أذكروا مجد عادل الفنان (م 1959 – 2003)

وجدان جزل… عمره العطاء..
علي الأمين
أذكروا مجد عادل الفنان
(م 1959 – 2003)
(ان طاقة الإبداع إذا كانت حقيقية وكثيفة فانها تصهر جسد الفنان)
بودلير
(1من3)
هو عادل علي أحمد محمد نور… وكأننا كنا علي موعد معه..واتفاق مسبق،،ليضعنا هنا.. في مرجل الأحزان.
معرفتنا به تكونت في أيام قليلة وأسابيع، وأشهر معدودة، وسنوات مرت علي عجل لا يدركها المدرك إلا عند المنتهي.
لقاءاتي الأولي به كانت عابرة وسريعة في ممرات وميادين واستوديوهات كلية الفنون الجميلة والتطبيقية،(بجامعة السودان) في مطلع الثمانينيات وحين أعلن عن موعد تحرك الرحلة الدراسية الأولي لطلاب السنة الأولي لمنطقة جنوب النيل الأزرق،والزملاء الدفعة لم يعرفوا بعضهم بعض بعد،انتهت بنا رحلة القطار من محطة السكة حديد بالخرطوم إلي محطة السكة حديد بالدمازين لنعتلي جميعا ظهر شاحنة عسكريه،ونتجه جنوبا في اتجاه بآو ألكيلي الكرمك،يابوس، وقيسان،خلال ظهر اليوم الثاني والطريق يزداد وعورة ويطول، فجأة انطلق صوت جهور يغني،ٍوعلي أثره أفقنا،من تحت عناء السفر،دبت الحياة في الجميع،انه صوت ميزته القدرة علي التعبير، نبرة صوته فريدة جدا،كان غناء، دراميا،حيث استدارت نحوه الرؤوس والعيون وتعلقت به الأبصار،كان يحرك يديه ويميل بجسمه حيث تبرز المعاني… جذب الجميع، طاقة هائلة ظاهرة للعيان، مشاعر عميقة متدفقة تنبع من وجدان عامر بالإنسان، وأداء لا يخلو من الطرافة، وسرعة وبديهة إذ يعدل بعض من كلمات الأغاني المعروفة لتتفق الزمان والمكان والأجواء، والسامعين حوله، انه صوت عادل الذي عرفوه فيما بعد، باسم (عادل تنقو) واشتهر به بين جميع زملائه،ومعارفه لشدة وكثرة ما أضحكهم، وأبكاهم !،ومن حينها نتحلق حوله جميعا..شفيفا يدخل القلوب مباشرة، يأسر في كل حركة وإيماءة.
حيثما نقيم، في أي من القري والمدن التي شملها برنامج الرحلة،كان عادل مثلما يرسم ويلون ضمن برنامج الرحلة الدراسي في الفترة الصباحية والظهيرة،كان أيضا يرسم البرنامج المسائي، ويعد له بكل جدية، اذ استطاع وبملاحظة الفنان أن يجمع كل أصحاب الملكات والقدرة في فرقة عرض مسرحي مكتملة الأركان، تقدم اسكتشات مسرحية قصيرة فكاهية ذات مضمون ومعني، وجدت قبولا وتجاوبا من أغلب جمهور حاضريها، فيما تمكن زملاء وزميلات أخريين من تكوين فرقة عزف موسيقي، مكتملة تؤدي وصلاتها الغنائية بين كل اسكتش مسرحي وآخر.
كان عادل يسرد علينا النصوص، من ذاكرته، ويوزع علينا الأدوار، ويحدد لكل شخصيته التي يجب أن يلعبها علي المسرح ويرسم لنا الحركة علي الخشبة، ويحدد لنا الأزياء، ويدربنا علي أساسيات الأداء المسرحي، الصوت، حركة الجسم والأطراف، اتجاه النظر والتفاتات الوجه، وتقسيمات المسرح أعلي وأسفل، ويمين ويسار الخشبة، ومن تلك الاسكتشات المسرحية الصغيرة،انفتحت أعيننا وعقولنا علي رسالة المسرح الكبيرة، لقد أدي، الفنان عادل، ذلك بمعرفة ومحبة، طاغية وعظيمة، لفن المسرح. وفي أوقات الأنس والحوار كان يحدثنا بحماس عن نظريات الإخراج المسرحي، ويحكي عن تجارب أساطين المسرح العالمي.. ومؤلفي المسرح استانسلافسكى.. صمويل بيكيت.. برتولت بريشت.. وغيرهم وتاريخ المسرح اليوناني القديم.. وأساطيره،، وبدايات وتاريخ المسرح في السودان.. ويختلط لدينا الشعور بالإٍعجاب بما يفيدنا به مع الخجل من مقدار جهلنا قبله من جملة الأمر وعدم اهتمامنا بالمسرح وأهميته لحياة الشعب والناس والأمم، ويحيلنا عادل إلي أسماء كتب ومراجع، ضرورية يتوجب علي الممثل والمخرج المسرحي الجيد دراستها بعمق ليس لمجرد الاطلاع، ليحدد أي مسرح يود أن يشيد، و وفق أي، منهج، وأي مضمون وأي موضوع، مسرح، ومن هو ممثله ولمن يمثل.. وكيف يخرج وبأي رؤية،،((الآن أذكر وجوه وعيون أطفال القري والمدن البعيدة النائية، ونساؤها ورجالها، علي سفوح وقمم، أعالي جبال النيل الأزرق، وقد ضجت بالضحك المعافي، علي ضوء الفوانيس في تلك الليالي السعيدة،… سعيدة اللحظات ليتها دامت طويلا))*
لم يبخل علينا عادل بكل ما تعلم في كورس التمثيل والإخراج بكلية الدراسات الإضافية، بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، (كلية الموسيقي حاليا بجامعة السودان). وعند عودتنا من الرحلة الدراسية، أسهم عادل وقاد بذات الحماس إعادة تأسيس جمعية المسرح والسينما بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، حيث زاول عدد كبير من هواة المسرح أنشطتهم من خلال جمعية المسرح والسينما، وهو أحد أعمدتها الرئيسية، وعمدتها، يجلب النصوص ويدعو مؤلفي ومخرجي المسرح من زملائه في معهد الموسيقي والمسرح ويداوم في إشرافه علي البروفات، وفتح لنا كوة تعاون مستمر مع زملاء بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، وتعرفنا عن قرب علي ممثلين ومخرجيين ممن أثروا الساحة الدرامية والثقافية، وبوجه خاص تعرفنا علي الفنانين يحيي فضل الله والرشيد أحمد عيسى و وقرني وعبد الجبار عبد الله وعبد الرحمن الشبلي ومحمد السني دفع الله ومحمد نعيم سعد والمرحوم مصطفي سيد أحمد و المرحوم عبد العزيز العميري والمرحوم طارق فريجون وسلمي الشيخ سلامه وصديقه الحميم جهاد عبد المجيد وأيضا علي بشير سهل والسر السيد، وكان لهذا الالتقاء ثمرة تعاون خلالها مجموعة من الفنانين التشكيليين علي تصميم وتنفيذ أعمال الديكور المسرحي لأعمال الطلاب الخريجين، لفترة امتدت منذ مطلع سنوات الثمانينيات من القرن الماضي ولفترات مستمرة بعدها، ورسخت علاقة التشكيليين بالدراميين والمسرحيين، واكتسب بعض التشكيلين عضوية كاملة في بعض الجماعات المسرحية، ان عملا من مثل هذا لا يبادر به ولا يقوم به إلا المبدعون و لا الكسالى و القاعدون عن أي نشاط، انما قوة وإرادة الفنان الطليعي المبدع جزيل العطاء.
علي الأمين
تشكيلي