مقالات وآراء سياسية

حول التاسيس لسلام دائم !!

محمد مهاجر

على الرغم من البطء الشديد الا ان الخطوات الجادة لوقف الحرب في جنوب كردفان والنيل الازرق تشكل إضافة نوعية لعملية ارساء البنيات الأساسية للسلام الدائم. ولان الميل الى الحرب هو السمة الأساسية للإنسان فان الجنوح الى السلم في حد ذاته يعد نصرا مهما للوطن والمواطن. ولان بناء وترسيخ مجتمع السلم يعنى الحيلولة دون اهدار المزيد من الأرواح وتدمير المجتمعات والثروات فان اى ثمن يدفع من اجل هذه الغاية لا يعد تضحية بل هو واجب على كل مواطن.

لقد نبه الفيلسوف الالمانى ايمانويل كانط الى أهمية عدم سعى الدول والمجموعات المتحاربة الى تدمير الثقة فيما بينها في وقت الحرب لانها حتما ستحتاج اليها في وقت السلم. واذا دمرت الثقة فان إعادة بناءها ستحتاج الى تعاون كامل بين الطرفين المثقلين بتركة الحرب وهواجسها والشكوك والمخاوف والمرارت المؤلمة. عونا على ذلك فان اعادة بناء الثقة يعتمد دائما على أسس ومبادئ ومرتكزات جديدة.

لقد نشر عدد من المواقع الاسفيرية شريط فيديو ظهر فيه والى شمال كردفان السابق احمد هرون, وهو احد المتهمين من قبل المحكمة الجنائية بجرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية, ظهر وهو يخطب في جنوده ويحضهم على الا ياتوه باسير وهو على قيد الحياة, وهو تحريص صريح وتخويل سلطة قتل الاسرى الى اى فرد من عساكره. ولم تشن حرب الإبادة في جبال النوبة وحدها بل شملت عدة ولايات بما في ذلك دارفور التي لم تستطع اتفاقيات السلام الكثيرة ان توقف الحرب والدمار فيها.

ان افلات الجناة من العقاب لا يدمر الثقة في نفوس الضحايا فحسب وانما يفتح شهية القتلة الى ارتكاب المزيد من المجازر وتدمير القرى والمدن وتشريد السكان وانتهاك حرماتهم. وقد ظن البشير انه خالد في الحكم فطفق يوزع التهديدات ويستهزئ بالدول والمؤسسات والمنظمات الدولية, والان ينتظر مصيره المحتوم وهو جاثم في محبسه. وفى دارفور ما زال المواطن يحصد ما زرعه البشير وزبانيته من ازهاق للارواح وحرق للممتلكات وتشريد واغتصاب وابادة.

ان تحقيق السلام الدائم هو عمل اكثر صعوبة من شن الحرب لانه أولا يتطلب ان تنشط الأطراف كلها وتشحذ الهمم من اجل إعادة بناء الثقة. وهو يعنى ان يخوض الانسان في المقام الأول حربا ضد نفسه الامارة بسوءات القتل والظلم والتدمير. وهو يعنى ثانيا ان تتعاون كل الأطراف وتقدم التنازلات والتضحيات الجسام من اجل الغايات السامية. ومنذ بدء القدم كان الانسان عدوانيا يقتل ويسلب ويظلم ويغتصب حتى في زمن المشاعية. لهذا فان إرساء السلام يتطلب جسارة واستعدادا فكريا ووجدانيا.

ان اغلب النزاعات لم تحسمها الحرب بل كان الحل الدائم والناجع هو الحل الذى اتى عن طريق التفاوض. والتفاوض يتطلب الجدية والمرونة معا. فمن ناحية لا يحق لاى بشر ان يرغم الضحايا على التخلي عن حقوقهم في القصاص وإعادة الاعمار والعودة الى قراهم ومدنهم وحقهم في التعويضات وجبر الضرر وان يترك لهم الخيار في قبول العفو او رفضه. وفى نهاية المطاف لا يستطيع اى بشر ان يعيد الموتى الى أهلهم واحبابهم او يرمم كرامة المغتصبة التي انتهكت.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..