مقالات وآراء سياسية

شركاء متشاكسون

الزبير ابراهيم الكبور

يشهد الراهن السياسي اليوم حاله احتشاد تاريخي غير مسبوق لطيف واسع من المنظومات السياسيه المحاكمه ..

يكاد يكون هنالك اجتماع تام لكل القوي الوطنية الثورية التي تنتظم في اعرض منظومة حكم تشهدها البلاد ..

وان كان هذا الإجماع بحد ذاته يعتبر محمدة كبيره لصالح التقارب بين هذه المكونات .. إلا أن وجود هذا الحشد الضخم في منظومة حكم واحده يشكل تحديا كبيرا لصناعة القرار من خلال التباين الكبير في وجهات النظر التي وان حاولت الاتفاق علي بعض القضايا فمن المستحيل أن يستمر هذا الوفاق دون ظهور شروخ وتصدعات هنا وهناك قد تعصف بمنظومة الحكم وربما تعجل بانهيارها ..

وخير دليل علي ذلك ما تشهده من تخبط لبعض القوى الشريكة والتي تحاول البحث عن ذاتها ومحاولة الظهور وسط هذا الزخم من الازدحام السياسي بانجرافها مع التيارات المعارضة تارة .. وتأييدها للمنظومه التي تمثلها تارة أخرى .. فحتي الان معظم التيارات التي تحسب كشريك أصيل في الحكم لا تزال عقلية المعارضة تسيطر علي الكثير من تصرفاتها ..

مما يجعل منها صورة متناقضة لحزب يضع رجلا في خانة المعارضة والرجل الأخرى يحتجز به حصته من السلطه .. وقد شهدنا كثير من مثل هذه التناقضات لأشخاص يجلسون على أعلى هرم السلطة .. وفي نفس الوقت يحرضون كوادرهم للنزول الي الشارع والضغط على السلطة التي هم جزءا منها ! ..

في حالة غريبة من التناقض المضحك .. أنها حالة الارتباك الواضح وأحد أهم كبريات سوءات القيادة الجماعيه واسعة الطيف .. ومن الجيد لهذه الأحزاب أن تختار سرجا واحدا لتركيب عليه .. فأما سرج المعارضه أو سرج الحكومه ..

لنأخذ مثلا هرم السلطة الذي يتربع عليه أربعة عشر عضوا يمثلون مؤسسة الرئاسة .. بلد يجلس علي دفة قيادتها اربعه عشر رأسا دفعه واحده .. كيف لهم ان يسيروا البلاد في تناغم دون مشاكسات وان لم تطفو الي السطح فحتما تشهد الكواليس صراعا وتناحرا في الصلاحيات .. هناك أعضاء في المجلس السيادي لم نسمع حتي باسمائهم تتردد في الاعلام .. وهنالك من تقوقع وحصر نفسه في مربع ضيق وهو أقرب لكبير الموظفين في لجنه رئاسيه منه الي راس دوله يستطيع حسم الكثير من الأمور يجره قلم .. هذا بالطبع أن توافرت الشخصيه القويه التي تكون بقدر تحديات المرحله .. حتي الشركاء الجدد الذين تضاءل بريقهم و لم نسمع لهم صوتا بل لم نستطيع حتي الآن تصنيف حالتهم الي اي جناح يمكن احتسابهم .. ا الي الشق العسكري ؟ . ام المدني ؟ الا أننا نقف في حيره في تصنيف شركاء السلام .. هل هم حاله عسكريه مثلا .. يمكن حسابها الي الشق العسكري باعتبار أن لديهم جيوش مقاتله وبحسب الاتفاق يجب أن تدمج في منظومه جيش وطني واحد يتم ابتعاده كليا عن ممارسه العمل السياسي وحصره في إطاره المهني المنوط به وهو الأمر الذي تتطلبه حقيقه الدوله المدنيه والتحول الديمقراطي السليم التي تتطلع إليها الجماهير العريضه التي لا تزال تحرس ثورتها من أطماع العسكريين ..

ام أن هؤلاء الشركاء الجدد يمكن تصنيفهم الي القوي المدنيه باعتبار أنهم جماعات سياسيه اضطرت الي حمل السلاح وهي الآن بصدد اعاده بناء نفسها لتتحول الي قوي مدنيه لها حق أن تكون في المشهد السياسي وممارسته الحق الديمقراطي والانتخاب ؟ .. ام هي حاله من ( الخناث العسكر مدني ) إن جاز لنا التعبير باعتبار أنها تتصف بخليط تشريحي مزدوج بين العسكريه والمدنية .. وان كان الأمر كذلك فهو أمر يجب حسمه فورا و تخييرها بين ارتداء البزة العسكرية أو انخراطها في العمل المدني .. لأن المرحلة المقبلة تتطلب ابتعاد كافه المظاهر العسكرية عن العمل السياسي حتي تستطيع هذه البلاد العبور بسلاسة نحو رحاب دوله مدنيه باتت حلما يراود الجميع ..

وبعض هذه المكونات السيادية تحاول البروز الي السطح من خلال التصريحات المشاكسه واللقاءات الجماهيرية غير المنضبطة والتي نلاحظها في الكثير جدا من خطابات القاده العسكريين الذين يحاولون تحميل شركاءهم المدنيين كل الإخفاقات وكأنهم بمعزل عن هذه الشراكة التي هم جزء أصيل منها بل ويمثلون راس السيادة العليا فيها ..

واحد أكبر التحديات الحاليه هو الانتهاك الصريح لبند واضح المعالم ينص صراحه علي تسليم المدنيين لرئاسه المجلس السيادي بحلول التاسع عشر من مايو المنصرم .. وهو ما لم يتم بالفعل ويعتبر انتهاكا صريحا لنصوص الوثيقة الدستورية .. وهو نص لا يزال موجودا ولم يتم الاشارة الى الغاءه أو حذفه في ملحق اتفاق جوبا .. مما يجعل من الأمر انتهاكا واضحا ويثير شكوكا كبيرة في حقيقة شرعية الرئيس الحالي .. يجب علي القانونيين توضيح هذا اللبس بصوره واضحه وجليه . .

أن استقالة العضو السيادي عائشه السعيد تدلل بوضوح علي أن هذا الترهل في المجلس السيادي هو أحد العراقيل التي تعوق مسيره التقدم والبناء .. خاصة في ظل مرحله تتطلب حكومه رشيقه تستطيع أن تنفذ مهام الانتقال بسلاسه وسرعه وحسم ولا مجال ابدا لان يظل القصر الجمهوري مكانا للمحاصصات والخدمات الفندقيه الفاخره التي تمتص من دم وعرق مواطن تطحنه الازمات ..

وبالنظر الي حكومه السيد حمدوك التنفيذيه نجد نفس هذا التباين ونفس الترهل ونفس الترضيات لقوي تتشاكس أكثر من أنها تعمل .. كل حزب وجماعة تلت وتعجن في أمر بلد لم يكتمل خمار عجينها بعد .. ينقضي وقت ثمين ولم تشهد أي إنجاز .. بل نشهد علي النقيض تماما تدهورا للحال يوما بعد يوم وساعه بعد ساعه .. واحلام مجهضه لثوره لم تلبي حتي الآن ادني طموحات ثوارها ..

أنها سلبيات الإجماع الوطني المستحيل .. الذي يتطلب أن ينفرد حزب واحد أو علي الأكثر مجموعه ائتلافية متناغمه يترك لها تسيير دفع قارب البلاد التي تتناوشها محاولات السيطرة على القيادة من الكل في آن واحد .. وهو أمر بالطبع يتطلب إجراء انتخاب عاجل لتطبيق برنامج حزب واحد فقط تفاديا لحاله ( الجماعية ) المشاكسه التي يحاول فيها كل طرف تمرير برامجه ورفض برنامج الآخر والطعن فيه وفرض سيطرته ..

حتي الحاضنه السياسيه لا تخلو من هذا التخبط الذي جعل منها منظومه مرهقه بالمشاكسات .. ابسط الأمور يتم تعقيدها .. مما يجعل من الإجماع مخاضا عسيرا يجب الصبر عليه .. والنتيجه هي قرارات متاخره وإيقاع بطيء لكل أعمال الحكومه بلا استثناء .. لذلك ليس من المستغرب أن نشهد تأخرا لقيام المجالس التشريعيه .. وليس من المستغرب أن تشهد الولايات حاله من الفوضي وضبابيه المواقف .. والزج بولاه لا خبره لهم ولا درايه يتخبطون بين ما هو قرار وما هو حسم .. وحق لها أن تتخبط طالما أن المركز لم يحسم صراعاته بعد .. ومن الطبيعي جدا أن تكون معظم الملفات عالقه وحكومه الثوره تدخل عامها الثالث .. وإذا استمر الحال هكذا ستمر علينا الذكري الثلاثون ونحن تتصارع في أطماع شخصيه وتحقيق مكاسب فرديه ولربما تتبلور منظومه خالفه أشد بطشا من الإنقاذ نفسها وهو أمر ليس بمستبعد في ظل افتقار البلاد لرجال بقدر تحديات المرحله ليضعوا همهم صوب مكامن الجرح الذي عجز طاقم حمدوك الفاشل في تطبيبه ..

يجب أن تتنازل المنظومات السياسيه لصالح منظومه واحده حتي وان يتم ذلك بعمل تصويت داخلي يكون بديلا لهذه المحاصصات التي يبدو أنها ستمتد الي سلسله لا متناهيه من الفوضي .. مع وضع فتره زمنيه محدده لهذه المنظومه وصلاحيات محدوده لاداره الازمه الاقتصاديه التي تستفحل الان ولربما ستكون السبب في الاطاحة بالجميع دون استثناء ..
أن ما تفعله الانتخابات ببساطه هي أنها تمكن حزبا واحدا فقط وتمنحه شرعيه ممارسه السلطه .. ليتسني لهذا الحزب اداره البلاد دون ازدواجيه أو مشاكسه في القرار .. حتي يتمكن من تطبيق سياساته ومتابعه تنفيذها ..

وفي حاله حكومتنا التي تكتظ بطوابير الأحزاب والمنظومات المتعدده فهذا الأمر يتطلب توافق الجميع علي حزب واحد ومنحه الثقه في اداره ما تبقي من فتره الانتقال .. ولو عبر انتخابات داخليه .. وتتحول بقيه الأحزاب الي الجهاز التشريعي أو البرلمان لتشكل دورا رقابيا فاعلا في صياغه القوانين بما فيها وضع دستور دائم بإشراف كافه المكونات الوطنيه والسياسيه .. ووضع تشريعات تنظم العمليه الانتخابيه .. وتترك هذا الحزب الواحد يمارس إبداعاته في معالجه الاقتصاد والأمور التي تتطلب مزيدا من الاحاديه والتماسك .. وهو اختبار حقيقي لهذه الشراكه ومدي الثقه في قبول الآخر.. حتي نضمن عبور سهل وموفق .. وان عجزت القوي السياسيه في هذا الإجماع فعليها أن تنسحب وتسلم الحكومه التنفيذيه لمختصين تكنوقراط .. وتتفرغ هي الي بناء برامجها والاستعداد الي التحول الديمقراطي القادم .. ولا بأس في بقاءها في المجلس التشريعي ليكون دورها رقابيا صارما علي سير العمل التنفيذي .. وهو أحد مطلوبات الجمهور الذي جاء بهذه الثوره.

الزبير ابراهيم الكبور
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..