدها وتهادت سيرا على اقدامها الى منزلها الذي لم يكن يبعد عن محطة البص. والمنزل شقة متواضعة لم تتركها منذ ان كانت نقابية تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. المرأة في الاصل يهودية جدها كان جنرالا في الجيش الفرنسي تم اعدامه في تزامن مع حملة الجنرال مارشان الى فشوده في نهاية حكم الخليفة عبد الله التعايشي، وقد تمت تبرئته لاحقا بعد ما يقرب من القرن واعادة الاعتبار له. كان هذا سلوكها وخلقها في ذاك المجتمع المتحضر، فالوظيفة لا تضيف لها شيئا او تمنحها جاها مفقود.
    والكل يعرف كيف لقى اولف بالما رئيس وزراء السويد مصرعه وهو خارج من السينما متأبطا مرفق زوجته حيث اعتدى عليه مهوس وقتله. لم يكن بالما يتحسب لذلك الامر لأنه افشى العدل الاجتماعي بين الناس في السويد وذهب الى السينما لايخشى حتى الذئب الفالت الذي اتضح اخيرا انه لم يكن سويديا.
    لن نكون كهؤلاء القوم طالما ظل العقل الرعوي يتحكم في سلوكنا. وشكرا لدكتور النور حمد الذي نبهنا الى حقيقة العقد المتأصلة فينا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..