مقالات وآراء سياسية

بعد مقتل رئيسها .. تشاد تواجه خطر الصوملة

اسماعيل عبد الله

جمهورية تشاد تواجه امتحان عظيم بعد مقتل رئيسها يوم أمس، هذه الدولة التي تتوسط القارة الأفريقية تتمتع بتنوع ديموغرافي وجغرافي فريد، بعد الاستقلال عاشت فترات من الحكم الوطني غير المستقر، وتكاد تكون اطول فترة شهدت فيها استقراراً سياسياً نسبياً هي حقبة المرحوم ادريس ديبي اتنو، برغم القبضة الحديدية المصحوبة بمسوحات الحاضن القبلي، وشبهات الفساد التي طالت الراحل بخصوص الثروة الوطنية البترولية، تلك الملفات التي لا يعرف سر ايراداتها المالية الا الدائرة الضيقة من بطانة الراحل، برغم كل هذا الا أن السواد الأعظم من الشعب التشادي يرى في ادريس ديبي، ذلك الرجل الذي استطاع أن يحفظ توازن هذه الفسيفساء المعقدة من التداخلات والتشعبات الاثنية والقبلية، هذا مع الوضع في الاعتبار الصحوة الشبابية وارتفاع نسبة الوعي السياسي، لدى الأجيال المعاصرة الباحثة عن التجديد والديمقراطية والحكم المدني الرشيد، الذي يتم فيه تداول السلطة سلمياً بعيداً عن البندقية، التي اصبحت الوسيلة الوحيدة للوصول للكرسي عبر جميع الحقب من تاريخ تشاد الحديث، لكل ما سبق ذكره يرى المراقبون للشأن التشادي أن الوقت ما زال باكراً لدخول الجمهورية في أتون صراعات تعيد البلاد لتلك السنوات الكالحات من سنين الحرب الأهلية.
القبيلة لعبت دوراً كبيراً في حمل الطامحين للحكم الى القصر الرئاسي في انجمينا، طيلة اعوام الصراع حول السلطة بين المكونات الفاعلة في الحقل السياسي، واصبح شبه المستحيل أن تقرأ المشهد العام في تشاد دون أن تستصحب معك هذا العامل الرئيس، ويعزي بعض سكان انجمينا ضمور قبضة ديبي على مقاليد الأمور لابتعاده عن حاضنه القبلي وتعامله المتعسف مع بني قبيله المعارضين لسياساته، وربما هذا هو السند التبريري لأصحاب الرأي المرجح لسيناريو اغتيال الرئيس بطلق غادر خرج من فوهة مسدس احد حراسه المقربين، يرى اصحاب هذا الأتجاه أن المرحوم في آخر أيامه احتاط كثيراً من ذوي قرباه الطامعين في مقعد الرجل الأول، ومن هذه الأسانيد قيامه بتصفية كامل اسرة المرشح المنافس له في هذه الدورة الرئاسية التي لم يقدر الله أن يقضي منها يوماً واحداً، ذلك المرشح تربطه به آصرة الرحم، فكل الدلائل تشير الى أن السياج الفولاذي الأمني الذي كان يؤطر الراحل نفسه داخله قد اختل بسبب هذه التحولات الكبرى في ابعاده لبعض افراد عشيرته، وكما تحدثنا سير واخبار النهايات السريعة والخاطفة للدكتاتوريات أن الانهيار يبدأ أحد الأعمدة الرئيسية للبنيان الذي يستند عليه الدكتاتور بالحياد أو الانحياز للشعب، حدث هذا مع صدام حسين والقذافي والبشير.
المعارضة التشادية المسلحة لم تغادر محطة ما كان قبلها من المعارضات السابقة، ما زالت تعول على تغيير النظام بذات طريقة حبري وديبي، دخول العاصمة من تخوم الحدود الليبية اوالسودانية واقتحامها وطرد او خلع الرئيس القائم، ولم تأخذ في الحسبان آليات الثورة الناعمة المنطلقة من منصات التواصل الاجتماعي، والمتابع لتحركات قادة هذه المعارضة الحاملة للسلاح يلحظ عظم مساحات التباعد الاجتماعي بينها وبين الناشطين الفاعلين عبر الميديا الحديثة، وهذا بحد ذاته يدل على قصور في التواصل مع الطبقة المثقفة وعدم تقدير واحترام الطفرة الاعلامية لتكنلوجيا العصر، ففي عهد الرئيس الراحل زاد تعداد حملة الدرجات العلمية والاكاديمين والمهتمين والناشطين، مقارنة بالعهود الماضية المعتمدة فقط على الكلاشنكوف واللاندكروزر، وهنا يكمن فشل المعارضين في اسقاط ادريس عدة مرات لعدم اكتراثهم لآليات النضال المدني، فضلاً عن سيطرة الاستقطاب القبلي على سلوك قادة الاجسام الساعية لأسقاط النظام، فقد سبق وأن وصلت جيوش القائد محمد نور لعمق العاصمة لكنها اخفقت في انهاء حكم ديبي، للخلاف الذي دب بين قادة الفصائل المسلحة حول مقعد الرجل الأول.
الجنوب التشادي صمت دهراً ولم ينبس ببنت شفة وظل يقبل بفتات الوظائف السيادية العليا، وذلك لحكمة الطبقة المستنيرة به ولأنها نالت حظاً أوفراً من السبق الأكاديمي ابّان وجود المستعمر الفرنسي، لكن يُخشى أن تختتم صمتها هذا بنطق كلمة الكفر بوحدة الدولة وربما سعت للأنفصال، بدافع البحث عن الحقوق والاستنفاع بما تنتجه ارض الجنوب من نفيس المعدن والثمر والزرع والضرع، فلا يظن صفوة ساسة الشمال أن الصمت الجنوبي يعني الرضا بالاستتباع أو مباركة الانقياد لطموح حكام الشمال الوارثين لسلطان الدولة منذ اكثر من اربعة عقود، وللجنوب خصوصيته الموغلة في الافريقانية والمسيحية والفرانكفونية والمتململة من توغل الاسلاموعروبية والعربفونية بمحاولاتها الدائمة لطمس هذه الهوية الجنوبية ذات الخصوصية، هذا المارد الجنوبي سوف يصحو من سباته بعد التطورات المباغتة التي حدثت صباح يوم أمس، فتشاد مثلها مثل غيرها من الدول الافريقية المتميزة بالتنوع الثقافي واللغوي، وبعد الانتشار الواسع لتقنية الربط الاجتماعي أخذ الجميع يتحسس موطيء قدمه، وصار من العسير لجم تطلعات الاجيال المعاصرة الواعية والمدركة لحقوقها المدنية، ولا يساور المراقب للشأن التشادي ادنى شك في أن الفشل في ايجاد صيغة للوفاق الوطني بعد التغيير، ستكون نتيجته الصوملة.

اسماعيل عبد الله
[email protected]
21 ابريل 2021

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..