
لماذا يشعر المواطن بأنه غريب في وطنه…يشاهد ويراقب ويتحسر ولا يفعل شيئا وكأن الأمر لا يعنيه شخصيا..ولكنه يتمني ويريد شخصا اخر ان يقوم ، نيابة عنه، باصلاح الحال..
من نظريات التعلم في مادة التربية، ما يسمي بانتقال أثر التعلم، وهو يعني سهولة وسرعة التعلم في المجالات او المهام المتشابهة…فالفتاة التي تجيد الضرب علي الالة الكاتبة ، او الكيبورت في الحاسوب، مثلا، يسهل عليها تعلم العزف علي البيانو بطريقة أسرع وافضل من غيرها..والذين ينشدون ( المديح) في سرادق أهل التصوف ، يسهل عليهم الانتقال الي حفلات الغناء واطراب السامعين…والعكس صحيح.
وكذلك الامر في الشعور والوجدان والتفكير الخرافي بسبب التاثير الجماعي وثقافة القطيع..خاصة عندما يقل تأثير الثقافة النوعية في محيطها المحدود…فالأطباء لهم ثقافتهم النوعية، وكذلك المهندسين، وحتي اصحاب ورش السيارات والدلالين وسماسرة السوق والشماشة.
وبالطبع، هناك قطاع كبير من الناس، خارج هذه الثقافات النوعية او مشتركين في اكثر من ثقافة نوعية..خاصة في المدن الكبيرة التي تنزح لها الثقافات من كل نوع …وهنا تهتز القيم وتختلف الاتجاهات ويفقد الفرد هويته التي كانت تميزه عن الاخر.
: فالمدينة تمثل واقعا متنوعا ، متكثرا، متباينا…ففي المدينة..تلتقي الاضداد ، وتتوافر المتناقضات…
في المدينة..توجد الاثارة والملل..فيها الأمان والخطر، تجمع بين الناس والقبائل وتفرق ايضا بينهم.
في المدينة….يوجد الخير والشرير…والغني والفقير. ..فيها المنعزل والمتكامل…والعاصمة القومية الخرطوم هي خير مثال، في ظل اضمحلال ملامح المدينة
بوصفها الحديث، في بقية مدن السودان.
لهذا كثرت الهجرة وكثر النزوح الي العاصمة القومية في غياب ما يجذب للعيش خارجها…
ولهذا ،فان 80% من قاطني العاصمة القومية هم ليسوا من سكانها الأصليين..وهذا ما نلاحظه في الأعياد الدينية بالذات حيث يسافر هؤلاء الغرباء لمناطقهم فتصبح المدينة خاوية في شوارعها وميادينها واسواقها وتسترد المدينة انفاسها وتستنشق هواء الطبيعة النقي.
ثم تنتهي الاجازات ويعود الغرباء الي المدينة..فيشعرون بالغربة والوحدة خاصة العطالة منهم واصحاب المهن الهامشية..وانهم علي طول حياتهم زوار…تنتفي عندهم تماما كل أحاسيس الانتماء او الوفاء للموقع او المكان الذي يقطنونه الان وقد يفقدونه غدا..
وللأسف ، هذا الاحساس السلبي نحو المكان ، وبحكم نظرية انتقال اثر التعلم التي ذكرناها في مقدمة هذا المقال، ينسحب هذا الاحساس علي حبهم وانتمائهم نحو الوطن الكبير…السودان…فهم فيه دائما غرباء، وتتضأل عندهم الهوية الوطنية ….كل ذلك بسبب غياب
التربية الوطنية عن مدارسنا ومعاهدنا التربوية…فالتربية الوطنية هي سبيلنا في تربية اجيالنا القادمة ان اردنا لها الانتماء لهذا الوطن …وانهم مواطنون وليسوا غرباء..وان الوطن ليس حقيبة او محطة عابرة من محطات الحياة.
د.فراج الشيخ الفزاري
[email protected]
عفوا دكتور نظرية انتقال الأثر أظنك اقحمتها هنا لاضفاء مسحة علمية لمقالك. فانتقال الأثر قد يكون سالبا أيضا ولو انني لا أرى له مكانا هنا. أما الانتماء للخرطوم فهذا لا يبرر التقصير في حق هذه المدينة فخذ عندك مدينة لندن التي نزح عنها سكانها الأصليين أصحاب الملك ليسكنوا الضواحي فتراها خالية نهاية الأسبوع بينما يعود الموظفون وغيرهم لاعمالهم فيها نهارا ولبقية الاسبوع وهي ما هي عليه من النظافة وكذلك مدن كثيرة بهذا الوضع.
فالواضح ان الخرطوم تعاني كبقية مدن البلد من تردي الخدمات وهو نتيجة واضحة لفشل الحكومات التي عجزت عن تطويرها ورفعة خدماتها. فلنحاسب هذه الحكومات التي لم تهمل الخرطوم فحسب بل عم الخراب كل البلد
دفرة لإظهار التعليقات التي يحجبها البليد المزلطح!
كلامك صحيح. الراكوبة الان لم تعد للجميع وهذا الكلام ارجو ان يسمعه المسؤولين عنها فحجب ما لا يعجبهم واضح تماما. وكذلك اقتصر النشر على فئة معينة وأسماء من يغردون على نغمتهم. وامتنع نتيجة لهذا كتاب عرفناهم هنا في الراكوبة أمثال د. زاهد زيد وغيره من الأقلام التي لا تنتمي الا لهذا البد. اذا استمرت الراكوبة في هذه السياسة فسينصرف عنها القراء.
اقتراحي لهم ان يطرحوا هذا الكلام في مقال مفتوح ويروا التعليقات وسيرون عجبا
الأخ العزيز ( خرطومي أصيل ) لك ودى ومحبتي
ومع إحترامي لوجهة نظرك ….
فإن النقطة الجوهرية في هذا المقال هي :
أن شعور المواطن النازح للعمل أو السكن المؤقت في العاصمة القومية ..بإنه غريب ..
ينتقل أثره الي الشعور بإنه غريب في وطنه
ولهذا فإن معظم سكان العاصمة تنقصهم الهوية الوطنية … والإستفادة من النظرية التربوية هنا هي ( محاكاة السلوك ) أي إنتقاله آليا من الذات الفردية الي المجتمع …