مقالات سياسية

مشروع إفساد الذوق العام!!

معادلات

علي يس

  • أخطر ما زوَّد الله به آدم عليه السلام  – و ذريته من بعده – ليتمكن من شق طريقه على الأرض ، هو هذا الشيء الذي نسميه “الذوق” ، و هو “البرنامج” الذي إذا تم إتلافه في شخصٍ ما ، فقدت حياته المعنى ، أما إذا تم إتلاف الذوق في أُمّة ، فلا رجاء فيها إلا أن يبعث الله لها رسولاً ..
  • و الذوق ، يا مولانا ، هو  هذه القدرة المشتركة بين جميع أمم البشر و أفرادهم ، التي تجعلك – دون تعليم و دون تدريب – تميز بين الخير و الشر ، بين القبيح والحسن ، بين الحار و البارد ، بين الحلو والمر ، بين العدل و الظلم ، إلخ .. و هو أمرٌ  يظل هادياً و منيراً طريق صاحبه ما لم يتعرض للإفساد و الإتلاف ، بيد صاحبه أو بأيدي “سلطة” ما .. و ذوقك يتلف يا شيخ ، حين تتجاهل إشاراته ، حين تأتي فعلاً  قبيحاً ، فيقول لك ذوقك إنه قبيح ، فتتجاهل توجيه  الذوق و تصر على الفعل الذي تعلم أنه قبيح ، و بالإصرار و الموالاة سوف يتحول هذا القبيح عندك إلى “حسن” ، و يكون عندها قد مضى ذوقك إلى رحمة مولاه ..
  • أما بيد غيرك ، فإن إتلاف ذوقك ، و إن يكن أمراً عسيراً ، يمكن أن يتم  بـ”التلقين” العملي المتواصل، من قبل جهة متسلطة عليك ، فالسجين الذي يوضع في ظلام دامس لسنين متطاولة ، يتم في الواقع إفساد “ذوقه البصري” ، و الآخر الذي يتم تعريضه إلى ضوضاء متصلة طوال اليوم ، يجري في الواقع إفساد ذوقه السمعي ، و لكن الإفساد الأخطر هو إفساد الذوق المعنوي ، يعني : حين تعتاد على ظُلم يتم تسويقه  بديباجة “العدل” دون أن تعترض على ذلك ، فسوف يختلط عليك قريباً معنى  العدل والظلم.. و حين يأتي قتلة الثوار ليؤكدوا لك ، يومياً ، و خلال عامين متواصلين، أنهم هم حماة الثورة و الثوار، دون أن يبدر منك أي اعتراض على هذه المغالطة البذيئة ، فسوف يأتي قريباً يوم لا تستطيع فيه التمييز بين الجزارين و بين الضحايا ، و هذا الأخير بالذات هو ما يجري هذه الأيام !!!…
  • حين تنطع  مسؤول قانوني رفيع ، أيام عصابة البشير ، رداً على ملاحظة بدهية للغاية أبديناها في كتاباتنا تلك الأيام، تقول تلك الملاحظة إنه مما يناقض بدهيات العقل أن يُسترد المال العام المختلس  ، بعد اكتشافه ، ثم يقال للموظف المختلس  : إذهب إلى بيتك آمناً مطمئناً !!.. حين تنطع قائلاً  أن هذا الأمر يخضع لاختلاف الآراء !!.. يعني ، يا شيخ ، قال لنا ذلك المسؤول (الذي لا أشك أنه ما يزالُ مسؤولاً كبيراً بحكومة ما بعد الثورة) بالعربي : إن كون النار باردة أو حارة أمر يمكن أن تختلف حوله الآراء ، و كذلك يمكن اعتبار من يقول أن الحنظل حلو الطعم صاحب رأي يقبل الصحة و يستحق الاحترام !!!
  • و الطفل الذي ما يزال يحبو ، يعلم بذوقه الذي أودعه الله فيه ، و قبل أن يعرف معنى كلمة “قانون” ، يعرف أن السرقة أو الاختلاس ، جريمة في حد ذاتها و دون أي ارتباط بحجم المال المسروق أو المختلس ، و أن استرداد المال لا يمحو الجريمة .. هذا طبعاً بافتراض أنه تم بالفعل استرداد كل المال المسروق أو المختلس ، فما بالك إذاً بالذي جرى على أرض الواقع والذي يعرفه الجميع ، وهو أن تلك المليارات  تم اختلاسها منذ سنين عددا ، و أنها تم تدويرها في السوق ، و أنها تضاعفت ، لابد ، بضعة أضعاف (و أن هذا الأمر ما يزال جارياً بعد الثورة المسروقة)!!!..
  • إذا استمرت الحال على هذه الوتيرة ، فإنني أتوقع قريباً أن يتصدى محامٍ “شاطر” لمهمة إطلاق سراح جميع السجناء في قضايا جنائية ، و أوّلهم لصوص المؤتمر الوطني ، بمنطق لا يقل قوة عن منطق ذلك المسؤول الرفيع ، هو أن  ما قام به هؤلاء المجرمون أمرٌ يخضع لاختلاف الرأي “الذي لا يفسد للود قضية” ، و أنك إن كنت تراهم مجرمين فإنهم لا يرون أنفسهم مجرمين .. أدركوا القانون والقضاء من طوفان الفوضى ..

المواكب

 

تعليق واحد

  1. عفارم عليك…
    و انت ( اسلامى اعلامى نظيف)…
    و صحفى مهنى تستطيع ان تميز بين ( الصحافة كمهنة ) و بين معنقدك ( الفكرى)
    نتابع كتاباتك منذ ايام مجلة الملتقى ( افادات مؤمن)
    الحق يقال ..( لم تكن من المطبلين لهم…رغم انك كنت تكتب فى صحفهم)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..