أخبار السودان

جيوش التلوين ينتصرون للبنفسج

صديق دلاي

 

من أهم أعمدة الثورة والتغيير هؤلاء الرومانسيون , حملة الريش من التشكيليين الذين حملوا الألوان حجة ورؤية وخطابا ورسالة، وزينوا المدن والقري وكل العواصم، “ب” التي كانت تخاطب كل الناس بلغة فعالة وبليغة، مليئة بالمحبة والجمال , توثق للتضحيات العظيمة الباقية والدائمة.

كانت ثورة حقيقية قوامها جردل بوماستك، وريشة، وشباب شفاتة، وكنداكات من الفنانين المبدعين، يتسلقون الحيطان، ويرسمون الصور الملهمة , يرسمون التحدي والتفاؤل والأمل. ويرسمون بشكل مؤكد مسيرة الثورة، وتداعياتها الحرة، ومحتوياتها البديعة، وافكارها الرامزة والكبيرة، وأحداثها الكامنة وراء اللون والطبيعة والفضاء.
كانت “الجداريات ” لوحدها عملا جبارا وضع التفاصيل يوميا أمام عيون المارة من كل الأجيال، بتوثيق فنان بارع ولماح للمجد والتايخ والإنسان، فكانت دعوة خلاقة مستمرة،

تعتبر قبيلة التشكيليين من الفئات المظلومة منذ زمن طويل، لطبيعة مهمة في هذا الفن، والذي يرتبط بشكل أساس بتطوير الحياة من حوله. وحتى يأخذ حقه من الاعتبار والانتشار والتذوق لا بد أن يجد حظه في بناء عافية الوطن. كما تفعل الذرة، “والمزيغا”، والحريات.

بهرتنا “الجداريات ” في كل مدن السودان، ومن داخل القرى والفرقان لن تخطئ عينك جدارية رامزة، وقصة الثورة في تجليات محلية، حتي تحولت لحظة في حياة رفقة صائدة البمبان إلى مهيرة أخري في خيالنا العام.
و”الجداريات” فعلت الكثير من التغيير داخل المزاج العام، ورسمت طريقا من التفاؤل والخطى التي لابد أن نمشيها بالعزيمة والإصرار والتجرد.
هذا الفن الصبور على متلقيه وجد فرصة ثمينة وتقدم الصفوف بجيوش من الشباب النشط والمبدع، وقد أتقنوا تجميل دنيانا من ذاكرة العين. تسعد النفوس، وتضع في الاعتبار أن الثورة والتغيير شئ حقيقي. وتفاصيله ماثلة، ويمكن ملامسته من الشارع العام جمالا وإلهاما وتجردأ، قل إن يتكرر في مقبل الأيام.

كانت “الجداريات” الجيش الذي نزل الشوارع فورا بعد معارك المواكب والمظاهرات، وبعد أن انتصرت الثورة السلمية على البمبان والبارود والعنف الذي كان يقوده الأشرار من على تاتشرات “الكجر” . وكل المآسي أن تكون أعزلا وأمامك عدو متهور حاقد وأناني جدا لا ينتبه الى أن الروح التي حرم الله قتلها يمكن انتشالها في لحظة مجنونة بأمر التنظيم والشمولية والاستبداد.

أحتلت “الجداريات ” حيطان المدن بالألوان والجمال في كل مكان، وأصبحت العين مثقفة من مشاهد عزيزة على النفس، تقدم مادة يومية تغذي الذكريات بذكريات أخرى، وتفاصيل منسية. وبالرغم من اليد الغادرة التي شطبت أثار “الجاريات” في ميدان القيادة العامة، فهي تخطئ القرار، وتثبت النوايا، وتضيع من ذاكرة الحيطان أجمل الأيام وأحلى الأحداث لجماهير الشعب السوداني من نيالا إلى جبيت ومن دنقلا إلى زالنجي، إلى الفاشر وعطبرة وسنار ومدني والقضارف , تظل الذكريات محفورة في صدورنا وعقولنا. فمن يمسحها من هناك؟

إنها ذاكرة وطن، ومن يشطبها يعني ما يفعل. وتلك تكاليف الخروج عن المألوف. وأظنه قرارا متهورا وخاطئا له ما بعده، متشابكا مع أحداث أخرى.

ومادام أن الحصة وطن.. فلماذا تجريم “جداريات” القياة العامة؟ ومهما كانت الإجابة عن السؤال البسيط : من شطب “جداريات” القيادة،؟ وباي قرار؟ ، وبأي حجة، وما هو المؤذي فيها؟ وكيف تم مسح كل ذلك الجمال بأي رغبة وتحت اي لافتة؟ وهل تم العمل ليلا أم نهارا؟ ,
إن هذه “الجداريات” ستظل هي العمل البديع ، و في المقدمة من تفاصيل ثورة ديسمبر المجيدة. وقد أصبحت واقعا وثقافة تشحن رصيدا وافرا من الشعور بتفاصيل أيام الثورة وأحداثها ومساراتها. وفي كل مكان أنت ذاهب إليه، لابد أن تواجهك “الجداريات” في الاستقبال والأذقة بذات الثبات والكبرياء والإلهام المستمر، تشع منها رسالة مستمرة، وهي عمل جليل غالبا ما يقوم به المبدئيون من الثوار الأحرار.

فمتى يتم تكريم هذا الجيش الملكي المغوار، الذي يواجه الحياة بريشة وبراميل من مادة الألوان، وإبتسامة عريضة، ترسم على الجدار بعد الجدار قصة توثق لثورة مجيدة؟ متى…. ؟
(ومافي ذلك أدني شك).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..