الخرطوم وجوبا .. سر الوفود المتبادلة

حركة دؤوبة بين الخرطوم وجوبا.. مبعوثون رئاسيون بين الدولتين مراراً وتكراراً، الأمر الذي فرض علامات استفهام في المشهد، ابتداءً بهل لهذه الزيارات علاقة بالتفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية شمال؟ أم أن مجلس السيادة السوداني والرئيس سلفاكير يريدان تدارك مخاطر وأخطاء ربما تؤدي إلى تعكير الصفو بين البلدين؟
زيارات متبادلة.. ماذا تقول التحليلات؟
المراقب للوضع العام بين جوبا والخرطوم يؤكد أن العلاقة الآن تمر بأفضل حالاتها منذ استضافة جوبا للمفاوضات بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، حيث لعبت دور الوسيط بينهما حتى تم التوقيع على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020م .
وظلت الدولتان تؤكدان متانة العلاقات التي تربطهما، وتشيران إلى أهمية إزالة أي عوائق بينهما، وحالياً تستضيف جوبا المفاوضات الثانية بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بزعامة القائد عبد العزيز الحلو .
تحليلات تنبه إلى أن جوبا لديها تحفظات على شيء ما، ما عزز ذلك هو الزيارة المتكررة للوفود بين الدولتين.
آخرون أكدوا أن الزيارات لا علاقة لها بأي توترات أو مشاكل تتم مناقشتها سراً، مشيرين إلى أن مشكلة الحدود بين الدولين لا حدث يريد إيقاظها الآن، لأن جوبا مبتهجة بما حققته من نجاح في جمع الحكومة وحركات الكفاح المسلح على طاولة واحدة بل وأنها بدأت فعلياً التخطيط لمنبر يجمع عبدالواحد نور مع الحكومة الانتقالية.
ويذهبون إلى أن جوبا جمدت المشاكل التي كانت تظهر مع الخرطوم من وقت لآخر..
الخبير العسكري د. أمين مجذوب استبعد في حديثه لـ(السوداني)أن تكون لها علاقة اتفاقيات بين جوبا والخرطوم لأن هذا ليس وقتها كما أن الحكومة السودانية ليست متفرغة لمناقشتها حالياً ولديها مايكفيها، وأضاف إن صح أن حكومة جنوب السودان أثارت هذه القضايا الآن فيكون نوعاً من الضغط والابتزاز السياسي، لأنها الآن تستضيف المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية شمال.
إشارة خضراء
مراقبون أشاروا إلى أن الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت يريد أن يصل عبدالعزيز الحلو إلى اتفاق مع الحكومة الانتقالية، سواء بضغوط دولية أو بإرادته، لافتين إلى أنه طلب من الحلو ضرورة أن يتحلى بالشجاعة والوصول إلى توقيع اتفاق.
تحليلات أخرى تطرح فرضية أن تكون زيارة الوفود الجنوبية بغرض أن تمنح الخرطوم الضوء الأخضر وإشارة الموافقة للوفد المفاوض في بعض القضايا الخلافية، بالتالي سيستجيب الوفد في جوبا باعتبار أنه تلقى أوامر مباشرة من الخرطوم، في وقت تمسك فيه الحكومة الجنوبية بـ(تليين) موقف الحلو فهو ما يزال مرتبطاً عضوياً بجيش الحركة الشعبية وعبدالواحد نور بدرجة أقل.
محللون سياسيون يشيرون إلى أن عبدالعزيز الحلو يعتبر سلفاكير رئيسه المباشر ويكن له تقديراً واحتراماُ كبيرين. ومن جهة أخرى فإن جوبا كسبت ود الخرطوم بالتالي من السهولة أن يأتي الوسيط توت قلواك وغيره لتقريب وجهات النظر، كما أن سلفاكير يعتبر أن هذه الفرصة المناسبة لأن يوقع الحلو على اتفاق سلام ويعود إلى قواعده التي انتظرت لحظة توقيع الاتفاق كثيراً ، فضلاً عن التجهيز للانتخابات القادمة .
الورقة الإطارية:
د.أمين مجذوب يذهب إلى أن هناك خلافات جوهرية بين وفدي التفاوض استدعت مقابلة الرئيس سلفاكير ميارديت لوفد التفاوض السوداني في جوبا، وإيفاد الوسيط توت قلواك للخرطوم للالتقاء بالرئاسة السودانية لحل الخلافات.
مجذوب يرى أن الورقة الإطارية التي سلمتها الحركة الشعبية شمال تحوي بنوداً غير منطقية وبها الكثير من المبالغة ورفع سقف المطالب، وأضاف: لا بد من العمل الجاد مع مجموعة الحركة الشعبية شمال لتلافي التصعيد والطلبات المبالغ فيها حتى يتم وضع الأجندة وبد التفاوض بطريقة صحيحة.
وقال إن أفضل أسلوب لتحقيق نتائج في التفاوض هو أسلوب الحزمة الواحدة بأن يكون الاتفاق متكاملاً يكمل كل جزء منه الآخر، بحيث لا يخسر طرف أو يكسب آخر، وأن تكون مصلحة السودان هي الغالبة.
قضية الحدود
مراقبون أشاروا إلى أن زيارات الوفد ربما لها علاقة بترسيم الحدود، فمنذ انفصال دولة جنوب السودان تم تحديد منطقة أبيي التي يسكنها المسيرية ودينكا نقوك باعتبارها منطقة آمنة، وبحسب تقارير إعلامية فإنه بعد سقوط نظام المخلوع وافَق السودان وجنوب السودان مبدئياً على قضية ترسيم حدود الدولتين، ووقعا بالأحرف الاولى على تقرير ختامي.
المختص في مجال الحدود د.صديق محمد أشار في حديثه لـ(السوداني) إلى أنه بحسب اتفاق نيفاشا فإن حدود جنوب السودان حسب اتفاقية 1956م ، مشيراً إلى وجود نزاع في مناطق أخرى، وقال إن الاتفاق حول الحدود بين الدولتين يمكن أن يتم بكل سهولة.
محمد استبعد أن تكون الحدود خميرة عكننة بين الخرطوم وجوبا، وقال الآن العلاقة بينهما (سمن على عسل) وأضاف هذا الوقت المناسب لحسم هذه القضية، لأن كل دولة حريصة على الحل الودي.
رفض جوبا:
الشهر الماضي أعلنت جوبا رسمياً رفضها طلب السودان بتغيير الجنود الإثيوبيين في بعثة اليونسفا بأبيي، وألا يكون الجنود ضحايا لأزمة بين السودان وإثيوبيا.
وقال مندوب جنوب السودان الدائم في الأمم المتحدة أكوي بونا ملوال خلال جلسة خاصة حول الوضع بأبيي وأداء اليونسفا الإثنين الماضي، إن بلاده ترفض خروج الجنود الإثيوبيين من البعثة، فيما أوصى الأمين العام في خطابه بتمديد عمل ولاية البعثة حتى أكتوبر من العام المقبل.
وزير الخارجية د. مريم الصادق، بررت طلب الحكومة السودانية بسحب و(تغيير) القوات الإثيوبية ببعثة اليونسفا بآخرين، بالقول : لا يمكن أن يكون الجنود في العمق الاستراتيجي السوداني، في وقت تحتشد فيه القوات الإثيوبية على الحدود الشرقية.
العلاقات المتميزة
في الوقت الذي توجهت فيه أنظار السودانيين إلى جوبا لمتابعة استئناف المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، سجل مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية ورئيس فريق الوساطة الجنوبية توت قلواك زيارة إلى الخرطوم ، منتصف الأسبوع الماضي وصفها مراقبون بالمفاجئة، لجهة أنه لم يكن هناك أي حديث عنها.
توت قلواك أوضح في تصريح صحفي سابق، أن زيارته للخرطوم تأتي في إطار العلاقات المتميزة بين الخرطوم وجوبا، مشيراً إلى أنه أطلع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان على مسار عملية التفاوض بجوبا بين وفدي الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، إلى جانب بحث القضايا السياسية والتحديات التي تواجه مسيرة العلاقات بين البلدين.
السوداني