مقالات وآراء

ذكرياتى مع رمضان واعياده السابقة الجميلة

محمد نور احمد على مسعود

اعزى اسر شهداء الثورة السودانية  العظيمة  وادعو الله ان يعجل  بشفاء  المصابين واكتفى بان اعيش ذكريات رمضان واعياده القديمة تيمنا بها حتى لا تتجدد المواجع فى اطلالاته القادمة ليعود  رمضان ويجدنا اكثر وحدة وترابطا وتعاضدا  وإلفة ومحبة .اقدم لكم ذكرياتى مع رمضان والعيد  عندما كنت صبيا يافعا لاخرج بكم من هذا  الجو المشحون بالدموع والاحزان والاوجاع حتى  نستروح قليلا بالاتكاءة على  ماضى  ذكريات رمضان واعياده السابقة المبهجة  الجميلة التى عاشها  هذا البلد الطيب المعطاء.
كانت الناس فى السابق عند تحرى  رؤية هلال رمضان  تخرج فى فناء القرية الوديعة  ينتشرون  هنا وهناك،  يرفعون رؤوسهم إلى السماء  محدقين بغية إصابة  رؤية  هلال رمضان العظيم  وعندما يرى أحدهم  الهلال يصيح باعلى صوته ويقول بملء فمه : لقد رايته تعالوا واقتربوا منى  لاشير لكم على مكانه . عندما تتم الرؤية   غالبا ما يتم أصطحاب  من  رأى الهلال  إلى شيخ  الطريقة الصوفية  الموجود فى القرية أو  فى  منطقة اخرى مجاورة   ليتم التاكد من صحة  الرؤية واعتماد شهادة من رآه ثم يتم إعلان بداية شهر الصيام  ،  كهذا كانت تتم رؤية  هلال رمضان بطريقة رؤية العين بشكل مباشر ويطلق على هذا النوع من رؤية الهلال ( رؤية شوف عين )  وهنالك رؤية يتم اعتمادها عن طريق الدولة عبر مؤسساتها الفلكية والدينية حيث يتم الاعلان عن ثبوت رؤية هلال  رمضان عبر المذياع  واحهزة الاعلام المختلفة وكان الناس يطلقون على هذا النوع من الرؤية(  رؤية ثبت  شرعا )  .  هنالك من يعتمد على الرؤية  المباشرة وهنالك من يعتمد على اثبات الرؤية عن طريق الدولة (رؤية ثبت شرعا  )  وبنفس الطريقة يتم اثبات رؤية  هلال شوال   وبداية العيد السعيد ، كان ذلك فى السبعينات والثمانينات ولكن الناس  إزدادت   وعيا وفهما  دينيا بضرورة  الانصياع لولاية الدولة فى البت فى أمور ثبوت رؤية هلال رمضان  ولذلك اصبحت تعتمد على ثبوت رؤية هلال رمضان وهلال شوال  على إعلان   الدولة ، وهكذا  كانت تتم رؤيته فى السابق والحاضر . عندما كنت صبيا يافعا اتذكر ان  والدى كان  يذهب إلى حانوت القرية  ليحضر لنا ملابس العيد  وبلح وحلوى ودقيق   ومسلتزمات اخرى لاعداد الكعك  وكانت والدتى تقوم باكرا  تؤدى  صلاة  الصبح  ثم تبدا فى إعداد الزلابية باحجام كبيرة ( لقمة القاضي )  ، تضع طبق معبأ بالزلابية  على صينية ثم  تضع معه  طبق من الحلوى  والكعك وحافظة  شاى احمر  وحافظة  شاى لبن ثم  يقوم اخى الكبير بحمل الصينية إلى الديوان الذى يتواجد فيه والدى ومجموعة من الجيران والأحباب و كل واحد منهم ياتى بصينيته ويبدأ الجميع فى تناول الزلابية والبلح والحلوى واحتساء الشايى الأحمر والأبيض ، الناس كانت متسامحة ومتصالحة ونفوسها  طيبة يعبرون عن العيد بفرحة جماعية، يتبادلون الحديث ، يضحكون ، يمرحون،، يتبادولون تحيات العيد ويعفون عن بعضهم البعض . يذهب الصبية فى صحبة الكبار الى الجيران والاهل والاقارب لتبادل  تحيات العيد ، قبل يوم العيد كان كل واحد منا يحرص على غسل  ملابسه  وكيها وإن لم تكن فى البيت مكواه يذهب إلى الجيران لكيها عندهم . كنا نجتمع ونذهب معا لأداء صلاة العيد مع اقرب شيخ طريقة صوفية وكنا نذهب بالعربات وبعضنا يذهب عن طريق الدواب  وبعضنا يذهب راجلا  حيث تقام هنالك مراسم الاحتفال بالعيد بالضرب على النوبة والوقوف فى حلقات دائرية لذكر الله مع التحرك مع إيقاعات النوبة  ، هذا كان سابقا ولكن الان اصبح الناس يؤدون صلاة العيد فى اقرب فناء مسجد للقرية وما عادت النوبة تضرب ليلتف الناس حولها ويتمايلون مع ايقاعاتها لترديد بعض الأذكار ذات الطابع الصوفي  كما كان سابقا  حيث   تبدلت الاحوال وازدادت الطرق الدينية فى بلادى بعد أن كان السودان يغلب عليه طابع التصوف  ولا ينكر أحد ان الصوفية قد لعبت دورا كبيرا فى نشر الإسلام وتعليم القران فى مؤسساتها التى تعرف بالخلوة والمسيد  . تعددت الحركات الدينية فى السودان  من حركات سلفية وجهادية وتكفيرية ووسطية وشيعية واخوانية والأخيرة كانت موجودة منذ الاربعبنات، بدات معتدلة تدعوا إلى إصلاح المجتمع وتهدف لإحياء الدين وتبتعد عن السياسة ولكن سرعان ما انحرفت عن مسارها وتحولت إلى جماعة نفعية  تستغل الدين مطية للوصول إلى السلطة ومنها التجربة  الكيزانية البغيضة  التى استمرت فترة   ثلاثين عاما   فى حكم السودان ، دمرت خلالها السودان وغيرت خريطته السياسية بعد أن فصلت منه الجنوب ونزلت به إلى الدرك السحيق   .  عندما كنت صبيا يافعا اتذكر  انه كانت لنا  اربعة بقرات حلوبات حديثات الولادة، يقوم والدى مبكرا لأداء صلاة الغجر وبعدها يقوم بايقاظنا من النوم ثم يبدا  فى حلب البقرات ويحضر جردل   ملىء بالحليب الطازج وبحانبه  اناء صغير يضعه  امامنا ويقول لنا :  اشربوا الحليب على قدر ما تسطيعوا، املوا ضلوعكم، اريدكم ان تصبحوا أقوياء افاخر بكم الناس ، نشرب الحليب ونستمتع بطعمه الطازح، نشرب حتى تمتلئ بطوننا وتنتفخ ضلوعنا وما تبقى من حليب يذهب به والدى ليعطيه لوادتى لتضعه فى سعن الهزيز  لغرض هزه واخراج السمن منه فيصبح لبن رايب خالى الدسم بعد نزع  زبدة السمن منه  و تصنع  والدتى من الروب  ما يعرف بملاح الروب الذى يصب على العصيدة ثم يتم اضافة السمن  عليه ويقدم فى طبق شهى. كانت والدتى امراة مدبرة تقوم كل يوم باعداد السمن من الحليب المهزوز   ووضعه وحفظه  فى باقة كبيرة لاستخدامه   كغذاء فى وقت الصيف الذى يجف فيه  الضرع  والزرع . فى موسم الزراعة كانت والدتى رحمة الله ورضوانه عليها تجمع اللوبيا والباميا والملوخية واللوبيا العدسية وفريك عيش الذرة  وتقوم بتجفيفها وحفظها فى اماكن آمنة . عندما ياتى رمضان تخرج والدتى ما ادخرته من لوبيا عدسية وفريك ذرة  رفبعة فى إعداد البليلة لتقديمها مع البلح فى الأطباق الرمضانية وكذلك السمن البلدى لتزين به طبق العصيدة المملحة بملاح النعيمية أو ملاح اللوبيا لبعطيها طعما ونكهة لذيذة المذاق أو اضافة السمن البلدى لملاح الشرموت الابيض الذى يقدم مع  العصيدة . هنالك تفاصيل كثيرة تتعلق بالسفرة السودانية الرمضانية لا استطيع وصفها بشكل شامل لانها متنوعة وتختلف من مكان إلى مكان آخر حيث كل منطقة لها ثقافتها الخاصة فى تقديم الاطعمة الرمضانية لأن السودان بلد متعدد المناخات ومتنوع الثقافات ولكن رغم هذا التنوع فاننا نلتقى فى أشياء كثيرة تتعلق بالاطباق الرمضانية كطبق العصيدة ومشروب الحلو مر  وسلطة الروب وبليلة اللوبيا العدسية  وبليلة فريك الذرة  ، فهى  أطعمة تستخدم فى كل اجزاء السودان ومتى ما هاجر السودانى إلى دولة أخرى فان الاطباق التى يتناولها فى رمضان لا تخلو من هذه الاصناف. ومن الأشياء الجميلة التى تؤكد على اصالة وشهامة وكرم هذا الشعب السودانى العظيم  هو اقامة الإفطارات الجماعية فى رمضان، كل الجيران يجتمعون فى مكان معين لتناول الافطار وغالبا ما يكون ذلك فى  اطراف الشارع وذلك لهدف المشاركة فى اطعام كل الذين ياتون عبر الشارع . نسال الله للوالد والوالدة  الرحمة والمغفرة والعتق من النار وعالى الجنان  فى  خواتيم  هذا الشهر المبارك .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..