مقالات سياسية

َضرورة قيام مائدة مستديرة للسلام الشامل

قيام مائدة  مستديرة للسلام الشامل في السودان.
ما زال ضرورة ملحة.

ما يطرحه عبد الواحد محمد
نور جدير بالإحترام

لا يختلف اثنان حول ان احلال وتثبيت السلام في السودان امر ذو اولوية قصوي. وهو شرط أساسي ومفصلي من اجل تحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة واستدامة مقاصدها. ولا شك ان احلال واستدامة السلام شرط ضروري للخروج من أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذلك، هذا الاستحقاق يهم جميع مكونات المجتمع في كل أنحاء البلاد وليس في المناطق المتأثرة مباشرة بالنزاعات المسلحة فحسب.

وبما ان قضية احلال واستدامة السلام الآن، وبعد انتصارالثورة (او في طريقها) ليست بين جهتين متناحرتين  تواجهان بعضهما البعض، وإنما هي استحقاق يهم جميع مكونات قوي التغيير (بما فيها الحركات المسلحة)، لذلك يصبح من الضروري ان يلتف كل المعنيين بهذة المهمة الوطنية حول طاولة مستديرة (للتحاور وليس للتفاوض)  لاستكمال هذا العمل الهام الذي بدونه لن يجد السودان طريقة نحو التقدم والازدهار في بوتقة تسع الجميع.

ان التوصل الي الحلول (المستدامة) في إطار المائدة  المستديرة يلزم الجميع بمخرجات التداول والاتفاق. هذا يسهل الوصول بطريقة ديمقراطية وشفافة، للاستحقاقات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والهوية وحقوق المواطنة والحريّة المنشودة لبناء سودان المستقبل.

لما تقدم، وبرغم ايجابيات ما تم التوصل اليه في جوبا، يبدو ان استحقاقات السلام الداءم  ليست بالمهمة البسيطة التي يضطلع بها نَفَر محدود من ممثلي الحركات المسلحة ومسؤولين يعينهم مجلس السيادة ومجلس الوزراء. هذة مهمة كبيرة تمس جميع مكونات المجتمع وتحتاج لطرحها علي مائدة  مستديرة للتداول الجاد حول جذور الاشكال الذي أدي الي الاحتراب ومخلفاته المدمرة التي تقف عقبة امام بناء السودان علي أساس متين.

كذلك يجب الاتفاق علي آلية، ليس لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه فحسب، وإنما لتفادي كل ما يوءدي الي تهديد السلام في المستقبل  وكيفية ادارته ان حصل.

ما نطرحه هنا، ليس للتقليل او لرفض ما تم في جوبا من اتفاق بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية، الا اننا نري ان هذا العمل يحتاج الي سد ما به من ثغرات، ومن اجل اصلاح ما اعتراه من اعوجاج من اجل التوصل الي سلام يشمل الجميع ويقبل الاستدامة.

من اهم  الثقرات التي صاحبت اتفاق جوبا:

– أولاً، التعامل مع قضية السلام في اطر  مجزءة  (مسارات)، تمخضت عن محاصصة لتقسيم السلطة والثروة علي أساس نسب وأرقام لا تستند علي أسس علمية او تخاطب جذور المشكلة.

–  ثانياً، اعتماد مسارات لمناطق ليس بها نزاعات مسلحة (مساري الوسط والشمال) اضافة الي عدم وجود اي تفويض شعبي لمن مثلوا هذين المسارين!!

– ثالثاً، عدم شمول المفاوضات للحركات المسلحة ذات الحجم الكبير والمؤثر  علي الارض.   وعدم اشراك الاحزاب والتنظيمات السياسية الاخري وتنظيمات المجتمع المدني ولجان المقاومة في المباحثات، كشركاء أصيلين .

– رابعاً وليس اخيراًعدم قيام مفوضية للسلام، يقوم بإنشائها مجلس الوزراء لتضطلع بتنظيم ومتابعة مباحثات السلام (حسب الوثيقة الدستورية)،  وبدلاً عنها، قامت لجنة من أعضاء مجلس السيادة بهذة المهمة!

ان قضية السلام  لا تقبل التجزئة ،  لان جذور الأزمة واحدة، وتكمن في الخلل الهيكلي الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي الناتج عن  الازدواجية القطاعية (حديث/تقليدي)،  التي خلفها الاستعمار وعمقتها أنظمة الحكم غير الرشيدة بعد الاستقلال.  هذة الجذور، هي التي خلقت العلاقة غير المتوازنة بين القطاعين، والتي تمثلت في نزف موارد القطاع التقليدي نحوالقطاع الحديث دون عودة في شكل استثمار او تنمية. انعكس  ايضاً ذلك الخلل في إهمال متعمد  للقطاع التقليدي فيما يتعلق بخدمات التعليم والصحة وتوفير الاحتياجات الاساسية من مياه وكهرباء وطرق الخ.. كذلك تم إهمال ثقافات ولغات سكان القطاع التقليدي المتعددة مما ولد الغبن الذي دفع الي تعميق الأزمة ونشأة النزاع المسلح.

مجملاً، يمكن القول بانه لن يتحقق السلام والاستقرار الا بحل أزمة السودان الهيكلية برمتها. هذا لا يتاتي بطبيعة الحال بالمعالجات المجزئة. ولا يتم الا بمشاركة كل الأطراف في القطاعين التقليدي والحديث  بصورة موسعة تشمل كل اصحاب الشأن من ممثلي الحركات المسلحة، الاحزاب والكيانات السياسية، ممثلي المجتمع المدني بما في ذلك النازحين واللاجئين  وممثلي المرأة والشباب، والتنظيمات المهنية والنقابات  ولجان المقاومة والحكومة الانتقالية والقوات النظامية. من الموءكد ان هذا لن يتاتي ، الا بالتفاف كل هذة الكيانات حول مائدة مستديرة تعالج جذور المشكلة وليست أعراضها.

اخيراً، يجب ان نتذكر دائماً، ان ما يتم التوصل اليه عبر هذة الآلية (المائدة المستديرة)، هو فقط خطوة نحو السلام. فالسلام ليس باتفاقية توقع ويحتفي بها. ان السلام   يتم فقط بتنزيل ما يتم التراضي عليه بين كل مكونات المجتمع علي ارض الواقع، خلال عملية طويلة ومعقدة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية المتوازنة والمستدامة، علي أسس تثبت في دستور البلاد.  هذا لا يتم عن طريق تقاسم الوظائف  ومقاعد السلطة او بتحديد حفنة من الدولارات لصالح  مناطق النزاع المسلح!

ان السودان يتمتع بخيراته وثرواته الضخمة التي تحتاج إدارة ًحكيمة وديمقراطية، والتي يمكن ان توفر مليارات بل ترليونات الدولارات لتحقيق التنمية في الأقاليم المهمشة وليست هذة المبالغ المتواضعة التي حددت في اتفاق جوبا.

لقد طرحنا ضرورة المائدة المستديرة في مقالنا بتاريخ  17 اكتوبر 2019 تحت نفس العنوان، ولا زلنا نوءكد ضرورته، لثقتنا بان  السلام هو شان كل مكونات المجتمع السوداني، ولن يتحقق الا عن طريقها مجتمعةً. ربما تكون هذة الآلية، هي التي يعنيها ايضاً، الاستاذ عبد الواحد محمد نور، لذلك، نري انها، تستحق الإهتمام والإعتماد، لما توفره كصمام أمان لسلام مستدام.

اللهم الهم المجلسين الوزاري والسيادي وقحت وممثلي الحركات المسلحة، التواضع علي الجلوس مع كل مكونات المجتمع الفاعلة والمعنية بالسلام حول مائدة مستديرة للتوصل الي ما يقودنا الي السلام الشامل والمستدام.

د. الحسن النذير
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..