مقالات سياسية

دور الإحصاء المحوري في التخطيط السليم للتنمية

كيف يمكن ان يلعب الاحصاء دورا محوريا في التخطيط السليم للتنمية الصناعية بالسودان: جدول المدخلات والمخرجات نموذجًا.

احمد الياس

علم الاحصاء له دورا مركزيا في تجميع و تصنيف وتحليل المعلومات في اي دولة بغرض الاستفادة منها في مناحي عدة اهمها التخطيط الاقتصادي.
احد الادارات المتخصصة في الاحصاء هي ادارة الدخل القومي المعنية بوضع الاطار المفاهيمي والمحاسبي الشامل لتجميع إحصاءات الاقتصاد الكلي والإبلاغ عنها عملية تحليل وتقييم أداء الاقتصاد.

من ضمن النماذج الاحصائية التي تنتجها ادارة الدخل القومي هو جدول المدخلات والمخرجات ، الذي يُعرف بانه قاعدة البيانات التفصيلية التى تسهم في توضيح الترابط وقوته علي مستويات متعددة بين انشطة الاقتصاد المختلفة. وهو ايضا أداة التنبؤات الأكثر فائدة في تحديد و تقييم السياسات التي تنتهجها الدولة ودراسة التغييرات والتحولات الهيكلية للاقتصاد من خلال التوصيف الدقيق لعلاقات البيع والشراء بين المنتجين والمستهلكين. كما يوفر الجدول مصفوفة معاملات بين الصناعات المختلفة وكيفية تاثيرها علي الانشطة الاخري مما يمكن الدولة من الاستفادة القصوي من الموارد الشحيحة المتاحة لاختيار قطاعات رائدة قادرة تأسس لتخطيط تنمية صناعية مستدامة.

كانت بداية اصدار جدول المدخلات والمخرجات والعمل بها في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الامريكية بواسطة بروفسير واسيلي ليونتيف الذي حصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام ١٩٧٩ لاسهامه الكبير في هذا المجال. ولقد تم الاعتماد علي الجدول في التخطيط الامريكي المركزي لنجاحه في تقديم صورة شاملة للنشاطات الداخلية للاقتصاد الأمريكي ، كما اظهر علاقات الإنتاج الحقيقية بين الصناعات والسلع التي مكنت الدولة و الشركات من استخدام بيانات المدخلات والمخرجات لتطوير التوقعات الاقتصادية ونماذج التنبؤات .

كان هذا فتحا جديدا تبنته الكثير من دول العالم بعد ذلك، و منها النمور الاسيوية لذلك لم يكن مستغربا ان لعب جدول المدخلات والمخرجات في ماليزيا علي سبيل المثال دورا مركزيا في التخطيط لنهضتها الصناعية وتقيمها. حيث تم تاسيس مصلحة الاحصاء الماليزية في العام ١٩٤٩، وبدات في اصدار اول جدول علي اساس علمي في العام ١٩٧٨، حيث تواصل اصداره بشكل منتظم حتى الان . يحسب للجدول الماليزي انه كان اساس التقييم و التجويد في خطة التنمية الصناعية الخمسينية التي بدات في العام ١٩٧٠. وايضا كان له الاثر الاكبر في تجويد عمل مصلحة الاحصاء من خلال اعتماد التخطيط العلمي .

مصلحة الاحصاء في السودان تم انشائها بواسطة المستعمر في العام ١٩٠٣. من المفارقات انه لم يتم انتاج و استخدام جدول المدخلات و المخرجات بصورة رسمية حتى هذه اللحظة. والمرة الوحيدة التى تم فيها اصدر الجدول كان محدودا وغير شامل في ستينيات القرن الماضي.
وان كان توجد بعض المحاولات الاكاديمية لاصدار بعض الجداول التى تم نشرها في المجلات العلمية.
مما سبق ذكره تتضح اهمية تبني اصدار جدول مدخلات ومخرجات علي اسس علمية حديثة تعتمد علي مصادر اولية متكاملة.

ومما يجدر ذكره ان اخر تعداد للمسح الزراعي او الصناعي في السودان قد تم في ستينيات و سبعينات القرن الماضي علي التوالي كما كان اخر تعداد سكاني في العام ٢٠٠٨ قبل انفصال الجنوب. المدهش حقا ان يعتمد الجهاز المركزي للاحصاء الان علي نظام قياس الدخل القومي القديم للعام ١٩٦٨ الذي يسمح بالاعتماد علي مصادر ثانوية، وليس نظام قياس الدخل القومي الحديث للعام ٢٠٠٨ الذي يعتمد في المقام الاول علي مصادر اولية.

البلاد وهي تستشرف عهد ثورة ديسمبر وفي ظل انفتاح السودان على المجتمع العالمى ومؤسسات التمويل الدولية من المتوقع تدفق الاستثمارات علي البلاد. على الجهاز المركزي للاحصاء تقع مسؤولية كبيرة ، عليه يشرع فورا في تاسيس أدارة متخصصة لجدول المدخلات والمخرجات داخل او خارج ادارة الدخل القومي والبدء في اصدار الجدول.

يمكن الحصول علي تمويل كامل من الامم المتحدة و المؤسسات الدولية لانشاء هذا الجدول. الجدير بالذكر ان المسح الزراعي الشامل تم تمويله بالكامل من بنك التنمية الافريقي في مؤتمر برلين الاخير و هذا يمثل جزء كبير من تكلفة انتاج الجدول.

عدم اصدار الجداول تلقي بظلالها الداكنة على نجاح مجمل العملية الاستثمارية ومن هنا نناشد السادة مدير الجهاز المركزي للاحصاء، وزير المالية، وزير الصناعة وسعادة رئيس مجلس الوزراء

 

‫2 تعليقات

  1. دة ردي على مقال أخونا الأستاذ أحمد الياس
    ما من شك أن الاحصاءات والمعلومات هي العمود الفقري للتخطيط السليم الذي تقوم عليه التنمية المستدامة، العالم يشهد ثورة المعلومات وقد أصبحت القرارات في كل المجالات الحيوية من صحة، تعليم وحتى الاجتماع والاقتصاد تقوم على الحجة والبراهين evidence based
    أجهزة الإحصاء في الدول المتطورة وحتى الدول النامية لها الدور المحوري في استخراج المؤشرات التي ينبني عليها التخطيط وصنع القرارات وصياغة السياسات والاستراتيجيات،
    الجهاز المركزي للإحصاء في السودان ما يزال يستعمل نظم ومنهجيات عفى عليها الزمن لاستخراج المؤشرات الهامة لأسباب كثيرة، منها المادية والسياسية، وربما أهمها أن النظام السابق لم يولي الجهاز المركزي للأحصاء الاهتمام اللازم ولم يجتهد في تفعيل الدور الكبير المنوط به كحجر الزاوية والأساس الذي تقوم عليه التنمية المستدامة،
    في هذه المرحلة المفصلية والتاريخية من عمر الوطن لا بد من التركيز على أهمية المعلومات والمؤشرات السليمة التي ينتجها الجهاز للارتكاز عليها من قبل واضعي السياسات وصانعي القرارات في هذه الدولة الوليدة،
    تطرق المقال الى جداول المدخلات والمخرجات وهي من الأهمية بمكان لأنها تصنع قاعدة بيانات ضخمة وتفصيلية لكل العمل الإحصائي وتسهل كثيرا استخراج المؤشرات المطلوبة بصورة دورية
    ولا يخفى أيضا أهمية الانتقال الى النظام الحديث في حساب الناتج المحلي الإجمالي والحسابات القومية، فنظام ١٩٦٨ المستخدم حاليا يعتمد على السجلات الادارية بالاضافة الى انه لا يتضمن الكثير من القطاعات التي لها مساهمة مقدرة في الناتج المحلي الاجمالي كمثال لذلك القطاع غير المنظم،
    يجب تكريث الجهود واستقطاب الدعم المادي والفني من منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية وبسرعة لإدخال جداول المدخلات والمخرجات والانتقال الى نظام٢٠٠٨ للحسابات القومية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..