مقالات وآراء سياسية

لماذا نحن منافقون ؟ !!

ياسر عبد الكريم

قبل سنوات ذهبت إلى مصلحة حكومية في الخرطوم لإنهاء معاملة خاصة وكان آخر إجراء هو مقابلة مدير هذه المصلحة فلم أنجح في مقابلته اليوم الأول لكثرة المراجعين اليوم التاني تم دخول المراجعين الى المدير كل إثنيين مع بعض حتى يخفّ الضغط على المنتظرين . أثناء إنتظاري كانت معي في الإنتظار سيدة محترمة كانت تشكو لي بكل مرارة عن الوضع العام وعن الروتين الخاص بهذه المعاملة وحكت لي إنها على مدى يومين متتالين لم تستطع إنجاز هذه المهمة البسيطة والمدير لم يسلم من ألفاظها القاسية .. فدخلت إلي مقابلة المدير مع هذه السيدة الغاضبة فاذا به تندفع نحوه وتقول:
يا باشمهندس نشكرك في كونك ابتكرت هذه الفكرة لكي يتم انهاء المعاملات في زمن قياسي مع ابتسامة عريضة وعندما سمع المدير هذا الكلام تفتحت أساريره وأنا مذهول وقالت أيضاً :إنها لم يطول إنتظارها كثيرا كلها ساعات فقط !!
انتهيت من معاملتي وذهبت ولكن لم أنس هذه الواقعه أبداً وتذكرتها الآن بعد أن أصبحنا نعوم فعليا في مستنقع من النفاق.

تعريف النفاق : هو أن تظهر خلاف ما تبطن .
تذكرت هذه الواقعة بعد ان وجدتني اسأل نفسي لماذا نعيش هذه الحالة المتقدمة من النفاق في كل مناحي الحياة من اعلاميين وصحفيين ومدراء جامعات وموظفين وزعماء أحزاب وحتى البسطاء من الشعب جميعنا نعوم في هذا المستنقع الآسن
النفاق ليس طبيعة في السودانيين وإنما هو تشوه سلوكي ناتج عن نظام الحكم ومن الخطأ ان نقدم الأخلاق باعتبارها شيئا ثابتا منفصلا تماما عن الظروف الاجتماعية والسياسية وكثير من الناس وحتى علماء الدين غالبا ما يرجعون المحنة التى تمر بها البلاد إلى سوء أخلاق السودانيين أنفسهم بهذا انه فقط يدعونا إلى مكارم الأخلاق بمعزل عن أى اعتبار آخر
والنفاق ليس نقيصة اخلاقية وانما هو مرض له علاقة بالظروف السياسية والاجتماعية …عندما نتذكر الفترة التي عشناها وعايشناها بعد إنتصار الثورة في ميدان القيادة العامة هي الفترة الوحيدة التي كانت صادقة وستظل عالقة في الوجدان عندها أحسّ الشبان والبنات بأنهم لقد أعادوا دولتهم المسروقة وهبوا لغسيل الشوارع وطلاء الأرصفة على نفقتهم ويقدمون المساعدة الى بعضهم البعض ورسموا أعظم لوحات جدارية تحكي الفرح بالثورة والتخلص من النظام

السيدة التي دخلت معها الى المدير المستبدّ تعلم جيدا أن معاملتها بيد مدير هذه المصلحة يستطيع أن لا يوافق بتكملة الإجراءات إذا هي أغضبته ولن يسأله أحد عما يفعل لعدم وجود دولة القانون ولذلك فهي تنافقه لكي لا تخسر حقوقها هذا يدلّ على أن الظلم هو ما يجعلنا كذابين ومنافقين وجبناء

إذا كنت حرا وأحسست أن هناك قانونا يحميك فلن تنافق السلطة أبدا أما إذا كنت وحدك أمام سلطة غاشمة فسوف تسكت عن الحق أو تنافق..

اذن أسباب النفاق عندما نيأس من العدالة ونتخلى عن النفاق بمجرد أن نتحرر من الظلم وتحكم دولة القانون عندئذ نتحرر تلقائيا من الخوف وندافع عن الحق .عندما يحس الانسان بالعدالة يخرج افضل ما لديه من قيم واخلاق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..