
هذه هي النهاية التراجيدية المُحزنة لهذه الملحمة السلمية هو ما دأبت عليه قوى الردة في التعامل مع الثوار، فسقط في كل منحني من منحنيات النضال الشهداء والجرحى والمفقودين، ولكن كل هذا التعامل الوحشي واللا أخلاقي والذي لا يسنده عرف ولا دين في مقابلة تحركات الجماهير، كل تلك الوحشية لم تكسر عزيمة إرادة شبابنا الثوري المصادم، ولم تتراجع حركة الجماهير وإنما ازدادت ثباتا وجسارة واتساعا، كل هذه الوحشية في التعامل مع الحراك الثوري وكل ما كلفنا من شهداء وجرحى ومفقودين إلا أنها زودتنا بذخيرة واسعة من الوعى، بذخيرة واسعة من اشتراطات النضال، كيف نقرأ الواقع في موضعيته وذاتيته في اللحظة التاريخية المحددة، وكيف نقرأ عدونا قوته ونقاط ضعفه وأدواته، وكيف نرتب صفوفنا ونوحدها وكيف نحدد زمان ومكان المعركة، وماهي الشعارات التي نرفعها والمطالب التي نُقدمها والتكتيكات المطلوبة لخوض المعركة، هذا الوعي بهذه الاشتراطات هو ما يُميز هذه الثورة وخلق منها ثورة وعي حقيقي، هذا الوعي علمنا أن لا نستعجل النهايات، أن لا نختصر الصراع في معركة واحدة، فنحن عندما نرفع شعار تسقط بس نرفعه كآفق لنضالنا، ننجزه عبر معارك متعددة حتى وصولنا لهذه الغاية.
ملحمة التاسع والعشرون رغم نهايتها المحزنة إلا أنها قدمت لنا الكثير من القيم والدروس المفيدة والمطلوبة لتقوية وتكريب نضالنا فمن ناحية صعدت بالمزاج الثوري للجماهير واستعدادها للمشاركة النشطة في الحراك، وخفضت الكثير من حالة الإحباط وأربكت صف أعداء الثورة والتغيير، وأوضحت الاحتياطات المطلوبة لتفعيل وتقوية الحراك، ونبهت للعمل على توحيد أوسع جبهة من الجماهير في العاصمة والولايات، والي تفعيل العمل السياسي وإخراجه من دائرة التصريحات والبيانات إلى عمل جاد ومكثف وسط القواعد، وأن نتوحد أكثر حول الشعارات والمطالب والتكتيكات التي تتطلبها كل معركة، وأن نُحدد دائماَ مطالبنا بدقة وأن لا نطرحها في عمومياتها، فمثلاً لا نرفع شعار تغيير رئيسة القضاء والنائب العام هكذا دون تحديد البديل، وإنما نرفعه مطلب محدد من ثلاثة أسماء نُرشحها نحن وفق معايير موضوعية بعد موافقتها لتولي مسئولية القضاء والنيابة العامة، بهذا التحديد نكون قد الزمنا السلطة أن يتم التغيير وفق رؤيتنا نحن التي نعتقد في أنها ستُساهم في دفع الثورة إلى الأمام، بدون هذا التحديد نكون قد تركنا أمر المعالجة للسلطة، والتي عودتنا دائماَ أن تُكلف من هم قريبين منها، بتولي هذه المسئوليات من أناس بعيدين عن الثوار وعن مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة، تحديد هذه المطالب بهذه الكيفية مهم لنفرض على السلطة أن تتصرف وفق رؤية الثوار.
أيضاَ كما ذكرت سابقاً ملحمة التاسع والعشرون من رمضان رغم نهاياتها المحزنة إلا أنها أصبحت محطة للبناء، نبني عليها بعد مراجعة دقيقة لكل ما اكتنفها من إيجابيات وسلبيات لمعركتنا القادمة في الثالث من يونيو لتكون معركة أوسع وأكثر تنظيما وأكثر قدرة على تحقيق ما رفعته من مطالب، فلنتحرك موحدين لتصحيح مسار الثورة وللانتصار لشعاراتها وبرنامجها، فعلينا بالوحدة واليقظة والإقدام نحو غايات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، والمجد والخلود للشهداء والعافية للجرحى والعودة السالمة للمفقودين والقصاص الناجز من كل أعداء الثورة.